لقد أعلن، مؤخراً، عن حملة 'أنا لاجئ يهودي' وهي الحملة التي ستطلقها وزارة الخارجية "الإسرائيلية" لتركيز الضوء على اللاجئين اليهود من الدول العربية والذين غادروا ديارهم هناك ليستقروا في "إسرائيل"، وتم تكليف ثلاث مؤسسات "إسرائيلية" لإنجاز مشروع توثيق وإحصاء أملاك اليهود في العالم العربي وتشجيع اليهود للحديث عن شهاداتهم وصورهم ومستنداتهم والإعداد لمؤتمرات دولية هذا الشهر بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة للحديث عن اللاجئين اليهود .
سارع بعض الفلسطينيين للهجوم على الحملة "الإسرائيلية" والتي من المتوقع أن تتصاعد خلال الأسابيع القادمة والتحذير من أن هذه الحملة تستهدف حقوق اللاجئين الفلسطينيين، والخوف من أن الخارجية "الإسرائيلية" تسعى لمقايضة اللاجئين اليهود باللاجئين الفلسطينيين وأغلب الظن أن هذا رد متسرع ويظهر بحده الأدنى ازدواجية الأخلاق الفلسطينية، فلا ينبغي أن يقول الإنسان موقفين في قضية واحدة وحينها يفقد القدرة على الدفاع عن قضيته الأساسية .
لا ينبغي أن يعارض الفلسطينيون الحديث عن لاجئين يهود من الدول العربية بل يمكن للفلسطينيين أن يستفيدوا من هذه القضية بالقول ببساطة 'نعم هناك لاجئون يهود غادروا ديارهم' بالتأكيد هذا يخدم الفلسطينيين من جانبين، الأول هو استمرار التفوق الأخلاقي على "إسرائيل" باعتبار أن الفلسطينيين يطالبون بعودة لاجئيهم، فمن غير الطبيعي أن يرفضوا حقوق اليهود بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها من الدول العربية، وبصرف النظر كيف تم تهجيرهم، ودور الوكالة اليهودية ومن ثم دولة "إسرائيل" وأجهزة مخابراتها، ووصل الأمر أحياناً إلى الاعتداء على الكنس اليهودية والجاليات اليهودية في العواصم العربية لتهديد أمنهم لإرغامهم على الهجرة إلى "إسرائيل" وقد كشف التاريخ تلك العمليات وبالتحديد ضد يهود العراق. ولكن الحديث عن حقوق اليهود بالعودة هو حديث أخلاقي على الرغم من أن "إسرائيل" هجرت اليهود العرب إليها بهدف القيام بالعمل الشاق للزراعة والبناء كبديل عن العرب ولم يخطر ببال مؤسسي الدولة أن هؤلاء ستكون لهم مكانة في قيادتها وربما يكشف كتاب 'النضال الطائفي لليهود الشرقيين' لليهودي الشرقي شامي شالوم شطريت عن الغبن التاريخي الذي لحق بهم ولا يزال منذ أن أسست الدولة التي نظرت لليهود من أصول عربية نظرة استعلائية ولا يزال الأشكنازيون يتعاملون مع اليهود العرب بازدراء واحتقار شديدين، وأصدق تعبير ربما صدر في بدايات القرن الحالي من شاعر الحركة الصهيونية الأبرز 'نحمان بباليك' حين سئل لماذا يكره العرب قال 'لأنهم يذكرونني باليهود الشرقيين' .
المسألة الثانية أن الحديث عن عودة اللاجئين اليهود إلى بلدانهم العربية يعني خروجهم من فلسطين وتخليهم عن بيوت وأراضي أهلها التي تمت مصادرتها بالقوة وتوطين اليهود العرب فيها، وهذا الأمر ربما يصحح خطأ تاريخياً مزدوجاً ويمكن أن يرفع الفلسطينيون شعار 'فليعد كل إلى دياره التي هجر منها ولا فرق بين يهودي وعربي' .
الثابت أنه لا يهودي يمكن أن يقبل بالعودة إلى دولته العربية وإن كان حجم الحنين كبيراً في روايات كتاب اليهود العرب وشعرائهم وما زالت ضفاف دجلة تداعب خيال كثير من المثقفين العراقيين اليهود الذين غادروا ولكن إمكانية العودة تبدو مستحيلةً، وإن أراد أي منهم ذلك فلن تسمح له الدولة العبرية بالمغادرة وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يتم تأييد حقوق عودة اليهود إلى مدنهم العربية .
