الدرر الغراء من كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (1) - أيمن الشعبان

بواسطة قراءة 3008
الدرر الغراء من كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (1) - أيمن الشعبان
الدرر الغراء من كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (1) - أيمن الشعبان

ومن تلك الكتب النافعة، التي حوت عبارات جامعة، وفقرات ماتعة؛ كتاب " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" للإمام العلامة الحافظ أبو حاتم محمد ابن حبان البستي (ت:354هـ )، صاحب الكتب المشهورة منها كتاب: صحيح ابن حبان المسمى" المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع"، قال عنه الحاكم كما في السير: كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال.

يقول ابن حبان في مقدمة كتابه الذي بين أيدينا: فلما رأيت الرُّعَاع من العالَم يغترون بأفعالهم، والهمجَ من الناسِ يقتدون بأمثالهم، دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف، يشتمل متضمنه على معنى لطيف، مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم، من معرفة الأحوال في أوقاتهم، ليكون كالتذكِرة لذوي الحجى عند حضرتهم، وكالمعين لأولى النُّهى عند غيبتهم، يفوق العالِمُ به أقرانه، والحافظ له أترابه، يكون النديمَ الصادق للعاقل في الخلوات، والمؤنس الحافظَ له في الفلوات، إن خَصَّ به من يحب من إخوانه، لم يفتقده من ديوانه، وإن استبدَّ به دون أوليائه ، فاق به على نظرائه.[1]

اعتمدت في كتاب " روضة العقلاء " على طبعة مطبعة السنة المحمدية (1368هـ- 1949م )[2]، وقمت بانتقاء واختيار بعض العبارات النفيسة والمقولات المهمة لابن حبان أو من نقل عنهم، دون ذكر السند لسهولة الوصول والاستفادة من تلك الدرر، مع وضع عناوين تناسب كل مقولة أو فقرة.

في حالة ذكر العبارة دون نسبتها لقائل، هذا يعني أنها من كلام المصنف أبي حاتم ابن حبان رحمه الله، كما قمت بوضع فقرة تحت عنوان " الدرر الغراء مما قلَّ ودلّ " للمقولات القصيرة التي لا تتجاوز السطر الواحد ذات الدلالات الكبيرة، وفقرة" الدرر الغراء مما قيل شعرا" مع ذكر رقم الصفحة لكل عبارة أو جملة أو شعر.

 

مراتب الدهاء ودرجات الجهلاء

الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قِيلَ له: شيطان، فإذا عتا في الطغيان قِيلَ: مارد، فإذا زاد على ذلك قِيلَ: عبقري، فإذا جمع إلى خبثه شدة شر قِيلَ: عفريت.

وكذلك الجاهل، يقال له في أول درجته: المائق، ثم الرقيع، ثم الأنوك، ثم الأحمق .ص16-17

 

خير ما يُعطى الرجل

قِيلَ لابن المبارك: مَا خير مَا أعطى الرجل؟ قَالَ: غريزة عقل، قِيلَ: فإن لم يكن؟ قَالَ: أدب حسن، قِيلَ: فإن لم يكن؟ قَالَ: أخ صالح يستشيره، قِيلَ: فإن لم يكن؟ قَالَ: صمت طويل، قِيلَ: فإن لم يكن؟ قَالَ: موت عاجل. ص17

 

الحِكَم قوت العقل

قوت الأجساد المطاعم، وقوت العقل الحِكَم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، كذلك العقول: إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت. ص18

 

العقل دواء القلوب

العقل دواء القلوب، ومَطِية المجتهدين، وبذر حراثة الآخرة، وتاج المؤمن في الدنيا، وعُدَّته في وقوع النوائب، ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا، ولا المال يرفعه قدرا، ولا عَقلَ لمن أغفله عَن أخراه، مَا يجد من لذة دنياه، فكما أن أشد الزمانة الجهل، كذلك أشد الفاقة عدم العقل. ص19

 

أنفع الأشياء عقلُ سديد مع تقوى الله

قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ عَمَّرَ دَهْرًا: أَخْبِرْنِي بِأَحْسَنِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ. قَالَ: عَقْلٌ طُلِبَ بِهِ مُرُوءَةٌ، مَعَ تَقْوَى اللَّهِ، وَطَلَبِ الآخِرَةِ. ص19

 

حسن العقل أنفع من حسن الوجه

من حَسُنَ عقله وقبح وجهه، فقد أفقد فضائل نفسه قبائح وجهه، ومن حسن وجهه وقل عقله، فقد أذهب مَحَاسِن وجهه نقائص نفسه. ص21

 

اقتضاء العلم العمل

كما لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق، ولا الجمال بغير حلاوة، ولا السرور بغير أمن، كذلك لا ينفع العقل بغير ورع، ولا الحفظ بغير عمل. ص21

 

