ملاحظة: هذه القصة كتبتها عام 2003 في ظل الاحتلال الأميركي للعراق في مجلة فلسطين التي تصدر نصف شهرية عن الهيئة الوطنية الفلسطينية في العراق..
على إثرها احتجت قوات الاحتلال التي كانت متمركزة بالقرب من تجمع البلديات في مبنى الأمن العامة وعبرت عن امتعاضها بالقول لا تكتبوا ضد أميركا بشعار تسقط أميركا ولا نسمح لكم.. اكتبوا عن إسرائيل حسب قول الضابط الأمريكي المحتل اثناء دخوله الى نادي حيفا فأجبته حينها نحن لم نقل تسقط أميركا.. إنما الذي قال تسقط اميركا هو الحاج ابو سليم في داخل داره ولم يسمعه احد.. فغضب وأدرك أننا نسخر منه فخرج مش عاجبه العجب!!!!
بداية القصة
في باحة الدار (فاطمة أم سليم) تحتضن وعاء الغسيل (اللجن) بساقيها وترفع خوفا من بلل ماء الغسيل، وكذلك ترفع ردان قميص ساعديها حتى تأخذ راحتها بغسل أثواب أسرتها،ورغوة الصابون تطفو منها الفقاعات،كلما مسكت بكفيها ثوبا أو قطعة من الملابس لتنظيفه...ويحيط من حولها أحفادها الصغار يلعبون ويلهون في (قاع) الدار أي باحة الدار وأصواتهم المتلعثمة فرحا وبهجة يمارسون حرية عالمهم الخاص عالم طفولتهم كأصوات العصافير تتقافز فوق أغصان الأشجار في موسم الربيع.
الحاجة أم سليم بقربها قدر الماء المغلي لقطع الملابس البيضاء كي تزيدها بياضا ونصاعة وكلما اقترب احد أحفادها الصغار من القدر المغلي صرخت عليه لتبعده عنه وأحيانا تلوح بالعصا لزجرهم خوفا على عليهم.
فجأة باب الدار يفتح كأنه اقتحام للدار وإذ (بالحاج أبو سليم) في وسط باحة الدار يدمدم بكلمات مبهمة وقطرات تعرق وجهه تنساب على خديه كدموع منهمرة وعيناه جاحظتان وتقاسيم شكله تغيرت ملامحها يلتفت يسارا ويمينا غيضا.. والصمت يخيم المكان وأصوات الأحفاد تتلاشى والخوف يخطف فرح لهوهم... وأم سليم تسمرت وبيدها لازالت قطعة من الملابس فوق وعاء الغسيل ورغوة الصابون غطت كفيها بالفقاعات.. أبو سليم محدقا صوب أم سليم مندفعا نحوها صارخا مزمجرا انهضي يامرة وتعالي ويسحبها من يدها باتجاه غرفتها ..ثم يستدرك غاضبا اخرجي الأولاد إلى الخارج واقفلي باب الدار..وأم سليم مرتبكة تتمتم مع نفسها ومن بين تمتماتها انطلقت كلمة حاضر يحاج.. عائده إليه وهي في حالة من الذهول يمسكها من يدها مرة أخرى ويلتفت يمينا وشمالا قبل أن يدخلا غرفتهم وأم سليم متوجمة .. قال أبو سليم مخاطبها بصوت متحشرج اغلقتي باب الدار بإحكام والأولاد خارجها ..أجابته بنعم ثم طلب منها أن تغلق باب الغرفة والنوافذ والستائر فأطاعته.. وإذ أبو سليم يقفز فوق السرير..تسمرت ام سليم في مكانها وهي تحدق إلى أبو سليم فوق السرير ..قالت مع نفسها كنه الحاج أبو سليم انجن يافاطمة شو إلي جراله انجن الزلمة ونلحس عقله وهو بالعمر اخرف والله اخرف يافاطمة ياكشيلتك..
في نفس الوقت قالت له مالك يازلمة شو كنك صارت نفسك خضرا بعد هذا العمر اختلطت مشاعرها بالفرح والسرور وهي تقول لنفسها والله زمان واستعادت ذكريات الشباب مع الحاج أبو سليم واتجهت نحو طاولة الصالون لتصلح ماتبقى من تجاعيد وجهها لتزين حالها وتكحل عيناها الغائرتين اللتان نزفت دموعا من دهر معاناة القهر واللجوء ..فجأة دبت الحياة في جسد أم سليم .. صرخ أبو سليم يافاطمة وهو يتفقد إغلاق نوافذ الغرفة والستائر بإحكام متأكدة إن الأولاد خارج الدار والباب مغلق أجابته أم سليم نعم ياحاج ..أم سليم تقول مع نفسها والله اليوم يومك يافاطمة واستحضرت يوم زفافها وليلة الدخلة وهي تمسح يديها من بقايا رغوة ماء الغسيل تنتظر بعلها أبو سليم بشوق وهي تنظر إليه...أبو سليم يقفز فوق السرير هاتفا بصوت مدوي فلتسقط أميركا.. فلتسقط أميركا....أم سليم صارخة بوجه أبو سليم وشمالك يازلمة شو إلي بتعملو وهي في حالة انكسار لما كانت تتمناه قد خاب رجائها..فاستدركت بقولها غاضبة روح ..روح يازلمة جاي تعمل حالك زلمة هون عندي وبطل.. وتهتف تسقط أمريكا روح اطلع برة خارج الغرفة والدار قول فلتسقط أمريكا فكرتك صرت زلمة هون.. لاوالله لاانت نافع زلمة هون ولا بره.. الله يخزي الشيطان يافاطمة..
بقلم: أنور الشيخ
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"