شهداء بسماية.. دماء فلسطينية على أرض عراقية – محمد ماضي

بواسطة قراءة 4424
شهداء بسماية.. دماء فلسطينية على أرض عراقية – محمد ماضي
شهداء بسماية.. دماء فلسطينية على أرض عراقية – محمد ماضي

مع بداية التحركات العسكرية الأمريكية على العراق وبدأ الحرب الباردة والتوقعات بهجوم أنكلو - أمريكي بدأت التحضيرات العسكرية في العراق والتي كانت على أوجها قبل الحرب بأيام، حيث كنت ترى التحركات العسكرية والانتشار الكثيف لقوى الأمن العراقي والمتطوعين من مختلف الاتجاهات.

وخلف الكواليس كان المتطوعون العرب الذين قدموا بالآلاف كي يساندوا إخوانهم العراقيين في حربهم ضد الغزاة والطامعين، كانوا يتدربون ويتحضرون لمعركة مصيرية لا هوادة فيها.

وكحال العراقيين كان فلسطينيو العراق يستعدون ويتحضرون لهذه الحرب، كيف لا، وما سيجري على العراقيين سيجري عليهم، فهم شاركوهم في كل حروبهم والحصار الظالم الذي طالهم، وصبروا وتحملوا الصعاب والمحن معهم.

بدأت التحضيرات في كل التجمعات الفلسطينية على قدم وساق، وكل شخص يمر من هناك يرى الحركة والعمل الدؤوب في بناء الثكنات ومناوبات الحراسة والانتشار العسكري في تلك المجمعات، وخلف الكواليس أيضا كانت هنالك حرب من نوع آخر، وسباق ثان على التطوع، حيث عجت مراكز التطوع بالفلسطينيين المتلهفين لمحاربة الغزاة الذين لا يرون فيهم إلا صهاينة جدد يرومون احتلال الأرض التي يسكنوها مرة أخرى.

 كان العدد المطلوب محدوداً في كل منطقة، ومن كان الحظ حليفه سيكون أحد الذين تم قبلوهم وارسالهم الى معسكرات التدريب التي غطت مدن العراق.

بدأت الحرب بقصف عنيف ينذر بحرب ضروس طاحنة، وينبأ بتفوق جوي تام، أما على الأرض فالأمر مختلف تماما فالمعنويات كانت مرتفعة، والتحضيرات كانت على أشدها، تحذر أي عدو من المساس بأرض العراق، فمن كان يشاهد التجهيزات العسكرية على الأرض، سيتأكد من نصر بري، ومحرقة للأمريكان ومن معهم من القوات الغازية على أسوار بغداد.

بدأ العدوان البري، وبدأت التصريحات النارية من كلا الجانبين، وكان وقتها للإعلام المحلي دور بارز في هذه الحرب، حيث كان يقوي من عزيمة المقاتلين، ويشد من أزرهم، وأظهرت الصور مقاومة عنيفة شهدتها أرض أم قصر أوقفت الغزو لعدة ايام على ابوابها، لكن الزحف الأمريكي نحو بغداد قلب كل التوقعات فالكل توقع ان عاصمة الرشيد ستكون المحرقة الكبرى بعد وضع خطة محكمة أشاد بحنكتها المحللين والعسكريين لصعوبتها وقوتها، فقد كانت خطة محكمة سميت حينها (عرين الاسد).

كثير من الفلسطينيين لم يحالفهم الحظ في الذهاب الى معسكرات التدريب والقتال فاحتشدوا وأعدوا العدة في التجمعات وتحضروا للهجوم، خصوصاً بعد سماعهم بانباء معركة المطار التي شهدت نصراً كبيرا أول الامر، وأبلى فيها الجيش العراقي وفدائيو صدام والمجاهدون العرب ومن ضمنهم فلسطينيو العراق بلاءاً حسنا حتى اوقعوا خسائر فادحة في جنود الاحتلال، ما اضطر الأمريكان إلى استخدام الفسفور الأبيض والقنابل الممنوعة دولياً لينهوا تلك المعركة بمجزرة وحشية بآلاف من القتلى في صفوف الطرفين.

ومجمع البلديات شرقي العاصمة بغداد والذي يضم مايقارب اثني وعشرين ألف فلسطيني شهد كذلك مقاومة شديدة شهد لها العدو قبل الصديق، حيث كان الفلسطينيون بالمرصاد للأمريكان إثناء دخولهم تلك المنطقة وقاوموهم بكل ما يملكون من اسلحة ومعدات، وهذا ما اصبح وبالاً عليهم في مابعد، فاصبحوا في مفردات الامريكان والمليشيات الطائفية، صدّاميون، وتم قصفهم حينها بالطائرات والصواريخ، فسقطت ابنية كاملة على رؤوس ساكنيها، واحترقت غيرها بمن فيها.

