من أعلام فلسطينيو العراق المرحوم بإذن الله الحاج احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي (ابو كمال) – رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 5932
من أعلام فلسطينيو العراق المرحوم بإذن الله الحاج احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي (ابو كمال) – رشيد جبر الأسعد
من أعلام فلسطينيو العراق المرحوم بإذن الله الحاج احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي (ابو كمال) – رشيد جبر الأسعد

جاهد مع ثوار قرية اجزم والقرى الأخرى المجاورة في حرب فلسطين 1948 .

بعد الهجرة والنكبة عاش حياة الكد والكفاح والعصامية والاعتماد على النفس والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى .

قضى معظم عمره وحياته في المواظبة على الصلاة والعبادات وقراءة القرآن .. فقد أدى فريضة الحج أكثر من 6 مرات وشعائر العمرة عدة مرات وصام رمضان في أحلك الظروف .

تزوج من فتاة من قرية الطنطورة مؤصلة الأعمام والأخوال معروفة بنسبها ودينها .. فرزق منها أربع بنين وأربع بنات وقام بتوجيههم التوجيه الحسن والتربية السليمة والتعليم العالي .

كان يحث الناس والآخرين على الصلاة لأنها عمود الدين وبقية العبادات والعودة السريعة النصوحة إلى الله سبحانه .

لم يدخر جهداً في مساعدة المتعففين والمحتاجين والفقراء وإرشادهم والأخذ بيدهم ابتغاء مرضاة الله .

بسم الله الرحمن الرحيم

ان الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 102] . وقال تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } [آل عمران : 195] . وقال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [الرحمن : 26] . وقال الرسول القائد محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: : ( إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ : إلا من صدقةٍ جاريةٍ . أو علمٍ ينتفعُ به . أو ولدٍ صالحٍ يدعو له ) رواه مسلم عن أبو هريرة رضي الله عنه . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف : (المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لايألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس) حديث حسن رواه الألباني عن أبو هريرة رضي الله عنه .

وبعد :

انها بعضاً من سيرة ابن فلسطين الحاج احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي الذي ولد في قرية إجزم قضاء حيفا عام 1929 في بيئة قروية هادئة هانئة عاش في بيئة ريفية ميسورة صالحة ، هي عشيرة آل ماضي صاحبة الأملاك والنفوذ في قرية إجزم والمزار وحيفا والساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط  ، عاش وسط الأعمام والأخوال والأهل والعشيرة دون منغصات ، فله القرابة والأهل وعنده المال ويملك الأرض التي لم يستطع فلول عصابات الصهاينة تدنيسها لا في إجزم ولا في عين غزال ولا في قرية جبع وكثير من المدن والقرى الفلسطينية التي لم يستطع الصهاينة الوصول إليها ، وهذا بفضل وعي وبسالة أهل فلسطين النشامى .

هذا الجو الريفي المنعش والبيئة الريفية القروية التي فيها الخصب والجمال والعفوية والبساطة والمحبة والتدين التي عاشها الفتى احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي ، مجتمع متدين ومجتمع عامل ، ولن أجد أحسن من تعبير ابن عين غزال الأستاذ محمد راجح جدعان عن هذا الواقع الجميل والرائع في ربوع وطننا الحبيب فلسطين حين صور ذلك أحسن تعبير حين قال الأستاذ محمد راجح جدعان عن هذا الواقع الجميل والرائع في ربوع وطننا الحبيب فلسطين حين صور ذلك المجتمع الفلسطيني القروي قال : (حتى إذا ما طلع النهار انبث الناس من كل صوب تجاه المزارع والحقول وهذا يبذر وذلك يزرع وذلك يحرث وآخر يحصد .. وهلم وجرا ، وكانوا جميعهم يصلون الصلوات الخمسة اليومية لا يتوانون عن أدائها ولا تفوتهم الصلاة الوسطى ولا صلاة الفجر وذلك كان الله سبحانه يبارك لهم في سعيهم ويكافئهم على نشاطهم وكدهم بإسباغ النعمة عليهم ويمنحهم راحة البال) .

وفي حرب فلسطين 1948 قاتل الفلسطينيون ببسالة ومعهم المواطن الشاب احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي جاهد وكافح مع اخوته أبناء اجزم والقرى المجاورة ضد المشروع الصهيوني وتأخر عن الهجرة عدة شهور بسبب مقاومة المشروع الصهيوني . حلت النكبة في أيار سنة 1948 وتم تشريد معظم الشعب الفلسطيني المظلوم في أسوأ مؤامرة دولية عرفها التاريخ ، هاجر الفلسطينيون إلى المدن والبلدان العربية الشقيقة المجاورة ، قسم هاجر إلى العراق الشقيق واستقروا في بغداد والبصرة (الشعيبة) والموصل ، استقبلهم أهل العراق الكرماء بكل ترحاب وحفاوة وكان الفلسطينيون هم المهاجرون واخوتهم أهل العراق الأنصار .