لا تستحقر أحدا

العاقل لا يستحقر أحدا؛ لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه، ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه، ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته، ومن استحقر العام أذهب صيانته. ص22

 

العاقل من عرف عيوب نفسه

العاقل لا يخفى عَلَيْهِ عيب نفسه؛ لأن من خفي عَلَيْهِ عيب نفسه، خفيت عَلَيْهِ محاسن غيره، وإن من أشد العقوبة للمرء، أن يخفى عَلَيْهِ عيبه، لأنه ليس بمقلع عَن عيبه من لم يعرفه، وليس بنائل محاسن الناس من لم يعرفها. ص22

 

علامات العاقل في مراحل عمره

العاقل يكون حسن المأخذ في صغره، صحيح الاعتبار في صباه، حسن العفة عند إدراكه، رَضِيَ الشمائل في شبابه، ذا الرأي والحزم في كهولته، يضع نفسه دون غايته برتوة[3]. ص22-23

 

ينبغي للعاقل تجنب ثلاثة أشياء

الواجب على العاقل أن يجتنب أشياء ثلاثة، فإنها أسرع في إفساد العقل من النار في يَبِيس العَوسَج: الاستغراق في الضحك، وكثرة التمني، وسوء التثبت. ص23

 

العاقل مَن يعرف حدوده

العاقل لا يتكلف مَا لا يطيق، ولا يسعى إلا لما يدرك، ولا يَعِدُ إلا بما يقدر عَلَيْهِ، ولا ينفق إلا بقدر مَا يستفيد، ولا يطلب من الجزاء إلا بقدر مَا عنده من الغَناء[4]، ولا يفرح بما نال، إلا بما أجدى عَلَيْهِ نفعه منه. ص23

 

من صفات العاقل

لا تكاد ترى عاقلا إلا موقرا للرؤساء، ناصحا للأقران، مواتيا للإخوان، متحرزا من الأعداء، غير حاسد للأصحاب، ولا مخادع للأحباب، ولا يتحرش بالأشرار، ولا يبخل في الغنى، ولا يَشرَهُ في الفاقة، ولا ينقاد للهوى، ولا يجمح في الغضب، ولا يمرح في الولاية، ولا يتمنى مَا لا يجد، ولا يكتنز إذا وجد، ولا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مِرَاء، ولا يُدلِي بحجة حتى يرى قاضيا، ولا يشكو الوجع إلا عند من يرجو عنده البرء. ص24

 

لا تمدح غيرك بما ليس فيه

من مدح رجلا بما ليس فيه، فقد بالغ في هجائه، ومن قبل المدح بما لم يفعله، فقد استهدف للسخرية. ص24

 

الاستماع للعاقل مغنم وإن قل

كلام العاقل وإن كان نزرا[5] حظوة عظيمة، كما أن مقارفة المأثم، وإن كان نزرا مصيبة جليلة. ص24

 

الواجب على العاقل

الواجب على العاقل: أن يكون حسن السمت، طويل الصمت، فإن ذلك من أخلاق الأنبياء، كما أن سوء السمت وترك الصمت من شيم الأشقياء. ص25

 

تشبيه جميل للعقل والصبر

لو أن العقل شجرة، لكانت من أحسن الشجر، كما أن الصبر لو كان ثمرة، لكان من أكرم الثمر. ص26

 

تزود من الصالحات لما بعد الممات

قال الحسن: إنكم وقوف هاهنا تنتظرون آجالكم، وعند الموت تلقون الخبر، فخذوا مما عندكم لما بعدكم. ص29

 

لا أطيب من القلب واللسان إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا

عَن خالد الربعي، قَالَ: كان لقمان عبدا حبشيا نجارا، فأمره سيده أن يذبح شاةً، فذبح شاة، فقال له: ائتني بأطيب مُضغَتين في الشاة، فأتاه باللسان والقلب، ثم مكث أياما، فقال:اذبح شاة، فذبح، فقال له: ائتني بأخبث مضغتين في الشاة، فألقى إليه اللسان والقلب، فقال له سيده: قلت لك حين ذبحت الشاة: ائتني بأطيب مضغتين في الشاة، فأتيتني باللسان والقلب، ثم قلت لك الآن حين ذبحتَ الشاة: ائتني بأخبث مضغتين في الشاة، فألقيت اللسان والقلب؟ فقال: إنه لا أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. ص29-30

 

الدرر الغراء مما قلَّ ودل

يقول الحسن: مَا تم دين عَبْد قط حتى يتم عقله. ص19

أفضل ذوي العقول منزلة، أدومهم لنفسه محاسبة، وأقلهم عنها فترة. ص19

العاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به، ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه، فإذا وقع فيه رَضِيَ وصبر. ص20

