الحمد لله الذي امتنّ علينا بنعمة اللسان، وأوجب علينا شكرها فقال عز وجل :( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )[1]، والصلاة والسلام على النبي العدنان، الذي كان يتخير أجمل الألفاظ، وأحسن الكلام، وعلى آله وأصحابه الكرام. أما بعد :
كنت قد كتبت في إحدى المجلات العراقية، بعد عام 2004 عدة مقالات عبارة عن سلسلة تحت عنوان " ألفاظ مشتهرة احذروها " بينت فيها العديد من المصطلحات والكلمات والعبارات، التي تشتهر على الألسنة ولا ينتبه لفحواها أو مدلولها وما قد تؤدي إليه، من كفر أو فسق أو ذنوب وخطايا، ومنذ أيام طلب مني أحد الأحبة الكتابة في نفس الموضوع، لما يقع به الكثير من المسلمين، فاستعنت بالله واستخرجت ما مضى مع بعض التنقيحات والإضافات، لتعم الفائدة وننتفع جميعا مما قلنا ومما سمعنا بإذن الله تعالى، ونتذاكر في هذه القضية الهامة الخطيرة جدا.
ولما عمت البلوى وطمت للأسف الشديد، لدى كثير من المسلمين وعدم الانتباه لما يتلفظون به، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام حذرنا أيما تحذير ونبهنا أيما تنبيه، من مخاطر إطلاق العنان للسان، وعندما قال معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم.[2]
قال تعالى :( ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد )[3]، قال ابن عباس رضي الله عنهما :( يكتب كل ما تكلم به من خير أو شرٍ حتى إنه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت ... )[4].
ولقد حذرنا عليه الصلاة والسلام أيما تحذير، ونهانا في غير ما من حديث، عن المسارعة في إصدار الكلمات والألفاظ من غير تبيّن أو تثبت، من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم :( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب )[5].
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والإحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري فى أعراض الأحياء والأموات ولا يبالى ما يقول[6].
ومن هديه عليه الصلاة والسلام تصحيح الألفاظ الخاطئة، والأسماء المخالفة، والتي جمعها الإمام ابن القيم رحمه الله في موضع واحد من زاد المعاد ذكر فيها نحواً من ثلاثين لفظاً .
ولمّا كَثُرت وانتشرت في مجتمعاتنا ألفاظ وكلمات مخالفة للمعتقد الصافي، والمنهل العذب، كان من الواجب علينا أن ننبه ونحذّر من هذه المنكرات القولية – التي يعتبرها كثيرٌ من الناس أمور معتادة ، جهلاً منهم بمدلولاتها ولوازمها المنحرفة عن دين الله – مع بيان سبب اللفظ ووجه الخطأ وتصحيحه ، ومن الله التوفيق والسداد .
1- [ يلعن ربك أو ينعل ربك ] أو [ يلعن دينك أو ينعل دينك ] أو [ النعلة على دين ربك ] .
هذه الألفاظ وما شابهها يتفوه بها كثير من الناس إذا ما غضب، أو تضايق من شيء، أو تشاجر، أو ..... وهذه كلها من الألفاظ الكفرية التي تُخرج صاحبها عن دائرة الإسلام – عياذاً بالله - .
فيجب اجتناب هذه الألفاظ، بأي حال من الأحوال، والتحذير من خطورتها .
2- [ يلعن يومك ] أو [ يلعن هذا اليوم أو السنة ] أو [ يلعن اليوم الذي انخلقت فيه (بالعامية)] أو [ يلعن الزمن الذي خلاك كذا وكذا ... ] أو [ يلعن الساعة السوداء التي رأيتك فيها ] .
هذه الألفاظ وما على شاكلتها كلها من الألفاظ المحرمة، لأن الساعة واليوم والسنة من الدهر، والله عز وجل يُقدِّر الخير والشر، وسب الدهر سبٌ لله تعالى .
قال عليه الصلاة والسلام :( يؤذيني ابن آدم يَسُبُّ الدهر وأنا الدهر " أي خالق الدهر " بيدي الأمر أُقلّب الليل والنهار) .[7]
3- [ يا رسول الله ] أو [ يا محمد ] .
يقولها الإنسان إذا أراد أن يقعد، أو يقوم أو يركب، أو يحمل ثقلاً أو أي شيء آخر . بمعنى طلب العون والمؤازرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإتمام هذه الأفعال والأحوال .
