أرادت الصحافية السويدية، مراسلة أخبار اليوم " داجينز نيهيتر" أكبر صحيفة سويدية، لوتّا شولكفيست الخروج عن عملها الصحافي المألوف في تغطية الأخبار والأحداث من فلسطين، فخرجت علينا بكتابها الجديد" سر مارنا"، الذي يصلح ليكون مرجعا للدارسين والباحثين الإجتماعيين. تورد الكاتبة بين صفحاته ال 160 إثنا عشرة حكاية واقعية قصيرة، بأسلوب أدبي مبسط ومشوق، من واقع يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة , الذي زارته الكاتبة للمرة الأولى عام 1982 وأتبعتها بعشرات الزيارات فيما بعد , كان أخرها في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الحالي .
ولدى سؤالي لها عن محتوى الكتاب قالت , لقد اعتاد القارئ السويدي اعتاد على متابعة أخبار الفلسطينيين تحت الإحتلال و قراءة الكتب العلمية عن غزة والأحداث التي مرت بها. واليوم أريد أن يدخل هذا القارئ إلى بيوت الفلسطينيين ويعيش من خلال هذه السطور بين ظهرانيهم ليفهم واقعهم الأليم الذي تتسبب فيه إسرائيل وجيشها من جهة، وصمود هؤلاء الناس رغم الحصار العالمي لهم ورغم الدمار، واستمرارية حياتهم من جهة أخرى .
أرادت الكاتبة أن تصف الإنسان الفلسطيني بأنه بشر ككل البشر، يعمل ويأكل ويشرب وينام ويحلم وينجب , ولديه الأحاسيس ويحمل مشاعر الغضب والفرح، يضحك ويخاف ويتألم ويتحمل المسئوليات وله إرتباطات إجتماعية وعشائرية وعائلية قوية , وله مؤسساته وتنظيماته المدنية والسياسية والنقابية، ومنهم الغني ومنهم الفقير وبكلمة أخرى هو إنسان كجميع الناس .
تتنقل شولكفيست في رحلة سردها ووصفها من الشخصية الفردية إلى الأسرة ومن ثم إلى العشيرة والمجتمع بأكمله الذي مر بمراحل تاريخية وسياسية متغيرة كانت هي شاهدة عليها .
فأفردت مثلا الباب التاسع من الكتاب لتحكي عن حياة مصطفى الحمداني الذي سجن عدة مرات هو وإبنه مما اضطر زوجته لتناضل وتعمل، حتى لاتمد يدها للمساعدة، في إعالة إبنتها رغم ضغوط الإحتلال مرورا بفترة السلطة إلى أيام الحصار الجائر. وفي الباب العاشر تقص الكاتبة حكاية جودت الخضري الذي فضل الحياة في غزة رغم صعوباتها على الهجرة إلى بلدان الغرب وذلك عشقا لوطنه الجميل والغني بالحضارة والتاريخ , فقام بتجميع اللقيات الآثرية و أقام متحفا منها يستقبل الزوار ومن بينهم أطفال غزة لتعريفهم بحضارة غزة وفلسطين عبر ألاف السنين .
أما عن سبب تسمية كتابها بهذا الاسم فقالت الكاتبة أنها في كل مرة زارت فيها قطاع غزة كانت تقيم في فندق مارنا الذي يقصده الصحافيون والأجانب منذ أربعينيات القرن الماضي. ومارنا هو إسم لآلهة الخصب في غزة وقد بني لها معبدا في المدينة, تم تدميره في القرن الخامس الميلادي على يد مطران المدينة آنذاك , ثم بني مكانه كنيسة، حولت إلى مسجد في القرن الرابع عشر، و لازال يحتوي المسجد على بعض آثار المعبد والكنيسة .
أما السر فيكمن في الآثار الحديثة التي اكتشفها عالم الآثار السويدي بيتر فيشر الذي بدأ – بتكليف من النمسا والسويد ـ بالبحث عن آلاف الآثار التي كان قد اكتشفها عالم الآثار فلينديرس بيتريس عام 1930 في غزة ، والتي بعثرت في دول العالم ومتاحفها, وتوثيق أماكن تواجدها – حفرياته في تل العجول في غزة عام 1999 وكانت مفاجأته بما عثر عليه الذي كان أكبر مما توقع. ثم تابع حفرياته في العام 2000 بالتعاون مع علماء آثار من الأردن والسويد والدانمارك والنمسا ووجدوا آثارا تعود إلى عهد الهكسوس أي حوالي 1650 سنة قبل الميلاد. ومع بدء الإنتفاضة الثانية نصح العلماء بترك الموقع ومغادرة قطاع غزة، فتوقفت الحفريات دون أن تصل إلى نهاية أهدافها، ونقل حينئذ العالم السويدي فيشر لقياته بصناديق أودعها في فندق مارنا، ولازال السر العلمي لتلك الآثار على رفوف مستودع فندق مارنا، وفي ثرى تل العجول .
قراءة رشيد الحجة
صحافي فلسطيني مقيم في أوبسالا- السويد
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"