مال العاقل عقله، وما قدم من صالح عمله. ص21

العدو العاقل خير للمرء من الصديق الجاهل. ص21

قال حفص بْن حميد الأكاف: العاقل لا يُغبَن، والورع لا يَغبِن. ص21

العاقل يختار من العمر أحسنه وإن قل، فإنه خير من الحياة النكدة، وإن طالت. ص22

من جاوز الغاية في كل شيء صار إلى النقص. ص23

من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عَلَيْهِ، أخاف أن يكون حتفه في أقرب الأشياء إليه. ص23

رأس العقل: المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون. ص23

فضائل الرجال ليست مَا ادعوها، ولكن مَا نسبها الناس إليهم. ص23

العاقل لا يبالي مَا فاته من حطام الدنيا، مع مَا رزق من الحظ في العقل. ص23

كفى بالعاقل فضلا وإن عدم المال. ص24

العاقل يُكرم على غير مال، كالأسد يهاب وإن كان رابضا[6]. ص24

من العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه. ص24

أول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل. ص25

العاقل لا يطول أمله؛ لأن من قوى أمله ضعف عمله، ومن أتاه أجله، لم ينفعه أمله. ص25

العاقل لا يقاتل من غير عُدة، ولا يخاصم بغير حجة، ولا يصارع بغير قوة. ص26

بالعقل تحيا النفوس، وتنور القلوب، وتمضي الأمور، وتعمر الدنيا. ص26

الذي يزداد به العاقل من نماء عقله، هو التقرب من أشكاله، والتباعد من أضداده. ص26

قرب العاقل غنم لأشكاله، وعبرة لأضداده، على الأحوال كلها. ص26

لو كان للعقل أبوان، لكان أحدهما الصبر، والأخر التثبت. ص26

أول شعب العقل: هو لزوم تقوى اللَّه، وإصلاح السريرة. ص27

من صلح جوانيه، أصلح اللَّه برانيه، ومن فسد جوانيه، أفسد اللَّه برانيه. ص27

قال مالك بن دينار: اتخذ طاعة اللَّه تجارة، تأتك الأرباح من غير بضاعة. ص27

قطب الطاعات للمرء في الدنيا: هو إصلاح السرائر، وترك إفساد الضمائر. ص28

قال عمر بن عبد العزيز: لا يتقي اللَّه عَبْد حتى يجد طعم الذل. ص30

 

الدرر الغراء مما قيل شعرا

أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي: ص21

عدوك ذو العقل أبقى عليك * من الجاهل الوامق[7] الأحمق

وذو العقل يأتي جميل الأمور * ويقصد للأرشد الأرفق

 

أنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري: ص22

ألم تر أن العقل زين لأهله * وأن كمال العقل طولُ التجارب

وقد وعظ الماضي من الدهر ذا النهى * ويزداد في أيامه بالتجارب

 

أنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي: ص24

فمن كان ذا عقل ولم يك ذا غنى * يكون كذي رِجلٍ وليست له نَعلُ

ومن كان ذا مال ولم يك ذا حِجى * يكون كذي نعلٍ وليست له رجلُ

 

أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي: ص25

إن المكارم أبوابٌ مُصَنَّفة * فالعقل أولُها والصمت ثانيها

والعلم ثالثها والحلم رابعها * والجود خامسها والصدق ساديها

والصبر سابعها والشكر ثامنها * واللين تاسعها والصدق عاشيها

 

لقد أحسن الذي يقول:  ص27

إذا مَا خلوتَ الدهر يوما فلا تَقُل * خلوتُ ولكن قُل عليّ رقيبُ

ولا تحسبنَّ اللَّه يغفُل ساعة * ولا أنَّ مَا يخفى عَلَيْهِ يغيبُ

ألم تر أنَّ اليوم أسرعُ ذاهبٍ * وأن غدا للناظرين قريبُ؟!

 

أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي: ص29

وإذا أعلنتَ أمرا حَسَنا * فليكن أحسنَ منه مَا تُسِر

فمسِرُّ الخير مَوسومٌ به * ومُسِرُّ الشرِّ موسوم بشَر

 

أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي: ص30

وإذا بحثتَ عَن التَّقِيِّ وجدته * رجلاً يُصدقُ قولَه بفعال

وإذا اتَّقَى اللَّهَ امرؤ وأطاعه * فيداهُ بين مكارمٍ ومعالِ

وعلى التقيِّ إذا تراسخ في التقَى * تاجان: تاجُ سكينة وجمال

وإذا تناسبت الرجالُ فما أرى * نسباً يكون كصالح الأعمال

 

7- ذي القعدة- 1434هـ

13/9/2013م

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"

 



[1] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص15.

[2] الطبعة بتحقيق وتصحيح محمد محي الدين عبد الحميد، محمد عبد الرزاق حمزة، محمد حامد الفقي.

[3]الرتوة: الخطوة.

[4]الغَناء: النفع.

[5]نزرا: قليلا.

[6]ربض الأسد: جثم.

[7]الوامق: المحب.