من المتوقع عرض مسلسل
تلفلزيوني بعنوان الحلاج من إنتاج " قناة أبو ظبي"[1]
وذلك خلال شهر رمضان المبارك ..
ولا ندري ما القصد من وراء عرض هذا المسلسل
ولهذه الشخصية المثيرة للجدل والتي تعرضت للنقد من داخل الدائرة الصوفية نفسها
فضلا عن غيرها ..
والسؤال المتبادر للذهن هل هذه محطة من ضمن
محطات نشر العقائد الباطلة والطعن في السنة النبوية ..؟؟ وهي شنشنة بدأت همساتها تلامس آذان المسلمين
وتحيي بهم ما اندرست من أخبار الزنادقة والمشعبذين ..
والحقيقة الشرعية هي أن شهر رمضان وقت للعبادة
والتزهد والتفرغ لمناجاة الله سبحانه وتعالى وتلاوة كلامه والإستكثار من العمل الصالح ..
لكن تنزلا كما يقال : لو أن منتجي المشروع
أرادوا وبقصد حسن منهم نشر منهج الزهد والعبادة عبر مسلسل ولنقل أنهم ذو خلفية
صوفية فليختاروا إذا شخصية ذو ذكر وثناء حسن كـ " الجنيد البغدادي " أو
" معروف الكرخي " مثلا ..
لكن القفز الى الحلاج مباشرة وكما قلنا هو ليس
مرضيا عنه من الصوفية أنفسهم هذا يدل على أن وراء الأكمة ما ورائها .. خاصة وأنه
مخمود ومخمول الذكر فلماذا إحياء ذكره إذا ..
علما أننا ليسوا ممن يروج الدين عن طريق
المسلسلات لكن قلنا هذا من باب المحاججة فقط فنرجوا التنبه ..
والآن نرجع إلى الحلاج لنعرف من هو وما هو قول
العلماء فيه :
الحلاج هو : أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244 ـ 309هـ
ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي، ونشأ في واسط بالعراق، وهو أشهر الحلوليين
والاتحاديين، رمي بالكفر وقتل مصلوباً لتهم أربع وُجِّهت إليه:
1ـ اتصاله بالقرامطة.
2ـ قوله "أنا الحق".
3ـ اعتقاد أتباعه ألوهيته.
4ـ قوله في الحج، حيث يرى أن الحج
إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها.
كانت في شخصيته كثير من الغموض،
فضلاً عن كونه متشدداً وعنيداً ومغالياً، له كتاب الطواسين الذي أخرجه وحققه
المستشرق[2] الفرنسي "ماسنيون" .. (الموسوعة
الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة).
له قبول عند عامة المستشرقين
ويظهرونه على أنه قتل مظلوماً ، وذلك لما سيأتي من أن اعتقاده قريب من اعتقاد
النصارى ، ويتكلم بكلامهم .
وأجمع علماء عصره على قتله بسبب ما
نقل عنه من الكفر والزندقة .
وكان من سعى في قتله وعقد له مجلساً
وحكم عليه فيه بما يستحقه من القتل هو القاضي أبو عمر محمد بن يوسف المالكي رحمه
الله . وقد امتدحه ابن كثير على ذلك فقال : وكان من أكبر صواب أحكامه وأصوبها
قَتْلَهُ الحسين بن منصور الحلاج اهـ (البداية والنهاية).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله : ( مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي
قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ
; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ :
أَنَا اللَّهُ . وَقَوْلِهِ : إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ ..
. وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ وَلَهُ
كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ
الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ
وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ
مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ )اهـ (مجموع الفتاوى ( 2/480 )).
وقال أيضاً : ( وَمَا نَعْلَمُ
أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ الْحَلاجَ بِخَيْرِ لا مِنْ
الْعُلَمَاءِ وَلا مِنْ الْمَشَايِخِ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقِفُ فِيهِ ;
لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَهُ ) .اهـ ( مجموع الفتاوى ( 2/483 )) .(من
موقع الإسلام سؤال وجواب )
والحلاج لم يرض عنه الجنيد البغدادي
نفسه ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته التي ذكر فيها كثيراً من مشايخ
الصوفية .
قال أبو عبدالرحمن الحافظ السُّلمي
الصوفي في كتاب طبقات الصوفية : أكثر الصوفية نفوه (أي أنكروا الحلاج) واعتد به
أربعة ذكرهم بأسمائهم منهم أبو عبدالله بن خفيف. وذكر الحافظ الخطيب البغدادي أن
الحلاج جاء إلى الجنيد مرة فسأله عن شىء فلم يجبه وقال: "إنه مدعٍ".
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي إن الجنيد رحمه قال للحلاج: لقد فتحت في
الإسلام ثغرة لا يسدُها إلا رأسُك ..هـ
وهذه طائفة من أقوال من خبره وعرف
طريقته :
قال .. قَالَ أَبُو بكر الصولي: قد رأيت الحلاج
وجالسته ، فرأيت جاهلا يتعاقل، وغبيا
يتبالغ، وفاجرا يتزهد، وَكَانَ ظاهره أنه ناسك صوفي، فإذا علم أن أهل بلدة يرون
الاعتزال صار معتزليا، أو يرون الإمام صار إماميا (أي شيعيا) ، وأراهم أن عنده
علما من إمامتهم، أو رأى أهل السنة صار
سنيا , وَكَانَ خفيف الحركة مشعبذا، قد
عالج الطب، وجرب الكيمياء، وَكَانَ مع جهله خبيثا، وَكَانَ يتنقل في
البلدان.(المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي) ..
