بين عز الطاعة وذل المعصية – ياسر الماضي

بواسطة قراءة 7038
بين عز الطاعة وذل المعصية – ياسر الماضي
بين عز الطاعة وذل المعصية – ياسر الماضي

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد رافع جباه الطائعين ومذل الكفرة والعاصين، أما بعد :-

فمن رحمة الله تعالى وفضله علينا  أن من علينا بهذا الدين العظيم و جعل باب التوبة فيه مشرعاً مهما كبرت الذنوب وعظمت وهذا من فضله تعالى وعلمه بأننا نخطي ونذنب وأن عدونا إبليس وجنده لا يفترون حتى يوقعونا بالمعصية خفيها وظاهرها ,ومن منا بلا معاصي وذنوب يقول عليه الصلاة والسلام  (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي.

فلذلك أيها الأخوة يجب أن لا يتردد الإنسان في المسارعة بالتوبة ولا يدع  مجالاً للشيطان أن يوسوس ويسوف عليه بأن الله تعالى لن يقبل له توبته  فهذه عقيدة وتفكير خاطئ فان الله تعالى يقول:{ قُلْ يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ ِاللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (1)الزمر، بل إن الله تعالى  يفرح لتوبة العبد كما يفرح أحدنا عندما يجد شيء ثميناً قد ضاع منه يقول عليه الصلاة والسلام  (وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ )رواه مسلم ومن يسر و سماحة الإسلام أن جعل فعل الطاعات مكفرات للذنوب والمعاصي التي أرتكبناها قال عليه الصلاة السلام (ما من أمريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة ًلما قبلها ما لم يؤت كبيرةً وذلك الدهر كله ) رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِن الْخَطَايَاَ)رواه مسلم، وكذلك سائر العبادات جعلها الله تعالى  مكفرات ً للذنوب ومن العجب أن نرى اليوم كثير من أبناء المسلمين قد ضيعوا الصلاة   وتركوها  فهم على خطر عظيم قال تعالى{ما سلككم في سقر, قالوا لم نكٌ من المصلين} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) والصلاة هي العهد الذي أخذه  النبي عليه الصلاة والسلام على من آمن وقال إني من المسلمين فعليه أن لا يخرج من هذا العهد وإلا فسيناله الخزي في الحياة الدنيا والآخرة قال تعالى{فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (26) الزمر,  أما عن كبائر الذنوب كالزنا وشرب الخمر وغيره  فلا يكفرها إلا التوبة الصادقة مع الله تعالى والعلماء ذكروا للتوبة شروطا ً وهي:

1- الإقلاع  عن الذنب فوراً,لأنه لا توبة مع الاستمرار في الذنب ويجب أن يكون ترك الذنب لله فقط  وليس خوفاً  من شيء آخر كمن يخاف على صحته من الذنب قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحا) التحريم (8).

2- الندم على فعل المعصية, أن يشعر المذنب بألم وحسرة وندم على ما كان يرتكب من المعاصي وهذا يكون دليلا صادقاً على خوفه الشديد لما فرط في جنب الله ودليلاً على صدق توبته واخطر ما يكون الإنسان أن لا يتحرك قلبه عندما يقع في معصية أو تقصير مع الله سبحانه وتعالى 0

3- أن يعزم على أن لا يعود إلى الذنب, لذلك يجب أن يكون للتائب إرادة قويه على عدم العودة للذنب وعليه أن يقوي إرادته بالدعاء أولاُ وبالاستماع للخطب المفيدة وقراءة الكتب الدينية وان يبتعد عن الأسباب  التي كانت تؤدي به إلى المعاصي .

4- إرجاع الحقوق إلى أصحابها ,فالذنوب التي كانت متعلقة بحق الله تعالى مثل التقصير بالصلاة وسائر العبادات أو الوقوع في المحرمات فتتحقق التوبة فقط بالثلاث شروط الأولى أما ما يتصل بحقوق الإنسان من مال  وقذف ونحوه فيجب إرجاع الحقوق إلى أصحابها  وتبرئة المظلوم والاعتذار إليهم  لأنه إذا لم يتطهر منها في الدنيا ففي الآخرة لابد أن يعطي من حسناته أو يأخذ من سيئات من أساء إليهم قال عليه الصلاة والسلام( أتدرون من المفلس ؟ قالوا:المفلس من لادرهم له ولا متاع ,فقال: المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ,ويأتي وقد  شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ,فيعطي هذا من حسناته ,وهذا من حسناته فإن فنيت قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ,ثم طرح في النار) رواه مسلم.