وهذا لا يجوز، قال تعالى :( إياك نعبد وإياك نستعين )[8]، وقال عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما :( وإذا استعنت فاستعن بالله ).[9]
وإذا كان هذا لا يجوز في حقه صلى الله عليه وآله وسلم فغيره من باب أولى فتنبه .
واللفظ الصواب في ذلك أن نقول: يا الله.
4- [ بالنبي ] أو [ بالكعبة] أو [ بشرفي] أو [ وداعتي] أو [ وحياتي] أو [ وحياة فلان] أو [ وحياة أولادي] أو [ وروح أبوية ( بالعامية)] أو [ ورحمة فلان ] أو [ وذمتي] أو [ وحق هذه النعمة ( مشيراً إلى طعام أو خبز ) ] أو [ بسيد فلان] أو [ بحق فلان] أو [ وحق نور محمد] أو [ أمانة الله عليك ] أو [ بحياة المصحف ] أو [ بصلاتك .. بصيامك ] .
هذه كلها من الحلف بغير الله وهو حرام، لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، وهذا لا يجوز ولا يليق إلا بالله تعالى، والتعظيم حق لله عز وجل، والحلف بالمخلوق لا يجوز وهو شرك أصغر. قال عليه الصلاة والسلام :( من حلف بغير الله فقد أشرك )[10]. وقال صلى الله عليه وسلم :( من حلف بالأمانة فليس منّا )[11]. وقال عليه الصلاة والسلام :( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )[12].
فعلى ذلك لا يجوز الحلف إلا بالله تعالى أو بصفة من صفاته .
5- [ لا حول الله أو لا حول الله يا رب ] .
يلزم من هذا نفي القوة عن الله تبارك وتعالى، وهذا مع القصد كفر .
وهذا من نتاج الأفلام والمسلسلات، التي فيها ما فيها من الخراب والمخالفات الشرعية .
والصواب أن نقول :( لا حول ولا قوة إلا بالله ) أي لا تحول من حال إلى حال إلا بالله الكبير المتعال .
6- [ الله يظلم كل ظالم ] أو [ ظلمني الله يظلمه ] أو [ الله يظلمك ] .
هذه من الألفاظ المحرّمة، لأن فيها اثبات اتهام الله بالظلم تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا . وبالتالي فهو تكذيب لظاهر القرآن ، قال تعالى :( إن الله لا يظلمُ الناس شيئا )[13]، وقال تعالى :( وما ربك بظلامٍ للعبيد )[14]، وقال تعالى :( إن الله لا يظلم مثقال ذرّة )[15]، وقال عز وجل :( ولا يظلم ربك أحدا )[16]. والله عز وجل حرّم الظلم على نفسه وجعله محرّماً بين عباده .
والصواب أن يقال :( الله ينتقم من كل ظالم ) .
7- [ لماذا يا رب هكذا .. ] أو [ ماذا عملت يا رب لكي تفعل بي كذا .. ] .
تُقال إذا حلّ بالإنسان ما يكره، أو نزلَ به ما لا يُحب .
وهذا فيه اعتراض على قضاء الله وقدره، وقد يجر إلى الكفر، لأن الإيمان بالقدر خيره وشره من أركان الإيمان الستة .
وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدنا ما يكره أن يقول :( الحمد لله على كل حال ).[17]
8- [ لو ينزل الله ما أفعل كذا وكذا .. ] أو [ لو يأتي محمد ما أفعل كذا وكذا .. ] .
هذه منتشرة عندما يريد بعض الناس من زيادة توكيد عدم فعله لأمرٍ ما، وهذا فيه تجرأُ عظيم على الله جل في علاه، ومؤداه إلى الكفر الأكبر - عياذاً بالله – لأن صاحبه قد تحدّى الله عز وجل بأنه لو حضر لم يفعل ذلك الأمر، تعالى الله عمّا يقول الجاهلون علوّاً كبيرا .
نسأل الله أن يسدد ألسنتنا وألفاظنا لكل خير، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيمن الشعبان
30/5/2011
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
[1] ( الرحمن: 60).
[2] رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
[3] ( ق:18).
[4] تفسير ابن كثير.
[5] صحيح الجامع برقم 1678.
[6] الجواب الكافي لابن القيم ص191-192، ط: دار الريان للتراث.
[7] متفق عليه.
[8] (الفاتحة:5).
[9] صحيح الجامع برقم 7957.
[10] صحيح أبي داود.
[11] المصدر السابق.
[12] متفق عليه.
[13] (يونس:44).
[14] (فصلت:46).
[15] (النساء:40).
[16] (الكهف:49).
[17] صحيح الجامع برقم 4727.