محمود وأحمد وثائر، ثلاثة فتية في ريعان الشباب، لم يرضوا ان يحتل بلدهم الثاني، فتطوعوا للقتال جنبا إلى جنب مع إخوانهم العراقيين، ورفضوا الجلوس في البيوت، او العودة إليها، واستمروا في القتال، وانقطعت أخبارهم، بعد أن ارسلوا الى معسكرات التدريب في العاصمة بغداد.

http://www.paliraq.com/images/dead/shohdaa.jpg

وسقطت بغداد اسيرة، ودخلها المحتلون، وبكيناها دماً بعد ان طالتها يد احتلال بغيض نحرها بطريقة بشعة، واسرت بين ليلة وضحاها.

محمود وثائر واحمد اختفوا مع كثير غيرهم، من عراقيين وعرب وفلسطينيين، بحث ذووهم عنهم، في المستشفيات، في المساجد، في المقابر الجماعية التي دفن فيها المقاتلون مجهولو الهوية، ولكن دون جدوى، ودون ان يعثروا لهم على أي اثر.

مرت الأيام واستمر البحث والكل يدعوا لهم، ويتضرع الى الله أن يجد هؤلاء الشباب الأبطال أحياء كانوا، أم أموات، وكادت عائلاتهم تفقد الأمل في العثور على خيط يوصلهم الى ابنائهم المفقودين، لكن القدر أبى إلا ان تتكشف الحقيقة عن فجر وعنوان للتضحية والبسالة، فقد تعرف عليهم بعض السكان من سكنة مدينة (بسماية) شرق العاصمة بغداد التي كانوا يتحصنون قربها، وعرفوا أنهم من أبناء بيت المقدس حينما كانوا يقاتلون الى جنبهم دفاعاً عن منطقتهم.

فوصلت الأنباء الى ذويهم وعائلاتهم، وحينما توجهت عائلات أولئك الفتية الى تلك المنطقة، تمكنوا من الإستدلال على مكانهم مستعينين بصور لهم كانوا يحملونها معهم تمكن من نجا من المعارك من زملائهم من التعرف عليهم، حتى انتهى المطاف بهم الى أحد القبور، وراح اهالي بسماية يحدثون عائلات الشهداء عن بطولات أبنائهم وشراستهم في القتال وفي انهم أصروا على الموت مقابل أن تحتل أرض العراق، إذ لم يتراجعوا حتى نفذت كل ذخيرتهم، فلم يرضوا ان تمر دبابات الاحتلال الا على اجسادهم الطاهرة، فقتلوا وهم يقاتلون دفاعاً عن ارض، حسبوها ارضهم، وهي كذلك، عن بلد حسبوه بلدهم، وهو كذلك، عن عرض، هو عرضهم، وعرض كل مسلم، قتلوا وهم في خندق العز والشرف والكرامة مع مجموعة مقاتلة من أبناء دينهم ووطنهم وبلدهم، قتلوا جميعهم لترتوي من دمائهم ارض (بسماية) ليمتزج دمهم الطاهر بدم اخوانهم من أبناء جلدتهم من العراقيين، ومن أبناء دينهم من المسلمين، كما امتزج دم العراقيين بإخوانهم الفلسطينيين من قبل في مدينة جنين ونابلس وطولكرم، وبقية مدن فلسطين في حربنا المقدسة مع اليهود، التي لا يزال مستعراً اوارها حتى الساعة، إذ لا يزال الفلسطينيون يتذكرون بسالة الجيش العراقي في الدفاع عن ارض فلسطين، ومقبرة الشهداء ما زالت شاهد عيان، والتي دفن شهداء العراق فيها، والدبابة العراقية ما تزال حتى الساعة قائمة على ارض فلسطين، تطلق اطلاقات خفية تقض مضاجع الصهاينة المحتلين.

الشهداء الثلاثة الذين فاحت رائحة المسك من أجسادهم الطاهرة بشكل مثير، تم تشييعهم ودفنهم في مقبرة الغزالي وسط العاصمة بغداد، بغداد التي احتضنتهم اموات كما احتضنتهم وهم احياء، ليكونوا بذلك شهوداً قبل ان يكونوا شهداءاً على التلاحم بين أبناء فلسطين وأبناء العراق، الذين تخطفتهم أيادي الشر والحقد الصهيوني والصليبي والصفوي، فالعراقيون والفلسطينيون ستبقى قضيتهم مشتركة، كمصيرهم، وجرحهم النازف واحد، كمحتلهم، وان اختلفت التسميات!

25/6/2009

محمد ماضي

[email protected]

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"