ج7: قائد و فريق عراقي يكتب عن صمود جبع اجزم عين غزال
بعد ان سقطت حيفا يوم 19-4-1948م كان من المفروض ان تسقط قراها التابعه لها ولكن اهل هذه القرى وخاصة جبع اجزم عين غزال اخذت تقاوم بأباء بأمكانياتها المتواضعه رافضةً الاستسلام واصبح كل هم اهلها الدفاع قال مؤلف عين غزال :
(... وكان لسقوط حيفا الاثر الكبير في نفوس اهالي عين غزال فقد اصبحوا في وضع نفسي سيء للغاية .فسقوط مدينة كبيرة مثل حيفا يعني سقوط القرى العربية التي حولها اذ ان سقوط الرأس يعني سقوط الجسم ، ولكن ذلك لم يمنعهم من زيادة الاستعداد والحيطة والحذر والاصرار على مقاتلة الصهاينة دفاعاً عن ارضهم وعرضهم ودينهم وكرامتهم . فراحوا ينصبون الكمائن قرب مستعمرة زمارين والشفيا ويرسلون المجاهدين الى هناك لاستطلاع تحركات العدو .
غير ان الناس في قرى حيفا ونخص بالذكر هنا جبع واجزم وعين غزال لم يعودوا يفكرون في الهجوم بعد ذلك ، انما اصبح همهم الدفاع . فلقد اصبح مصيرهم واحداً فقرروا الصمود حتى النهاية1.
واخذ الجيش العراقي يبذل قصارى جهده لمساعدة مناضلوا هذه القرى بتقديم الخبرة والسلاح والعتاد حتى ولو بشكل فردي وقد اعجبوا ببسالة اهل هذه القرى .
قال قائد عراقي كبير برتبة فريق وهو صالح صائب الجبوري عن ظروف معارك الجيش العراقي و نضال ابناء القرى الثلاث : اجزم ، جبع ، عين غزال ، و عدم احترام عصابات الصهاينة لشروط الهدنة والقرارات الدولية ثم ضعف و تخاذل جيش الإنقاذ الذي قاده فوزي القاوقجي ، و عدم نجدة هذه القرى الثلاث التي قاومت و صمدت حتى نفذت الذخيرة من رجالها .
و بعنوان : خرق الصهاينة الهدنة الثانية و تهجيرهم سكان جبع ، اجزم ، و عين غزال كتب الفريق العراقي الجبوري :
( لم يحترم الصهاينة شروط الهدنة الثانية ولم يخضعوا الى قرارات الأمم و عملوا بما أملت عليهم رغباتهم و أهدافهم متجاهلين الاحتجاجات و القوانين الدولية و مراقبي الهدنة .. ولقد خرقوا الهدنة منذ بدايتها فهاجموا القرى العربية المنعزلة في منطقة حيفا وهي : جبع ، اجزم و عين غزال .
1:- محمد راجح الجدعان : عين غزال : بلد الكفاح والنضال : صفحة 200.
استخبرت القيادة العراقية بهجوم الصهاينة الغادر على هذه القرى و بالرغم من بعدها عنها أرسلت إليها النجدات اللازمة من المناضلين مع العتاد اللازم و مكنتها من الصمود بوجه هجمات الصهاينة بينما لم تصلها قوات جيش الإنقاذ ، و أخبرت الجهات اللازمة لمساعدة القرى المذكورة و اعتداءات الصهاينة اثناء الهدنة.
و أرسلت هيئة الأركان العراقية الى فوزي القاوقجي البرقية 600 بتاريخ 21 تموز 1948م التالية :
( يهاجم العدو منذ الساعة 600 من يوم 20/7/1948م القرى العربية المنعزلة اجزم ، جبع ، عين غزال بالطائرات و المدرعات و المشاة ، أرسلوا اكبر ما يمكن من قوتكم لمساعدتهم فوراً ) .
و كان جواب السيد فوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ :
- أرسلوا عتاد و اطلبوا عمل .
فردت عليه هيئة الأركان العراقية بما يلي :
- كل جيش مسئول عن تأمين قضاياه الإدارية و ما يحتاجه من العتاد من مرجعه المختص ، لم يقم هذا المقر يوماً ما بتجهيز الجيوش بالعتاد . اطلبوا ما تحتاجون من العتاد من مرجعكم المختص و كان يقتضي تأمين العتاد في وقت مبكر و قبل نفاده . )
وهكذا لم يسرع جيش الإنقاذ لنجدة القرى المذكورة و لم يقم بأي عمل لمساعدتها مع العلم ان الحكومة اللبنانية قد اعتبرت جيش الإنقاذ جزء من قوتها .)[1]
و يضيف الفريق الأول الركن صالح صائب الجبوري عن تطور القتال و هجرة اهل القرى الثلاث اجزم - جبع – عين غزال رغماً عنهم :
( في يوم 21 تموز 1948م صدّ اهل القرى العربية هجوم العدو و كبّدوه خسائر و غنموا منه بعض الاسلحة .
