أكتبوا على شاهد قبري ,,, اليوم غرقت أمي ببحر دمع ودماء ؟؟؟.. ج 3- جمال أبو النسب

بواسطة قراءة 2747
أكتبوا على شاهد قبري ,,, اليوم غرقت أمي ببحر دمع ودماء ؟؟؟.. ج 3- جمال أبو النسب
أكتبوا على شاهد قبري ,,, اليوم غرقت أمي ببحر دمع ودماء ؟؟؟.. ج 3- جمال أبو النسب

اليوم لم يكن لي رغبة بلقاء ذلك الرجل ,, ولم يعد بي شوق لسماع قصته ,, وقلت في ذاتي لو التقيته مصادفةً ,, ولم يلحضني سوف أشيح بنظري عنه ,, ولن اقوم بأي حركة يحس من جرائها بوجودي حتى وأن مر بقربي .. ومثلما لم أنقاش سبب شوقي ولهفتي له قبل أيام ,, لم ولن أسأل نفسي اليوم عن سر عزوفها عن لقائه ,, وعدم رغبة روحي سماع بقية قصته ,, وحكاية (( حصة الماء في توراة طلفاح )) التي وعدني بسردها عليً إن ألتقيته ثانيةً ؟؟

بعد هذا الحوار المرير الذي دار ما بين روحي ونفسي ؟؟ والقصير بين عقلي وقلبي ؟؟ والذي كان همساً بيني وبين نفسي ؟؟ وجدته واقفاً بقامته الممشوقة رغم كبر سنه بين نفسي وذاتي ,, ينظر اليً مبتسماً ؟؟ وغامزاً بالشمال من عينه تحبباً ؟؟ وبعدما وضع يمينه على كتفي ؟؟ قال لي (( وينك وكيفك يا ختيار )) في باديء الأمر أعتقدت أنه حلم ؟؟ أو أني كنت أفكر بصوت مسموع ؟؟ أو أن هذا الفلسطيني القادم من العراق بات مقيماً في وجداني ,,  ويسكن نفسي مثل المحبين لبعضهما من غير استئذان؟؟

وجدته هذه المرة رغم أبتسامته ,, التي أظن بأنه قد تصنعها كي يلقاني فيها ؟؟ ,, بعد مصافحته لي لم تغادر يده يدي ,, بل راح يسحبني فيها برفق ,, وأنا عاجز عن افلات يدي من يده  ,,  وقال تعال لنجلس على هذه المسطبة القريبة منا ,, ومن غير قصد مني وبسرعة البرق وجدت نفسي تصيح قائلة لا وألف لا ؟؟ قلتها وأنا اسحبه هذه المرة من يديه قائلا لنذهب ونجلس على ذات المسطبة التي التقيتك عندها منذ البداية ,, فهي ليست بالبعيدة عنا ,, ومن غير ما أن يسألني شيئاً ؟؟ رحت أبرر فعلتي هذه وسر قولي له كلمة لا وألف لا ؟؟

قلت له يا سيدي أنا من يهوى الثوابت ,, رغم أنه لم يتبقى لي وعندي من ثوابت خاصة بعد أن تجاوزت الخمسين من عمري ,,  ,, سوى الإيمان بالله عز وجل ,, ومن ثم عشقي الأبدي لمعشوقتي ) ولا تسألني عنها .. لأني لم ولن أجيبك ؟؟ وكذلك أسمي الملاصق بي منذ مولدي والذي لم أتحرر من قيوده لأني لم أحبه يوماً ؟؟ وللأن لم أجد مبررا للأهل لم يسمون أبنائهم بأسماء لا تنطبق خاصة على أشكال أو ألوان بشرة أبنائهم بأي شكل من الأشكال ,, ولا تمت لهم بأي صلة مستقبلاً من حيث الأفعال ؟؟ كما أني بت أمقته لكثرة منادات الناس لي به وعينوهم  تفضحهم حين كنت أقرأ فيها كلما نادوني بأسمي قولها ( ما علاقة الأسم بالرسم ) لاعليك فأنا مثلك تقريباً كثير الكلام لكن ( كلام فاضي ) ؟؟ وليس ( كلام مليان ) كما وجدتك في المرتين السابقتين ,, ارجو أن تعذرني يا سيدي ,, أتمنى منك الأن أن تحدثني عن حصة الماء الصالح للشرب كما يحلو لك قوله ؟؟..

