*عبرة كورونا * 8-9-10-11 .. أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 869
*عبرة كورونا * 8-9-10-11 .. أيمن الشعبان
*عبرة كورونا * 8-9-10-11 .. أيمن الشعبان

قال ابن القيم في عدة الصابرين ص63: فالشكوى إليه سبحانه لا تنافي الصبر الجميل بل إعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر، والله سبحانه يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم سبحانه من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء...
ثم قال: وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه، وقيل لبعضهم: كيف تشكو إليه ما لا يخفى عليه؟ فقال: ربي يرضى ذل العبيد لديه.

 ٩ 

{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ }

من سنن الله في مخلوقاته أن لكل شيء بداية ونهاية، فيقيناً سيؤول حال وأمر هذا الوباء إلى الانحسار والاندثار والزوال، وذلك يبعث الطمأنينة والراحة والفرح والسرور في نفس المؤمن، وفيه بشارة بحسن العاقبة للمؤمنين والتغلب على هذا المصاب – بإذن الله- ومن راقب العواقب سلم من النوائب.

يقول ربنا جل في علاه: { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ } [الأنعام : 67]، يقول السعدي في تفسيره: أي: وقت يستقر فيه، وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر.

تلك حقيقة راسخة أكدها القرآن في غير ما موضع، من ذلك قوله سبحانه: { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد : 38]، جاء في تفسير فتح البيان(7/68): أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل ووقت معلوم... والمراد بالأجل هنا أزمنة الموجودات فلكل موجود زمان يوجد فيه محدود لا يزاد عليه ولا ينقص.

 ١٠ 

{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ }

إن أعظم ما يعين العبد على تجاوز المحن والابتلاءات؛ التحلي بالصبر وقوة الإرادة فهو من أخلاق الكبار وشيم الأفذاذ، إذ هنالك دواعي نفسانية تدفع الإنسان للجزع تقوى بقوة المصاب، وهنالك دواعي روحانية تدفع العبد للصبر والرضا، ثم تعتلجان فإذا استعان العبد بربه على صبره فإن الدواعي الروحانية تتفوق وتغلب فيتحلى بالصبر الجميل.

والصبر الجميل: هو الصبر الذي لا يصاحبه تسخط من قدر الله ولا اعتراض على حكم الله، ولا انقطاع عن طاعة الله ولا تشكي لغير الله ولا ضجر ولا جزع ولا ملل عند حلول المصائب والمكاره، يقول ربنا جل وعلا موصياً خير خلقه – صلى الله عليه وسلم : {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا}[المعارج:5]، وقال سبحانه على لسان يعقوب - عليه السلام – بعد توالي المصائب: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18].

ولتعلم – رحمك الله – أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة والثواب، أضعاف ما يحصل دون ذلك فتأمل!، قال ابن حجر في فتح الباري(10/115): الصَّبْرُ عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِثُ الْجَنَّةَ.

 ١١ 

{ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ }

الواجب عند المصائب مع الصبر عدم فقدان الأمل، ومجاهدة النفس بتوطيد العزيمة على الثقة بالله، وأهمية التفاؤل وتجنب الجزع واليأس والتشاؤم، وبقاء الحال من المحال ولا يغلب عسرٌ يسرين، { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح : 5-6].

ولنتأمل كيف جمع يعقوب عليه السلام بين الصبر الجميل مع الأمل والتفاؤل في أحلك الظروف، ابتداءً تعامل بعقلية الحل لا المشكلة وأخذ بالأسباب الممكنة : { وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } [يوسف : 67]، ومع ذلك ذكرهم وأرجعهم للأصل من الإيمان بالقدر وحسن التوكل والالتجاء لله عز وجل فقال : { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }[يوسف : 67].

ومع استمرار النوائب وإظهار الصبر الجميل من يعقوب عليه السلام؛ بقي متفائلاً يعيش على الأمل فقا ل: { يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف : 87].

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذه المعاني العظيمة ويغرسها في نفوسهم، كما في البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : « لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ قالوا: وَما الفَأْلُ؟ قالَ: كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ ».

 

أيمن الشعبان