فلسطينيو السويد.. معاناة اللجوء ومنعه عن بعضهم

بواسطة قراءة 598
فلسطينيو السويد.. معاناة اللجوء ومنعه عن بعضهم
فلسطينيو السويد.. معاناة اللجوء ومنعه عن بعضهم

الاعتصام الذي بدأه فلسطينيون منذ الثامن من الشهر الحالي يناير/كانون الثاني يأتي بعد أن وصلت عمليات تجميد الإقامة ورفض متكرر لطلبات لجوء آخرين، واحتجاز بعضهم في مراكز تسفير "وتوقف حياة عشرات الأطفال الذين ولدوا وكبروا في السويد، فلا يمكنهم مواصلة دراستهم، بعد أن ذهبت مصلحة الهجرة وبطريقة بيروقراطية لتبليغهم بأن الإقامة التي يحملها أهاليهم قد جمدت"، كما في حالة الفلسطيني رأفت عبد الرحيم وزوجته سوزان بريكة.
أطفال ضحايا قرارات مصلحة الهجرة
يذكر عبد الرحيم لـ"العربي الجديد" أنه حضر إلى السويد منذ 9 سنوات مع 4 من أطفاله. كبر الأطفال في السويد وارتادوا مدارسها، فهم اليوم بين 9 سنوات و22 عاما "ومعاناة الأطفال هي الأكبر فبعد أن انخرطوا في الدراسة وأنهت الابنة لجين والابن عبد الرحيم الثانوية العامة يمنع عليهما الالتحاق بالجامعة الآن، مثلما هو حال الصغار الذين يمنعون من استكمال الالتحاق بالمدارس وهم 9 سنوات و13 و16 سنة". ويذكر رأفت أنه تعاون مع دائرة الهجرة منذ 2011 وحتى تاريخه، ويبدو أن مسألة طلب الإقامة جرى إغلاقها الآن. وكان أن اضطرت هذه الأسرة لفتح قضيتها مجددا بعد أن جمدت منذ سنوات "نحو 45 رفضا حصلنا عليها ووضعونا على قائمة التسفير، إلى أين نسافر والأولاد تتدمر حياتهم أمامي وأمام والدتهم وغير قادرين على فعل الكثير لهم، أقسى المشاعر أن تجد نفسك فجأة بلا أمان ويضيع مستقبل أولادك أمامك". وكان رأفت وأسرته الصغيرة مقيمين في السعودية قبل أن يضطروا لمغادرتها، ثم وصلوا إلى السويد على أمل منح أسرتهم أمانا وبالأخص استكمال الأطفال لدراستهم.
تعامل السويد مع الفلسطينيين من طالبي اللجوء المقيمين منذ سنوات على أراضيها، وهم خليط من تجمعات فلسطينية في الخارج ومن قطاع غزة والضفة المحتلة، تعلله بأن "أونروا"، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مسؤولة عن أوضاع الفلسطينيين في تلك المناطق. ويشير في السياق رب أسرة فلسطينية أقام في البلد 10 سنوات إلى أنه وجد نفسه وأسرته بلا إقامة، بعد حصولهم على رفض جديد في 2019، ويضيف علي الحميد أن أطفاله ولد 3 منهم في السويد، وأن "ظلما كبيرا توقعه مصلحة الهجرة السويدية في تعاملها معنا، فهي تخبرنا أن الرفض يقوم على أن لبنان يمكن أن يستقبلنا، وأن أونروا في لبنان مسؤولة عنا، علما أن أونروا لا علاقة لها بما نعانيه من مشاكل جمة، وذكرت مسؤولة التسفير لنا اعتبار لبنان بلدا آمنا وعلينا المغادرة، وأن أطفالي وإن اندمجوا والتحقوا بالمدارس فسيجري توقيفهم عن ارتياد المدارس حين يصلون إلى سن 16 عاما، وبالتالي نحن نعتبر بنظرهم مقيمون غير شرعيين، وأهمية الاعتصام هو لإيصال رسالة حول هذا الظلم الواقع علينا".
ويرى آخرون أنه "من الغريب أن تتعامل السويد مع اللجوء الفلسطيني بهذا الشكل، رغم أننا كنا نعتقد أنه البلد الأكثر اطلاعا على تفاصيل مأساة الشعب الفلسطيني، سواء كان في غزة المحاصرة منذ سنوات أو تحت الاحتلال المباشر في الضفة ومآسي العيش في مخيمات لبنان، ووضع فلسطينيي سورية الذين هجروا مثل بقية السوريين عموما".
ومن ناحيته يرى أشرف مناصرة، من مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، أنه وأسرته "نعيش مأساة حقيقية وفي ظروف قاسية جدا". وحضر مناصرة في 2017 وبعد أن جرى الاستماع لقضيتهم وانتظروا 11 شهرا وصلهم في 2019 قرار برفض منح الأسرة إقامة "بل جاء قرار بترحيلنا ومنع دخولنا إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عامين".
عاطلون من الحياة
ويرى مناصرة أن القرار "مجحف وتمييزي بحق اللاجئين الفلسطينيين مقارنة بغيرهم، ونحن لا نطالب بالمستحيل فأطفالنا الأربعة سيضيع مستقبلهم ونعيش ظروفا ممنوع فيها مزاولة عمل أو دراسة، وما أستغربه أن موظفا في العشرين من عمره في مصلحة الهجرة يقيم وضع الفلسطينيين القادمين إلى السويد منذ سنوات بأن بلدهم آمن تحت الاحتلال، ومطلوب للاحتلال وآمن؟" ويردف "موظف شاب لا يعرف أين تقع فلسطين 1948 والنكبة وما جرى لنا يقرر مستقبلا مأساويا لأسرة لاجئة، رغم عدم قدرتهم على إعادة الفلسطيني إلى وطنه فلسطين". مناصرة يختم واقع أسرته بالقول "نحن كالمعلقين بين السماء والأرض، يجري إنهاكنا وتحويلنا لبشر غير منتجين، فما هي فائدة السويد من أن تترك الناس هكذا بدل أن يكونوا منتجين ومساهمين في البلد، أطالب الساسة والسلطات في السويد بالنظر بشكل احترافي ومهني وليس بيروقراطيا في قرارات وقف الإقامات".
أما حمدان، القادم من قطاع غزة منذ 2014 وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا تختلف قصته كثيرا عن عشرات الفلسطينيين وأسرهم. الرجل غادر غزة المحاصرة على أمل أن يحصل في السويد على علاج مناسب "إلا أن حالتي للأسف تفاقمت وأصبحت مزمنة، ثم يقولون لك "أونروا" مسؤولة عن علاجك في غزة، رغم أن أونروا لا تقدم علاجا لمثل حالتي، وحين يعتبرون أن غزة آمنة فكأنهم لا يعرفون أن الواقع غير ما يقولون، وأونروا التي يقولون إنها مسؤولة عن حمايتي وعلاجي هي غير قادرة على حماية نفسها أصلا، لا أثناء القصف ولا بشح مواردها وعدم قدرتها على فعل شيء سوى المناشدات".

