فـ"البقجة" واحدة من المفردات التي رافقت مسار المآسي
الفلسطينية منذ عام النكبة 1948، وقد لازمت الفلسطيني في رحلة التراجيديا التي ما زالت
فصولها وتداعياتها ترتسم حتى اللحظة بالرغم من مضي نحو 65 عاماً من عمر النكبة
الكبرى وضياع الوطن الفلسطيني.
لقد تحولت "البقجة" تراثاً و"فولكلوراً"
فلسطينياً محضاً، لا يمكن القفز عنها في كتابة دراما التاريخ الفلسطيني الحديث
والمعاصر. فباتت واحدة من المسلمات المتعارف عليها في رحلة التيه الفلسطيني بين
الوطن والشتات. وبين الشتات ودياسبورا المنافي البعيدة التي أصبحت في العقدين
الأخيرين موئلاً لقطاعات واسعة من اللاجئين الفلسطينيين الذين ضاقت بهم أرض العرب
والعروبة على إتساعها. هذه هي حال
معظم فلسطينيي لبنان والعراق الذين غَصّت بهم دول غرب أوربا والمجموعة الإسكندنافية
وكندا واوستراليا، وحتى ماليزيا وقبرص والهند. ويخشى أن تكون حال فلسطينيي سوريا في ظل محنتهم الأخيرة.
كانت "البقجة" ومازالت أشبه بما يسمى "كيس
البَحّار" المعروف في الجيوش وأنظمة الأمتعة العسكرية. فـ"البقجة"
عبارة عن شرشف أو معطف أو قطعة قماش كبيرة، تضم بين ثناياها بعض الأمتعة الضرورية،
عنواناً للحل والترحال وقد عادت تلك (البقجة) لتستولد نفسها مع نازحي الشعب
الفلسطيني الذين اضطروا للخروج من مخيم اليرموك ومن مخيم الحسينية القريبين من
دمشق في تغريبة جديدة في إتجاه دياسبورا داخلية محلية في عموم مناطق دمشق، وحتى
لبنان، إلى مخيم عين الحلوة وغيره .
تلك التغريبة، أعادت معها حالة النزوح الكبير لسكان مخيم اليرموك
ومواطنيه وهم يحملون "البقج" بين أيديهم وعلى رؤوس نسائهم وأطفالهم، في
رسم وترسيخ لصورة النكبة ووقائعها في وجدان الأجيال الجديدة من الفلسطينيين من
الذين ولدوا في المنافي والشتات بعيداً عن الوطن الفلسطيني ولم يشهدوا بأم أعينهم
حقيقة ماجرى عام 1948. وقد إرتوت وأتخمت ذاكرتهم بوقائع النكبة المنقولة بالتواتر
الشفهي على لسان أبائهم وأجدادهم الذين خرجوا من فلسطين من حيفا وعكا ويافا واللد
والرملة وصفد، وهم يحملون أكوام "البقج" بين أيديهم وعلى رؤوسهم وهم
يجرجرون أطفالهم في رحلة النسيان الطويلة.
المصدر: جريدة النهار
13/6/2013