من هذه الجموع اللاجئ المواطن الفلسطيني احمد نافع عبدالمالك احمد الماضي وجد نفسه بين ليلة وضحاها لا دار ولا ارض ولا عشيرة ولا أملاك ولا مال .. وهذا هو قدر وواقع كل الشعب الفلسطيني المهاجر الصابر والمبتلى ، أراد هذا الإنسان أن يعمل ليأكل من عرق جبينه ، حيث لا وظائف ولا أشغال ، ومال شحيح ، والغربة مريرة وصعبة .

بعد الخمسينات حمل هذا المواطن عدة أطوال من القماش على كتفه وتجول في أحياء البتاوين والعلوية وكان فلسطينيون آخرون بائعون متجولون مثله في أحياء قنبر علي وأبو سيفين وتحت "التكية" والفضل في بغداد ثم بعد سنوات قلائل اخذ يبيع أطوال القماش على عربة ، هذا المواطن الفلسطيني يتجول فيها على أحياء بغداد أيضا ثم فتح مع عمه المرحوم بإذن الله الحاج رفعت عبدالمالك أحمد الماضي أبو عوني محلا في منطقة البتاوين لبيع القماش وكثر زبائنهم وسير الله عملهم وبارك في مسعاهم ، وبعد أن تزوج من فتاة من أهل قرية الطنطورة مؤصلة الأعمام والأخوال من حمولة معروفة في نسبها ودينها رزقه الله بأربع بنين وأربع بنات اختار لهم أجمل الأسماء وصرف عليهم كما ينبغي حرص على تعليمهم وتربيتهم تربية صالحة ، وأثمرت جهوده في حسن التربية والتحصيل العلمي الحاج احمد نافع في كل هذه الأعمال والمشاغل التي لم تكن لتلهيه عن أداء الصلاة اليومية في وقتها وقراءة القرآن اليومية آجل لا يمنعه من ذلك هموم الدنيا ولا أتعابها عاش رجلا فاضلا تقيا عصاميا يطعم أولاده من عرق جبينه من المال الحلال نال احترام وثقة الآخرين لأنه صادق مع الله عز وجل صادق مع الناس انه إنسان هادئ عادي التزامه الإسلام ونهجه الكتاب والسنة والخلق الحسن وحرصه على تكوين عائلة مسلمة ملتزمة بشرع الله دفع الآخرين ودفع (كاتب هذه السطور) للكتابة عن بعض حياته التي هي نبراساً يستضاء به شباب اليوم وجيل المستقبل ليعتمدوا على أنفسهم ولا يكونوا عالة على غيرهم وان لا يعرفوا المستحيل ويقتدوا بسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهناك محطات بارزة ومضيئة ايجابية مشرفة ومشرقة في حياته لعل منها : بفضل الله سبحانه أدى فريضة الحج لبيت الله الحرام أكثر من ست مرات وأدى العمرة أيضا عدة مرات ، كان موصلا لرحمه ويزور المرضى كلما سمع بمريض زاره خاصة من صلاة الرحم ورواد المسجد والجيران ، عرف عنه انه يعمل لإصلاح ذات البين في مجتمعه الفلسطيني والعراقي وخاصة في أوساط محيطه ومنطقته وأبناء عشيرته آل ماضي فهو أخاهم وكبيرهم وناصحهم وشيخهم ، له علاقات واسعة حسنة طيبة مع عموم المجتمع وأفاضلهم ، بعض إعلاميو فلسطينيو العراق عملوا معه لقاءات ومقابلات مسجلة حدثهم فيها عن التاريخ الفلسطيني والكفاح الفلسطيني وتم توثيقها لإثراء التاريخ والتراث الفلسطيني ، ينفق من ماله الخاص المتوفر والمتيسر عنده لأوجه الخير لبعض العوائل المتعففة والفقيرة لا يفرق في ذلك بين فلسطيني وعراقي ، دائما في المجالس فمه رطب بذكر الله والأحاديث الشريفة وبعض الحكم النافعة والمفيدة ، منع أولاده من ارتياد المقاهي لان فيها قتل الوقت والغيبة والكسل والخمول ، كان لسان حاله قول الشاعر : ليس الفتى من قال كان أبي ولكن الفتى من قال ها أنا ذا ، يحب حياة العمل والرزق والكسب الحلال قضى أكثر من خمس وثلاثين عاما في العمل الحر وكون نفسه بنفسه ، أكثر من خمسة وعشرين عاما من آخر عمرة التي قضاها أيضا في أداء الصلوات اليومية في المسجد فلا يتوانى عن أداء صلاة الجماعة في المسجد أبداً ، منذ سنوات واراه يأتي لمسجد جامع القدس قبل الأذان بنصف ساعة فكان سلوته قراءة القرآن لحين الأذان رغم كبره في السن لم يأخذ بالرخصة الشرعية إذا تعذر الذهاب للمسجد ولم يأخذ بالرخصة الشرعية بالصلاة على الكرسي إنما يصلي وهو واقفا مثل أي شاب أو رجل رغم ما يعانيه من بعض الآلام إنها رحمة من الله تعالى ، له حضور يومي بارز في جامع القدس في المجمع الفلسطيني في البلديات في بغداد ، حث الشباب على الصلاة وعلى الزواج والعمل وعدم الاعتماد على الغير ، انه وجه اجتماعي صالح ووجيه فلسطيني بارز وشيخ وقور يحب الناس ويحب الخير لهم يحضر مجالس العزاء لمن يعرفهم ولمن لا يعرفهم ويحضر مجالس الزواج والفرح والخطوبة إذا دعي إلى ذلك ، في الطريق يسلم على الصغير والكبير على من يعرفهم ومن لا يعرفهم تطبيقا لحديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .

انتقل إلى رحمة الله بإذنه تعالى بعد صلاة الجمعة 30 شوال 1434 هجرية الموافق 6/9/2013 م وما أدراك ما يوم الجمعة فيها الخير والأجر الكثير والفضائل ، قال الأستاذ محمد حسين البرماوي وهو أول عضو مجلس وطني فلسطيني ومدير "مصرف" الرافدين السابق عديل الحاج احمد نافع قال : (إن الحاج احمد نافع أبو كمال رحمه الله تعالى كان رجلاً فاضلا صالحاً وهو يواظب على الصلاة منذ كان فتى صغيراً في فلسطين ..) التقيت الأخت انتصار فضل أبو الهنا أم وائل زوجة الأستاذ محمد حسين البرماوي شقيقة زوجة الفقيد احمد نافع وقلت لها : يرحم من فقدتم .. لله ما اخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل .. قالت متأثرة ويبدو الحزن عليها (والله الحاج احمد نافع كان خيمة علينا .. كان لنا عز وعزوة وقوة وهيبة ..) وألقى الشيخ فضل على مصطفى إمام وخطيب جامع القدس وصديق الفقيد خلال مجلس عزاء الحاج احمد نافع كلمة معبرة مؤثرة والذي كتب أيضا كلمة رثاء على منظومة الشابك (الانترنت) في موقع فلسطينيو العراق جاء فيها :

لقد كتب الله على عباده الموت . قال تعالى { كل نفس ذائقة الموت ... } منهم من يموت ميتة الجاهلية ومنهم من يموت ميتة الأبرار والصالحين ... منهم من يموت ولا يشعر بموته احد ومنهم من يموت فتبكي عليه العين وينفطر القلب حرنا عليه .. وأنت يا أبو كمال من هؤلاء الأبرار الصالحين بإذن الله , بكت عليك العين وانفطر القلب لغيابك عنا ... بكت عليك جدران جامع القدس ... بكت عليك ارض الجامع التي طالما احتضنتك ساجدا راكعا ... بكت عليك الطرقات التي خطوت عليها ذاهبا إلى المسجد وعائدا منه . إلى روضة من رياض الجنة ذاهب أنت يا أبو كمال بإذن الله ثم إلى الفردوس إن شاء الله حيث تجتمع مع الأحباب . كم سنشتاق إليك والى حديثك العذب عندما كنا نتحاور بأمور الفقه والدين ولا أنسى ما حييت عندما قلت لي : كنت أقوم الليل واقفا والآن أقوم الليل جالسا بسبب المرض وقد تهدج صوتك عندما قلت ذلك وكادت الدموع تنساب من عينيك أو ربما انسابت ولم أراها فقلت لك لا عليك فإن الله برحمته إن شاء الله يكتب لك الأجر جالسا كما كان يكتبه لك واقفا . أدعو الله جل وعلا أن تكون ممن قال تعالى فيهم { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } . فيا أبناء فلسطين لا تحزنوا كثيرا فإن لكم في الجنة إن شاء الله من ينتظر أهل الصلاح منكم فكونوا كما كان المرحوم بإذن الله في حياته, كان شمعة تضيء من حولها ضياء خير وتقوى . ويا أيها الناس صلوا قبل أن يصلى عليكم . وإنا لله وإنا إليه راجعون .

ورثاه الأخ فتحي الحاج علي حسن صهر الحاج محمد نافع عبدالمالك احمد الماضي أبو رأفت شقيق الحاج احمد نافع قال : إنا لله وإنا إليه راجعون في وصف سجايا المرحوم بإذن الله الحاج احمد تغمده الله في رحمته وادخله فسيح جناته كنت أحيانا أقف إلى جانبه في الصلاة في جامع القدس الذي يعتبر من رواده ومن رواد بيت الله الحرام فدائما اسمعه يردد عبارة اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وأرجو من الله القبول كان الأكبر سناً والأكثر صلاة وقراءة القرآن وكنت دائما أحاول أن أنافسه في ذلك مع نفسي ولكن اعتقد انه كان سباقا رحمه الله أوردنا الله وإياه حوض الحبيب المصطفى صلى الله عليه واله وسلم .

اللهم ارحمه برحمتك ووسع منزلته واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء عند مليك مقتدر وحسن أولئك رفيقاً الدعاء له بالرحمة والمغفرة إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين .

 

بقلم : رشيد جبر الأسعد

أبو محمد

بتاريخ : 21 / 9 / 2013

 


"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"