... بالقرب من الصخرة يوجد أبطال القصة الحقيقيين إنهم ثلاثة الصياد وصاحب مهنة شجرة "البلوط" المسمى بالعراف ويطلق عليه اهالي المنطقة "المدبر" وكان بعيدا عنهم نوعا ما لقد كانوا يعشقون البحر والشمس والرمال والسماء الزرقاء الصافية والرمال الناعمة النظيفة كانوا يقضون ايامهم حفاة مرتدين ملابس العوم الممتدة من السرة الى الركبة يركضون فوق رمال الشاطىء الرحب، البحر امامهم كبير يمتد إلى آخر الدنيا والشمس فوق رؤوسهم مسلطة عليهم اشعتها الذهبيةغامرة إياهم والكون كانوا يرتاحون لهواء البحر ورذاد الماء الذي يداعب وجوههم كقطيرات الندى فوق ازهار الأقحوان الصفراء في منتصف الربيع الذي ينتهي من الأمواج المتكسرة على الاحجار بقرب الشاطىء فترحب به صدورهم بحنو وعطف ونعومة ... طيور الحمام هي الاخرى تعشق هدوء البحر فتستغل هذه الفرصة للتعبير عن الفرحة التي المت بها بالتحليق طورا وبالمشي طورا آخر كانت تثير فوق رؤوسهم أحزانا شجيةذاهبة ناحية قباب أحد المساجد شادة رحالها اليه وكأنها من تدرك بغريزتها أنها من بين المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها تفعل كل هذا وكأنها على موعد مع عملية مخاض فتراها في ذهاب وإياب لا تستقر على حال لعلها اشتمت بذور شيء غريب سيعاشر المنطقة ... استيقظ القوم كالمعتاد فرأوا من جبالهم المشرفة على البحر وتكسوها الخضرة تقريبا طوال العام ويحلمون بالخلود فيها وعندما يفتحون عيونهم كل صبيحة هم وازواجهم وأولادهم تدركهم تلك الأمواج الصاقية ويبادرون الى قراءة ما تحمل لهم بين جوانحها من سخط او رضى ... لقد بدت هذه المرة ساخطة وهي تندفع تجاه الشاطىء وكأنها مكرهة على سلوكها هذا وبدأت تفسيرات القوم تنهال على المتحدث بحيث يقذفون بها الى الأمواج علها تسترضيها او تهدىء من روعها... قصدوا صاحبهم العراف لينظروا فيما آتاهم به فإذ به مع الآخرين كانوا مستعدين لخوض غمار المياه التي بدأت غير طبيعية هذا الصباح ولكثرة الأمواج المتواردة على الشاطىء وكان داخل البحر شيئا مستلقيا محتلا المكان مما يسبب ما يشبه الفيضان... ولعل النتيجة الأولى للفحص تقول أن بالبحر ثعبانا كبيرا ماسكا بحسناءجميلة ضاربا برأسه تجاه الولايات من الناحية الغربية وذيله في البحر ملتو على الحسناء.
وبادر العراف بالقول : يا الله تفضل يا صاحب القارب البلوطي هي قم بمهمتك أخذ الرجل حبة بلوط من الشجرة وأفرغ محتواها وبعد مدة قصيرة غدت قاربا صالحا لخوض غمار الماء فاستقله القوم ويمموا جهة مصدر الخطر.
- الدور دروك يا صياد استعد يا الله .... كن متأهبا وإلا أكلنا نحن وقاربنا... اضرب البندقية مصوبة تجاه الثعبان أطال النظر كتم أنفاسه قام يجميع قواعد الصيد العصرية نظر مليا واطلق الرصاصة إنها الرصاصة الأولى من الدورة الأولى وفجأة تحرك الشيء داخل الماء وإذا بالحسناء تتراءى داخل الماء ساحرة فعلا ، عملاقة طويلة كنخلة وسط واحة في صحراء مقفرة تحيط بها بعض النخلات الصغيرات متطلعة الى أن تمتلك مثل قامتها لها عيون سوداء تختبىء في محاجرها مغمورة بماء ينبعث منه ضوء يستشف منهما ماء الحكمة والوقار وسمعها الثلاثة تحاور الثعبان بلغة فيها سخط وثورة فاصاغوا السمع قالت :"أنت هو ايها اللعين الذي طورد من جميع البحار... أنت لست بحوت . أم انك الحوت الذي لا لون له ، لا رائحة، لا ذوق ، أنت اشبه بالأوكسيجين لا تتوفر فيك هذه الصفات لكنها رغم وجودك في كل بقعة من البحر لحسن الحظ ان الاسماك تتنفس بالخياشيم وإلا اضطررتها لأن تطفو على السطح وتخرج الى الشاطىء وعندئذ تلقى حتفها إذ لا يمكنها مخالفة الطبيعة أما انت فيتسنى لك ان تمدد جسمك كله في هذا المحيط الهادى ء الذي لم يحبس عن الحركة والهيجان منذ مقدمك... أنت الذي سرقت لي احلامي وصاحب بيتي وأطفالي .