قَالَ أَبُو زرعة : وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول:
زوجت ابنتي من الحسين بْن منصور الحلاج
لما رأيت من حسن طريقته، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر. ( المصدر السابق ... )
قال الإمام الذهبي في (العبر في خبر من غبر) :
سنة إحدى وثلاثمائة
فيها أدخل الحلاج بغداد مشهوراً على جمل. وعلق
مصلوباً، ونودي عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه. ثم حبس وظهر أنه ادعى
الإلهية. وصرح بحلول اللاهوت في الناسوت، وكانت مكاتباته تنبىء بذلك في وبعضها من
النور الشعشعاني .. هـ
قال ابن كثير رحمه الله : .. وفيها
جيء الحسين بْنِ مَنْصُورٍ الْحَلَّاجِ إِلَى بَغْدَادَ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَلَى
جَمَلٍ وَغُلَامٌ لَهُ رَاكِبٌ جَمَلًا آخَرَ، ينادي عليه: أَحَدُ دُعَاةِ
الْقَرَامِطَةِ فَاعْرِفُوهُ، ثُمَّ حُبِسَ ثُمَّ جئ به إِلَى مَجْلِسِ الْوَزِيرِ
فَنَاظَرَهُ فَإِذَا هُوَ لَا يقرأ القرآن ولا يعرف في الحديث ولا الفقه شيئاً،
ولا في اللغة ولا في الأخبار ولا في الشِّعْرِ شَيْئًا، وَكَانَ الَّذِي نُقِمَ
عَلَيْهِ: أَنَّهُ وُجِدَتْ لَهُ رِقَاعٌ يَدْعُو فِيهَا النَّاسَ إِلَى
الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الرُّمُوزِ، يَقُولُ فِي
مُكَاتَبَاتِهِ كَثِيرًا: تَبَارَكَ ذُو النُّورِ الشَّعْشَعَانِيِّ.
فَقَالَ له الوزير: تَعَلُّمُكَ
الطُّهُورَ وَالْفُرُوضَ أَجْدَى عَلَيْكَ مِنْ رَسَائِلَ لَا تَدْرِي مَا تَقُولُ
فِيهَا، وَمَا أَحْوَجَكَ إِلَى الْأَدَبِ.
ثم قال : لَمْ يَزَلِ النَّاسُ
مُنْذُ قُتِلَ الْحَلَّاجُ مُخْتَلِفِينَ فِي أَمْرِهِ.
فَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَحُكِيَ
عَنْ غير واحد من العلماء والأئمة إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافراً، وكان كافراً
ممخرقاً مموهاً مشعبذاً، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه.
وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ كَمَا
تَقَدَّمَ أَجْمَلُوا الْقَوْلَ فِيهِ، وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن
قوله، فإنه كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ فِيهِ تَعْبُدٌ وَتَأَلُّهٌ وسلوك، ولكن
لم يكن له علم ولا بنى أمره وحاله عَلَى تَقْوَى مِنَ الله ورضوان.
فلهذا كان ما يفسده أكثر مما يصلحه.
وقال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ فَسَدَ
مِنْ عُلَمَائِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مَنَ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ
عُبَّادِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى، وَلِهَذَا دَخَلَ عَلَى الحلاج
الحلول والاتحاد ، فصار من أهل الانحلال والانحراف. (البداية والنهاية ط إحياء
التراث) ..
هذه طائفة من أخبار الحلاج وقتله على الزندقة
ولم نرم الإطالة وإلا فأخباره كثيرة وكلام العلماء فيه طويل ..
لكن في هذا ما يجلي أمره ويكشف حقيقته وأمره
إلى الله ..
لكن العجيب ممن يريد إحياء شأنه ونشر أخباره في
وقت أندرس ذكره إلا من بعض الشيوخ وطلبة العلم الذين يعرفون ثنايا وخبايا الكتب
ومطلعون على ماسطرت أوراقها ..
لكن العوام الذين تلتبس عليهم الأمور ويأخذون
ما هب ودب عن وسائل الإعلام فالخطورة تحدق بهم من بث ونشر أمثال تلك البرامج ,,
فلربما تسربت إليهم بعض مخاريق وشعبذات التصوف الباطلة من الحلول والاتحاد[3] وغيرها ونسبها
زورا وبهتانا إلى الدين ولعل هذا هو مقصد الدوائر الصليبية التي تحاول جاهدة الطعن
في ثوابت الدين ..
لذا نحذر إخواننا من تضييع الأوقات فيما لا
ينفع بل يضر خاصة في شهر رمضان المبارك ..
كذلك نوصي من له باع في العلم والدعوة بالتحذير
من تلك الجهود التي تحاول هدم الدين ونخر مبادئه ..
هذا ما أحببنا أن ننبه عليه ...
{ ... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف : 21]
أخوكم
: وليد ملحم
"حقوق النشر
محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
[1] و يقوم المخرج السوري علي علي بتصويره في دمشق
[2] الإستشراق : هي حركة غربية تركز على استكشاف الثقافة الشرقية ودراستها
عن كثب، وتوضيح النظرة الغربية لهذه الثقافة الشرقية، وتدل على مدى تصوير الغرب
للبنية التحتية للحضارة الشرقية، ويوحي مفهوم الاستشراق إلى السلبية بناءً على ما
ترتب على التفسيرات القديمة للغرب فيما يتعلق بالحضارات الشرقية وثقافتهم.....
[3] الحلول: ويراد منه باصطلاح القائلين
به من الصوفية وغيرهم : حلول الله - عز وجل - في مخلوقاته ، أو بعض مخلوقاته .
الإتحاد : ومعناه باصطلاح القائلين به : اتحاد الله - عز
وجل – بمخلوقاته ، أو ببعض مخلوقاته .
أي : اعتقاد أن وجود الكائنات أو
بعضها هو عين وجود الله تعالى ..