خديعة العودة- بقلم محمد ماضي

بواسطة قراءة 4814
 خديعة العودة-  بقلم محمد ماضي
خديعة العودة- بقلم محمد ماضي

لم اكن اشك يوماً بخيانة السلطة لشعبها الفلسطيني ، ولم تكن الوثائق المسربة من ملفات تفاوض السلطة الفلسطينية مع العدو الصهيوني لتشكل صدمة لي، بل على العكس كانت تأكيداً لما كان يجول في خاطري واحدث الناس به ، وما يجري من تنسيق امني بين الجانبين لم يعد يخفى على أحد، وتسليم السلطة أسرى من عناصر المقاومة لهو امر بات يعرفه القاصي والداني، بل وعمليات التجسس واعطاء الاحداثيات التي يتواجد فيها رؤوس ورموز المقاومة كانت أمراً طبيعياً ومعروفٌ منفذه ، وسجل الشهداء يشهد بذلك من استشهاد الشيخ المجاهد أحمد ياسين بصاروخ اسرائيلي واحداثيات فلسطينية الى يومنا هذا ، لم تكن ايادي السلطة بعيدة عنها ، وطلب السلطة من اسرائيل الهجوم على غزة واضح وجلي ، ولست بصدد فتح هذا الملف وهذا الجرح النازف، وما أنا اليوم بقاضٍ اقاضي السلطة التي اقل ما وصفت به هو الخيانة، فرحم الله شهدائنا وفك قيود أسرانا .

ان اشد ما لفت انتباهي في سجلات الخيانة العظمى، هو ملف اللاجئين وحق العودة!!، فمطالب السلطة التعجيزية لم تكن لتتجاوز الـ15000 لاجئ كل عام، ولمدة عشر سنين، مما يعني 150 الف لاجئ، رقم مرعب؟! ولم تقبل به اسرائيل ولن تقبل به .

ان اعداد اللاجئين الفلسطينيين اليوم تقدر بالملايين منتشرين مشتتين مهجرين في شتى اصقاع العالم فلا تكاد دولة تخلوا من الفلسطينيين اللاجئين الذين ما زالوا يتوافدون بعد نكبة العراق واحتلاله، ومازالت خيامهم ومخيماتهم منصوبة في العراء على حدود الدول العربية، ونحن لا نستحي من الخيام فهي رمز عزتنا وكرامتنا، فعليها تربينا ومنها نشأنا فان عدنا اليها فلا ضير في ذلك، لكن هل نعرف سبب هذه المآسي التي لحقت بنا، هل نعلم ما سبب ضياعنا في اصقاع الارض وربما ضياع اولادنا وربما ضياع ديننا، وربما انسلاخنا من هويتنا العربية، هل نعلم لم ترفض الدول العربية استقبالنا ونحن ربما نفضلها على الدول الاوربية ان توفرت لنا ادنى شروط واساسيات العيش الكريم ؟

انها الخديعة الكبرى التي نشأنا وتربينا عليها منذ ايام الطفولة، انها صيحات وبوسترات وشعارات ملأت بيوتنا ومكاتبنا بل وحتى مساجدنا، انها هتافات لمظاهرات ومسيرات كنا نتغنى بها..
نعم انها الخديعة التي كنا نتغنى بها، انها حق العودة الذي لا يأبى النسيان، انها الصورة الجميلة التي زخرفت مكاتب تنظيماتنا السلطوية، ولطالما رددها كبار ساستنا ، قد يسال سائل كيف وهي امنية الكثير وحلم من احلامنا الكثيرة الضائعة ، قد نعيش ونموت لأجلها، فأجيب نعم والله هي كذلك وهي حق لنا ولا نتراجع عنه قيد انملة، تربينا عليه وسنربي اجيالنا عليه، فحلمي في بيت جدي في حيفا لايزال يروادني منذ ان قصت لي جدتي حكايا هذا البيت وحكايا مزارعنا واراضينا الجميلة ، ومراعينا الخصبة ، وحكايا طفولتها في حواري اجزم وحاراتها، وما شاهدته في احد الافلام لأرضي المغتصبة ليؤرق منامي ولهو جرح في قلبي لا يندمل، بل وينزف بشدة حين اسمع اخواننا في البلاد العربية وهم يتحدثون عن اراضيهم واملاكهم التي ورثوها عن اجدادهم، وما ورثنا نحن الا السباب والشتائم تنهال علينا من اخواننا في العروبة والاسلام كلما ذكر اسمنا، نحن الضيوف عليهم ولا ازيد ، وكل هذا بسبب تلك الخديعة، لقد خدعونا، نعم خدعونا وقالوا حق العودة، فبسببها منعنا من التجنس، وبسببها منعنا من امتلاك الجوازات، وبسببها منعنا من التملك، وبسببها نحن مكروهون منبوذون من الجميع، وبسببها نوضع في جل البلاد العربية بكانتونات اسموها مخيمات، بسببها نحن اليوم فلسطينيو العراق تحديداً نعاني الأمرين، فلا مستقبل معروف لنا ولأولادنا، بسببها لم نستطع ان نهاجر من العراق بكرامتنا دون التوسل على الحدود، بسببها قتلنا وذبح شبابنا ورجالنا..

لقد ربطت السلطة الوطنية الفلسطيني على مر عقودها مسالة التجنس والحصول على جوازات سفر بحق العودة، ولو سلمنا جدلاً بصحة فعلهم، وان كان لا يوجد هنالك ربط فجواز سفر لا يعني تنازلنا عن ارضنا ، بل هم من تنازلوا عن كل شيء، فلو سلمنا جدلاً بذلك، فلنرى سقف المطالب الفلسطيني بحق العودة فطبقا لمسودة اتفاق يعود تاريخه إلى عام 2007 وجدت بين سجلات الخيانة التفاوضية، تقتضي الخطة التي كان من المزمع تضمينها في "اتفاقية الحل النهائي" بأن يحدد عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم بمائة ألف فقط بواقع عشرة آلاف لاجئ سنويا. بينما تقول وثيقة أخرى تبين اجتماع لصائب عريقات مع موظفي وحدة دعم المفاوضات إنه اقترح أن يقبل بعودة ألف فقط سنويا، حتى ولو سمحت إسرائيل بعودة مائة ألف، لأن رقم مائة ألف لا يمثل أصلا إلا جزءا صغيرا من عدد اللاجئين الفلسطينيين وهو ما يمثل عمليا مصادرة حق العودة!!.

الهذا شردتمونا وقضيتم على مستقبلنا، الهذا العدد البسيط، جعلتمونا نستجدي العالم ان يستقبلنا كلاجئين، ام من اجل هذا ابقيتمونا في مخيمات الدول في تجمعات لا تصلح لعيش البهائم يسكن المنزل 3 عوائل وأكثر، ام من اجل هذا العدد تزاودون علينا ليل نهار بحق العودة، اتجعلوننا ورقة ضغط بايديكم وانتم تعيشون مرفهين مترفين بأغلى المنازل واحدث السيارات واعلى الرواتب، والله انكم تقتاتون علينا، ولا يهمكم رجعنا ام لم نرجع، ولا يهمكم حق العودة، بل تهمكم كراسيكم وحياتكم المترفة التي اعدتم عليها..

لقد خدعتمونا نعترف بذلك، لكن ليس بعد اليوم، وسنرفض اي مفاوضات تجري عن طريقكم، فانت لستم بأهل لها، فارفعوا ايديكم عنها واكتفوا بما نهبتموه من شعبنا الفقير الذي عاني الويلات من جراء مفاوضاتكم العبثية .


بقلم محمد ماضي

29/1/2011

 

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"