-الثعبان بعد أن أخرج زفيرا من داخله: اسكتي ايتها المرأة واسمعي الى قراري : سوف لن ادعك ليتمتع بك الآخرون ألست أولى بك ... دعك من اولئك الاجلاف الغلاظ ... إنهم لا يفقهون من امر البحر شيئا ... إنهم اصحاب صحراء ومنذ متى عرفوا التحضر حتى يركبوا البحر ويخاطروا فيه زد على ذلك هل أدع هذا الخير كله يتمتع به غيري لا ... لا يمكن سوف افوز بك وعندما تعدين زهرة ذابلة أبقى ماسك بك ولن ادعك تفلتين من قبضتي سوف يكون مآلك الإعدام الإعدام ... الإعدام ...افهمت... وضغط على عنقها فحبست حبال تنفسها ... وتراصت الكلمات في حنجرتها وأضربت عن الصعود.
بعد ان اكملوا دورتهم خرجوا الى الشاطىء وبدأوا يتفاوضون حول كيفية القضاء على الثعبان... إنه يهدد كيانهم ... سوف يزحف على المدينة عندما يقضي على شرف هذ ه الحسناء ,,, سوف يطلب كل مرة حسناء جديدة يقضي فيهامأربه كصاحبه" النيل القديم" إنهما يتفاهمان وهما متفقان وعليه وجب القضاء عليه وافتكاك المرأة منه بدون مماطلة او تقصير... يجب فعل شيء قبل فوات الأوان وبداوا يستعدون للدورة التالية لقد مضت الدورة - 67 و 73 وكانت النتيجة ان المرض يستفحل والدواءمتوفر عند معظم القوم .
قال :أحد الرجال " العاصفة" ذرونا من" المدبر " لندبر امورنا بأنفسنا ونحتكم إلى من هو أقوى منا إذا اردنا أن ننقض هذه الحسناء بدل الاحتكام الى الطاغوت .
_ أجاب احدهم ويدعى" المنظمة " استسمحكم عذرا الم تدركوا أن معالم الفتاة بدأت تنمحي وعاصمة راسها قد طالها التغيير عهدنا بها ذات شعر طويل عليه خمار وإذا به قصير شبيه بشعر الرجال لا يخفيه شيء اضفى عليه صبغة لا تمت إلى فتيات منطقتنا وعاداتهم في اللبس بصلة وبعدما فعل بها كل ما فعل تراه يعرض علينا وعلى سكان الناحية وبالاخص سراتهم السماح بان نتقدم منها ونكلمها ونسالها عن حالها شريطة أن تتزوجه ولو مكرهة مرغمة .
ما رايكم يا جماعة ؟ إن الوقت ثمين ...
أطرق الرجال هنيهة وأجابوابالإثبات وقال أجهلهم : كيف نلقي بابنتنا وفلذة كبدنا وهي من جنس إنساني الى ثعبان من جنس حيواني ، ايعقل هذا؟أم انني جاهل لا اعرف ...أجاب الجمع بصوت واحد"لا ... لا ...إنك على صواب ... إنها اصح فكرة قلتها مذ عرفناك "
وفيما القوم يتصايحون تاييدا للفكرة صمتوا جميعهم وبقوا واجمين في اماكنهم يسمعون لصوت آت من السماء " فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ."
واندفع الجميع وسط قاربهم الجديد العصري داخل الماء مرددين ما سمعوه من الداعي يحذوهم الأمل والنصر ويتراءان لهم على صفحات الماء ويتراقصان مع الضوء يمنة ويسرة فيضفيان على المنطقة سحرا وجمالا.
استقل ببقعة بعيدا عن القوم محدقا في السماء حائلا ببصره معتبرا مفكرا في خلق الله باحثا بجد عن نجمته الخماسية الضائعة بين النجوم ولطالما وقف من اجلها الليالي الطوال وما اكثر ما كان يصحومذعورا من غفوته كلما ادار رأسه تجاه السماء الى بعض النجوم التي تنطلق سيارة من الشرق نحو الغرب أو العكس فيتابعها بنظراته وما اتعسه عندما ينقلب اليه بصره خاسئا بعد ان ينطفىء ذلك الضوء المستدير كجمرة القيت في إناء ماء بارد .
ذات ليلة تنبه إلى أن النجمة بدات رحلة الاقتراب منه محاولة اللجوء إليه وكلما اقتربت منه انبسطت اسارير وجهه وتملكه سرور مباغت لا يدري مصدره.
ذات مساء انتظر هبوط الظلمة ... وأخذ بصره ينتشر في مساحة كبيرة من السماء... وكان متيقنا وهذا حسب ما يبدو من حركات يديه التي تصعد وتهبط بسرعة من ان النجمة ستقترب وتضيء له وللآخرين الطريق المظلم ... ولكن مضى وقت طويل والنجمة لا تتحرك لقد اسرت لنفسهابالا تتحرك حتى يجد داعي السماء آذانا صاغية
التفت صلاح الدين الى المتحلقين حوله وخاطبهم بجد:
لقد انتهت الحكاية .. لكن متى ؟ هذا ما لا اعلمه ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير... وبادرت امه بعد ان حركت يدها من تحت فكها السفلي مديرة راسها علامة الاسف : " ما اطوله من حلم يا بني ... لو يتحقق سيكون فيه خير كثير "
انتهى
27/8/2009
عبد الله بوفولة - الجزائر
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
لا يعبر المقال بالضرورة عن رأي الموقع أو إدارته