فليعد بنيامين بن إليعازر 'فؤاد' إلى العراق موطن آبائه وأجداده، وليعد داني أيالون مساعد وزير الخارجية وقائد حملة حقوق اليهود إلى وطنه الأم الجزائر، ومن حق سيلفان شالوم التونسي العودة إلى البلاد التي ولد فيها فوالدته حتى نهاية العام الماضي هناك تعيش في مدينة قابس، جنوب تونس، وليعد عوفاديا يوسف للعراق أو لمصر التي شغل فيها منصب حاخام الطائفة في نهاية أربعينيات القرن الماضي، وليعد إيلي يشاي زعيم حزب شاس إلى فاس مدينته التي ولد فيها قبل خمسة عقود ومثلهم مئات آلاف آخرين ومن حقهم أن يستعيدوا أملاكهم التي فقدوها وبيوتهم الأصلية التي سكنوها يوماً ليعودوا هم وأبناؤهم وأحفادهم هذا حقهم، ويجب على الفلسطيني أن يقف إلى جانبهم فليس من العدل أن يطالب الفلسطيني بعودة لاجئيه ثم يتنكر لعودة اللاجئ اليهودي فهو بذلك ودون أن يدري يفقد تفوقه الأخلاقي في هذا الصراع الطويل وحين يتنكر لحق اللاجئ اليهودي فهو يعطي "لإسرائيل" المبرر للاستمرار في التنكر لحقوق الفلسطينيين ويهبط بالرواية الفلسطينية تماماً إلى مستوى الرواية "الإسرائيلية" ويعطي الأخيرة تبريراً مجانياً أمام العالم حين تقارن بالموقف الفلسطيني المتسرع الذي يصف الحملة "الإسرائيلية" بأنها 'مكر صهيوني جديد' .
المسألة هنا لا تطلب توصيف للحملة "الإسرائيلية"، ففي السياسة عليك أن تكون أكثر مكراً من عدوك وهنا يتطلب الأمر دهاء فلسطينياً للاستفادة من هذه الحملة، فهي مهمة وتقدم لأول مرة اعترافاً "إسرائيلياً" بحقوق اللاجئين الذين هجروا من ديارهم، وهنا تضبط "إسرائيل" متلبسة بالاعتراف بحقوق اللاجئين ولكن المسألة هنا لا تتوقف على اللاجئين اليهود، وحين تسأل "إسرائيل" وماذا عن اللاجئين الفلسطينيين فأي رد سواء أكان إيجابياً أو سلبياً كما هو متوقع سيزيد من كشف عنصرية "إسرائيل" ويعطي للفلسطينيين مزيداً من نقاط التفوق في صراعهم معها .
يجب أن يستغل الفلسطينيون هذه الحملة لصالحهم ويلتقطوا هذه القضية، فماذا لو صدر إعلان عن الجامعة العربية يرحب بعودة اللاجئين اليهود إلى الدول العربية التي غادروها؟ وماذا لو لعبت القيادة الفلسطينية دوراً بذلك إذا ما تقدمت بهذا الاقتراح الذي يعيد على الأقل إحياء ملف اللاجئين الفلسطينيين ويحشر الرواية "الإسرائيلية" في خانة الضعف؟ فمن أراد العودة من اليهود سواء فرادى أو جماعات، فلن يضير العرب عودة اليهود إليها، فما زالت أكثر من نصف الدول العربية يسكنها بعض اليهود ويعيشون إلى جانب جيرانهم دون أن نسمع عن أزمات، فالسبب في تهجير اليهود العرب هي "إسرائيل" وأجهزتها الأمنية وأذرعها الاستخبارية وهي السبب نفسه في هجرة اللاجئين الفلسطينيين .
يجب ألا تجرنا "إسرائيل" إلى الحد الذي نفقد فيه حقوقنا وروايتنا وممكنات قوتنا الأخلاقية، فليكن شعار الفلسطينيين : فليعد اللاجئون اليهود إلى ديارهم كما عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ! .
أكرم عطاالله
2/9/2012
المصدر : وكالة الفتح للأنباء