أي ذل تورث المعاصي أصحابها وأي خزي  وأي عز يناله من تاب وأطاع ربه  فبالتوبة يتطهر من ذنوبه  ويكون ممن يحبهم الله تعالى قال تعالى {إن الله  يحب التوابين ويحب المتطهرين } ويرجع المسلم بروح مليئة بالنشاط والعزيمة على مرضاة الله ورجاء حسن ثوابه بل يشعر بعزة بعد ما كان يشعر بذل قال (عليه السلام): «إذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله إلى عز الطاعة) يقول بعض السلف " ما خرج عبد من ذل المعصية إلى عز التقوى إلا أغناه الله بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ".

والإسلام  يحث على التسامح بين  الناس فيما حصل بينهم من أخطاء وان يعفوا بعضهم لبعض عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ(مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ رَجُلًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) رواه احمد.

وكذلك لا يفهم احدنا أو يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال أستغفر الله زال أثر الذنب عنه وراح كما يفعل النصارى يعملون أقبح المعاصي والذنوب ثم يأتون إلى قساوستهم فيعترفون بذنوبهم فيقول القس لهم قوموا قد غفر الرب لكم, قال الله تعالى { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } ، ولا يغتر أحدنا بما نراه من نعيم أهل الكفر في هذه الدنيا أو بما يقوله بعض الناس هاهم أهل الذنوب والمعاصي وها هي الدول التي تقولون عنها كافرة ها هي تنعم بالأمن والاستقرار والمال وكل ملذات الحياة , فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فانما هو استدراج ) ثم تلا قوله عز وجل {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} وقال بعض السلف إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمة وأنت مستمر على معصيته فاحذر فإنما هو استدراج منه يستدرجك به  قال تعالى{ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } الزخرف (33).

تخيل أن الله تعالى يجعل لمن يكفر به  سقوف من فضة , فلذلك علينا أن نحذر مكر الله تعالى  ولا ننخدع بهذه المظاهر التي أنعم الله بها على أهل الذنوب والمعاصي فإنما هي استدراج من الله تعالى يستدرجهم ويمدهم في طغيانهم  ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

فبادروا أيها المسلمون بالتوبة فإنكم لا تدرون متى يفاجئكم الموت ولا تدرون متى يفاجئكم عذاب الله : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ }{ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }وليس زلزال هاييتي ببعيد عنا ومن قبله ما حصل من خسف في تركيا وإعصار تسونامي وغيره كل هذا ليس طبيعة وكل هذه مخلوقات تسير بأمر من الله تعالى فعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قال رجل من المسلمين: يا رسول الله؛ ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور. رواه الترمذي.

لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو اتقى الناس كان يستغفر في اليوم أكثر من مائة مرة ومن يتأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف من الله تعالى  روى أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه ) قال لطائر : ليتنى مثلك يا طائر ولم أخلق بشرا ،وكان يقول :لو أن إحدى قدماي داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله . ومن ذلك أن عمر أبن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأل حذيفة بن اليمان الذي هو أمين سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي أطلعه رسول الله على أسماء المنافقين، فقال له: 'أنشدك بالله! ألم يسمني رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم؟!'  وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته وقال لو إنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير .

فأين نحن من هؤلاء الرجال الذي قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهبا ً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) وهذا الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه عندما فرح الناس بما أتاهم من فضله عندما فتحوا جزيرة قبرص، بينما جلس أبو الدرداء  يبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟وسأله عن سبب بكائه فقال أبو الدرداء: ويحك يا جبير.. ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره وعصوه بينما هي أمة قاهرة، ظاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت إلى ما ترى, هكذا كان حال الصحابة رضي الله عنهم  وهم اتقى الناس لله ,  نسأل الله تعالى أن يرحمنا وأن يغفر لنا ذنوبنا اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ولا تخزنا يوم القيامة  وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

ياسر الماضي

3/2/2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"