قال بعدما خرجت زفرة من صدره أحسست حين لامس بعض منها وجهي كأنما لفحته موجة حر مفاجيء ؟؟ ,, قلت في نفسي ما به ؟؟ قال أنه سيتكلم عن الماء وليس عن النار ؟؟؟
قال .. أيام وليالي كثيرة حين كنت أسمع أنين أمي ؟؟ وأرى من تحت غطائي دمعها المنسكب على خديها ؟؟ وكثيراً ما كنت أسالها لما تبكين يا أمي ؟؟ لتجيبني دوماً وكثيراً أيضاً ؟؟ ( أنها آلام الرأس لا أكثر ولا أقل ) ؟؟ ولم أملك كل هذه السنين بأيامها ولياليها سوى أن أكذب عيني التي رأتها ؟؟ وأخنق رغبتي الملحة بمشاركتها البكاء ,, وكبت أحساس الأبن بأمه ؟؟ لذا تراه يبكي بحرقة ,, ولا ترى له دموعاً ,, لأن دموعه ترتد لهيباً الى داخله ؟؟ لأحساسه بالضعف والوهن والهزيمة ؟؟ رغم صغر سنه ؟؟ لشعوره بأنه بدأ مشوار عمره وهو عاجز أن يمنع عيون أمه أن تدمع ؟؟ لذا ما كنت أملك سوى تصديقها الى أن حفظت عن ظهر قلب قولها (( أنها آلام الرأس لا أكثر ولا أقل )) ... ولكن لا بأس اليك ما حصل ؟؟؟

على ما أعتقد كنت في السابعة من عمري وأنا عائد من مدرستي ,, وأذكر أنني كنت في الأيام الأخيرة من الدوام بها ,, فور دخولي الى جنة الفردوس عفواً أقصد ( ملجأ طلفاح ) رأتني أمي وهي تضع على رأسها ( تنكة ماء ) وتحمل بيمنها الأخرى ,, فقد كان مقررا لكل فرد ( تنكة ماء) صباحاً سعتها (16  كيلو سمن نباتي ) ,, نعم فلا يجوز استخدام وعاء للحصول على الماء الاً أذا كان عبارة عن ( تنكة سمن ) ؟؟ ويفضل أن يكون أسمها الراعي أو زبيدة ,, وعليك أن تجعل لها علاقة هلالية الشكل لترفعها من جانبيها , أو أن تدق في وسطها العلوي خشبة كي تحملها من وسطها ؟؟ والوقت المقرر للجميع كي يتنهلوا من الحنفيتين اليتيمتين لتجهيز ( 250 ) فرداً من سكان الملجأ هو من الساعة 8 صباحا حتى 12 ظهرا ؟؟ بعدها يوقف تدفق الماء بقرار لايمكن خرقه هذا أن تمكنت من الحصول على حصتك أم لا ؟؟ وعند الساعة 4 عصراً ولغاية 7 مساءً يتكرموا علينا ثانية ( بتنكة ) اخرى للفرد الواحد أيضاً ؟؟ لهم الحق بذلك ؟؟
 
