نحن سبعة اخوة وانا اكبرهم عمرا كنا نعيش معا في مدينة عراقية اسمها البصرة ولدنا جميعا هناك وترعرعنا بها حتى سافرت الى بغداد لاكمل دراستي في عام 1980 ومن ذلك التاريخ لم نجتمع معا كل تلك السنين الا مرتين.
نعم كنا نتبادل الزيارات بالاعياد والمناسبات ولكن لم نجتمع جميعنا معا في مكان واحد بسبب اشغالنا واعمالنا انا تزوجت وسكنت مدينة الموصل وقسم من اخواني تزوجوا وسكنوا في بغداد والقسم الاخر بقي في البصرة.
المرة الاولى التي اجتمعنا بها معا هو عام الاحتلال اي عام 2003 فاجتمعنا جميعنا في مدينة الموصل وبعد ذلك افترقنا كل واحد منا ذهب الى عمله ليعين اسرته فانقسمنا قسمين قسم سكن بغداد وقسم سكن معي في الموصل وأحد اخواني ذهب الى مخيم التنف بعد ما عانى من معاناة في بغداد وبعدها سافر الى السويد.
وبقينا على هذه الحال ورغم كل ما حصل في العراق بقينا صامدين رغم كل الظروف القاسية التي مرت علينا حتى عام 2009 فتعرضنا لاصعب واقسى الظروف مما ادى الى ان نقرر الرحيل ونترك كل الذي بنيناه وتعبنا من اجله طوال عمرنا من محلات وبيوت واعمال.
فذهبنا الى سوريا عسى ان نجد الامان والاستقرار ولكن هيهات ؟؟؟؟؟ فكان اجتماعنا الاخر الذي كنت احلم به لطالما انتظرته بأحر من الجمر اجتمعنا نحن الاخوة الستة في سوريا ولكن على مراحل وكان معنا والدي ووالدتي واكتملت فرحتنا حين التقينا بعمي وعمتي الذين لم نشاهدهم منذ 30 عاما وكانوا في الاردن وكان لقاء حميم حين رايناهم وهم يلتقوا بابي بعد كل تلك السنين فقلت في نفسي ان الله سوف يعوضنا تلك السنين الطويلة التي لم نجتمع بها جميعنا.
فكنا نجلس انا واخوتي معا جميعنا الا اخ واحد كان في السويد وهو اخانا السابع الذي لم نره منذ خمسة اعوام وكنا نأمل ان نلتقي به اذا كتب الله لنا بان نقبل في السويد او اي دولة اخرى كنا نجلس جميعنا في شقة ابي في سوريا ونتحدث ونقول الحمد لله الذي جمعنا معا واقول في نفسي جاء اليوم الذي سيرتاح به ابي وامي من العناء الذي كانا يعيشانه من قلق علينا وحرمان من رؤيتنا جميعا معا واقول سوف اعوض ابي وامي عن كل تلك السنين.
فتعاهدنا انا واخواني بالا نفترق مرة اخرى حتى وان تشتتنا مرة اخرى في اوربا سنجتمع معا وسيكون من السهل اجتماعنا لن نلاقي الصعوبات التي كنا نلاقيها في العراق فبدأنا نخرج ونتنزه وكأننا عدنا اطفال ونحاول ان نعوض ما حرمنا منه حين كنا في العراق كأننا نريد ان نعيد الزمن الى الوراء وبدأت ترتسم الفرحة والابتسامة على وجه ابي وامي واطفالنا وعوائلنا شيئا فشيئا.
وفي لحظة لن انساها ما حييت ستلازمني العمر كله ولم انساها لانها تركت في قلبي جرح لن يلتأم ابدا انهار كل شيء كل شيء بلحظة حقيرة لحظة كأنها صاعقة صعقت بنا فقطعت اشلائنا دون سابق انذار استكثرت علينا هذه الفرحة التي غمرت عيون اطفالنا لماذا احزاننا لا تفارقنا لماذا افراحنا لا تكتمل؟ لطالما تسائلت عن هاتين الكلمتين ولم اجد جوابا.
فكان شتاتنا هذه المرة اصعب من كل ما مضى لاننا تركنا ورائنا من عاهدناهم ان لا نتركهم حتى يفرقنا الموت ولا ان يروا الحزن ابدا والتعب ففرقونا الذين لا يخافون الله ورسموا الحزن على وجوهنا مرة اخرى تركنا ورائنا النور الذي كنا نستضيء به والعيون التي كنا نرى بها تركنا ورائنا ابانا وامنا.. اه ..اه...
اقولها من كل اعماق قلبي افديكم بروحي وعمري يا والدي ويا والدتي لم اكن اتصور يوما تكونان بهذا البعد عني لم اتصور بأن أحدا في هذا الكون يجرئ ان يحرمني منكم الا الله سبحانه وتعالى او الموت فما عساني ان اقول الا عذرا ...عذرا ...عذرا منكم اعذروا جبني فقد تركتكم ورائي ولم استطع ان احميكم من تلك الذئاب فما عساني ان افعل وتلك السلاسل التي تقيدني وتلك القلوب التي نزع الله منها الرحمة كان الموت اهون علي ولا اشاهد هذه اللحظة و الذي حدث لكم.
اعذرني يا ابي لم استطيع ان اسبح عكس التيار وتلك الامواج العالية والرياح العاتية التي عصفتني ورمتني بعيدا عنك فهل سنلتقي!!!هل سنلتقي يوما وارتمي بين احضانكم يا ابي و يا امي.. واقول لكم عذرا ؟؟؟؟
يا أيها الصبـح هل نلقاك يا أبتـي***أم أننا في حِمام الموت حاوينا؟!
أبكي ولكنْ لماذا الدمع في وجْنـي***إن كان حِبِّي هنا حيّاً يواسينـا؟!
لكنّ دمعي-وإن سالت جداولـه-***يجري اشتياقاً لوجه الصبح يُدفينا
لو أنّ دمـعي تجمّع في مرابعنـا***نهـراً تدفـّق عَرِماً في أراضينـا
أوأنّ نار اشتياقي غادرت قلبـي***صارت بقاع الثرى جمراً يلظينــا
يا أيها الصبح حطّم ليلنا الداجـي***وانشر ضياءك لا تعـبأ بقاضينـا
واطلع علينا وأطفئ نار لوعتنـا***أضحى الفـراق-أبي-للقلب سكّينا
سُحقاً لهذا الدجى طالـت إقامتـه***فعسى الإلـه يزيل الهـمّ ينجينـا
زهير السبع
25/1/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"