و في ليلة يوم 21 تموز 1948م هاجمت الطائرات المعادية القرى الثلاث اجزم – جبع – عين غزال ، و في يوم 25 تموز هاجم الصهاينة القرى المذكورة تسندهم الطائرات و الدبابات و المدافع .
و في صباح يوم 26 تموز تم للصهاينة إسقاط القرى الثلاث و هاجر اهلها ، فوصل الى عارة و عرعره (4000 ) مهاجر و لا يُعلم مصير السكان الباقين .
بالرغم من استمرار القتال بضعة ايام و خرق الصهاينة الهدنة علناً فأن الوسيط الدولي ( برنا دوت ) و هيئة الرقابة لم يتدخلوا في الأمر و لم يحاولوا إيقاف اعتداء الصهاينة و كأن شيئاً من هذا لم يقع .) (1)
لقد اثبتت وقائع التاريخ ، تاريخ القرى الثلاث اجزم – جبع – وعين غزال إنها قاومت اشرف ما تكون المقاومة الباسلة بالإمكانيات المادية المتاحة وقدمت قوافل الشهداء الأبطال (2). مع عشرات الجرحى و الأسرى .. و المفقودين .. هكذا عملت بهم ( مدنية وحضارة الانكليز ).
ان القوات الصهيونية أخذت تقصف هذه القرى بضراوة عدة ساعات و لعدة ايام قصف عشوائي عنيف بري و بحري و جوي مستمر .. كان اخرها يوم الثلاثاء 27/7/1948م حتى اضطر اهلها للرحيل ألقسري الاضطراري تحت وطأة ضرب القنابل والنيران و الاسلحة الفتاكة و قصف الطائرات المدمرة .. و على مرأى و مسمع من كل العالم .
و الجدير بالذكر ان اهالي هذه القرى الثلاث حين غادروها مرغمين .. لم يتجرا الصهاينة على دخولها إلا بعد ثلاثة ايام ..! و ذلك لحالة الخوف و نتيجة لحالة الرعب .. التي سيطرت على صفوف عناصر عصابات الصهاينة .. التي عاشوها في حالة من الخوف و الهلع اسابيع عديدة .. لأنهم لم يصدقوا أنفسهم أنهم احتلوا هذه القرى الثلاث .. مثلث الرعب .. الجبهة ..ساحة حرب ... الميدان الصعب الذي وقف امامهم و استعصى عليهم اياماً و اسابيع و اشهر من الصبر و الصمود و المقاومة .. رغم إمكانيات عصابات الصهاينة التسليحية والمادية و الفنية و التنظيمية الكبيرة .. وقد أطلق على هذه القرى الثلاث ، بجدارة و حق : مثلث الرعب ..)(3)
إن الإدارة و القيادة الانكليزية المتواطئة في فلسطين قد سهلت للصهاينة الأخذ بأسباب القوة العسكرية و التنظيمية سهلت لهم ذلك و غضت الطرف عنهم . قال موسى العلمي الوجيه الفلسطيني :
( .. على حين جند اليهود لحرب ، لا بل كل أبنائهم فحسب ، بل كل بناتهم ايضاً ، في كل مكان ، و كل مستعمرة ، مهما بعُد عن جوار العرب ، و اطمأنت في قلب المحيط اليهودي ، حتى المهاجرين حديثاً . لقد كان عندهم تجنيد عام ، و نظام عسكري شامل ) بعلم و تأييد الانكليز و التنسيق معهم ...!؟(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - صالح صائب الجبوري ، الفريق الأول الركن المتقاعد رئيس أركان الجيش العراقي سابقاً : محنة فلسطين و أسرارها السياسية و العسكرية ، الطبعة الأولى ، 1970م ، بيروت صفحة (257) المصدر السابق .
2 - راجع : عارف العارف : النكبة ، ج 6 ، سجل الخلود ( حول شهداء و قرى و مدن فلسطين ) و راجع ملاحق الشهداء نهاية الكتاب
3 - لما بدأت حرب فلسطين عام 1948م نقلت وكالات الأنباء كلمة نصيحة او حكمة لانكليزي عسكري من اصدقاء العرب – كما يقال – ينصح العرب فيها بالاستعداد الواسع ، و يُرد مثلاً انكليزياً معناه : إذا كان عدوك فأراً فأستعد له كأنه أسد ، لا ادري هل نسي هذا الضابط الانكليزي أن الإدارة و القيادة البريطاني قد عملت على قدم و ساق وطيلة 30 عاما على تقيد و تكبيل الأسد الفلسطيني ، حتى استأسد الفأر الصهيوني عليه بفعل التآمر و العمل الانكليزي القاهر الغاشم .. و في فترة مؤلمة من التداعي و الضعف الرسمي : العربي و الإسلامي و الدولي ...
4 - موسى العلمي ، عبرة فلسطين ، صفحة (16).
رشيد جبر الأسعد
كاتب فلسطيني
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"
[1] - صالح صائب الجبوري ، الفريق الأول الركن المتقاعد رئيس أركان الجيش العراقي سابقاً : محنة فلسطين و أسرارها السياسية و العسكرية ، الطبعة الأولى ، 1970م ، بيروت صفحة (256)