لأن نهري دجلة والفرات كانا يمران بموزنبيق في الخمسينات من عمر بلاد الرافدين ؟؟ ولأن أكبر خزان ماء صالح للشرب لم يكن يقع على بعد خطوات من الملجأ في منطقة ( السباع ) لذا أظن كان الماء يستورد بالعملة الصعبة في حينه ؟؟ وليس محلي الصنع والمنشأ ؟؟ ومفتاح قفل الحنفيتين مخبيء عند الحاج طلفاح ,, وهو عبارة عن القطعة الحديدية المثقوبة التي تعلو الحنفية ؟؟ وكان بإمكان الكل بما فيهم حتى نحن الصبية قادرين على فتح الحنفية بسهولة ولو بأسناننا ,, ولكن كما أسلف عند ذكري لمفتاح صندوق الكهرباء ( فمن يجرأ )) وأيضاً من يجرأ على مجرد السؤال أو التسائل لماذا حنفيتين وليس أكثر ؟؟ وليس السؤال لماذا ( تنكتين ) يومياً للفرد الواحد لقضاء جميع حوائجه بدءا بغسل الوجه ومروراً بالطبخ والغسل والأستحمام (( وقضاء الحاجة )) التي قصتها ستكون على تقززها ضرب من ضروب الخيال والأحتقار والتحقير والأنتهاك الأدمي والقهر والذل الأنسان لأخيه الأنسان ؟؟

كان ما تضعه أمي على رأسها وتحمله بيمينها ( تنكتين ) للماء الفائض الذي كان ينسكب من جراء المزاحمة بين البنات والنسوة عند تعبئة الماء في حفرة كبيرة كانت تسمى ( جرن ) .. لأنه كان مقرر على كل عائلة رفع هذا الماء على مقدار ما تستلمه من ماء صالح للشرب ؟؟ ويجب قطع المسافة الكائنة من قعر الملجأ حتى الوصول لبابه الخارجي لسكبه في ساقية تقع برأس ( الدربونة ) ,, كانت أمي منهكة من حملها الذي في بطنها ؟؟ وحملها الذي على رأسها وبيدها ؟؟ وهمها الذي في قلبها ؟؟ وفرحها لرؤيتي الممزوج بعرقها المنسكب على وجنتيها ,,

شاء القدر لتتعثر بحجر غبي لم ينزاح من أمامها ,, ولأن الأرض كانت أسوأ حالاً من أرضيات غرفنا ؟؟ هوت أمي على وجهها ليسقط الماء الآسن على بدنها وترتطم ( التنكة ) ببطنها ؟؟ وتقع التنكة الأخرى على قدميها ؟؟

رحت أعدو لعلي أن أعينها على الوقوف ؟؟ لكن هيهات هيهات أمر الله قد سبقني ؟؟ كان الذي يفصل بيني وبينها بضع خطوات ؟؟ لكنها كانت أطول من الدهر كله لأصل لأمي ؟؟ لحظات لأرى أمي وقد غرقت ببحر من  الدموع والدماء وهي تتوسلني بالقول وقد أعتلى محياها جبل من الحياء  ؟؟ بني برضاي عليك غطني بقميصك لأن ثوبها شق عند تعثرها ؟؟ بني أذهب مسرعاً وبلغ جارتنا (القابلة المأذونة / الولادة ) وقل لها أمك تجلس على بركة من الماء والدماء ؟؟ وهي ستفهم ما حل بأمك ولا تنسى توسلك بها ؟؟ برضاي عليك بني أكثر لها من الرجاء ؟؟

أدركت حينها أن السماء تمطر دمً وليس ماء ؟؟ وأيقنت باني أضعف من أن أمنع دمع أمي أن ينهمر ؟؟ فكيف وكان دمعها دماء ؟؟ وسلمت أمري وأمرها لرب السماء ؟؟

وعذراً يا صديقي أن تركتك الأن ,, يا صديقي أني أكاد أتقيء قلبي من فمي ,, فهذا اليوم لم ولن أنساه ما قد حييت .. و أعدك بأني سأكمل حكايتي لك أن كنت ما تزال لديك رغبة لسماعها ولكن غداً أو بعد غد ,, هذا إن كان هنالك في العمر بقية إن شاء الله  . 

 

بقلم / جمال أبو النسب

الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا

15/4/2011 

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"