يبدو أن فترة الانتظار الطويل في ظروف غير صحية فاقمت من وضع حمدان "فجلوسي في معسكر الانتظار وغياب الاعتناء بحالتي الصحية أدى إلى تدهور صحتي، فصار عندي انحناء بالعمود الفقري واعوجاج بالقدمين والحوض وقصر بالقدم وهشاشة في العظام ومشكلات في المثانة، والآن جرى سحب إقامتي المؤقتة وسوف يعيدونني إلى المعسكر".
تجميد إقامات بعد 10 سنوات
وكانت السلطات في السويد أصدرت إقامات مؤقتة لمدة سنة لتعود وتنظر فيها مصلحة الهجرة تقييما كل 12 شهرا، وبدأت عمليا بشكل مكثف في 2019 وقف تجديد الإقامة، وهو ما يطاول بشرا انتظروا وأقاموا بهذه الطريقة في السويد لأكثر من 15 سنة. وتذكر في السياق لاجئة فلسطينية من لبنان أنها تقيم منذ عشر سنوات مع أسرتها وأولادها، ورغم فترة الانتظار الطويلة وجدت نفسها وأطفالها بلا إقامة اليوم، وهي على قوائم الترحيل. هذا إلى جانب مآس أخرى لأسر خرجت بالأصل لإنقاذ أطفالها ولعلاج بعضهم من أمراض مزمنة، فجرى إهمالهم وتفاقمت أوضاعهم الصحية والنفسية. فعلي الحمد يرى في هذه السياسة السويدية "أمرا مقصودا لكي يقبل طالب اللجوء ترحيله، أي أنهم ينتهجون سياسة تعجيزية، وإلا فما الداعي لأن تجد أسرة نفسها فجأة خارج شقتها بعد 10 سنوات من السكن لأن مصلحة الهجرة لم تجدد إقامتهم، وبالتالي لم يعد يحق لكثير من هؤلاء السكن في مساكن مخصصة من مصلحة الهجرة؟". تساؤل علي وتركيز كثيرين على صدمة "أن يكون بلد حقوق الإنسان السويد يتعاطى بهذا الشكل مع من يطلبون حماية ولجوءا لأجل مستقبل آمن لأبنائهم"، لا تجيب عليه مصلحة الهجرة السويدية سوى بأنها تطبق قرارات حكومية.
فكثير من العوائل التي تضم كبار سن، نساء ورجالا، يجدون أنفسهم اليوم مهددين بتطبيق السويد الصارم لوقف تجديد الإقامات المؤقتة ورفض إقامات من انتظر لأكثر من 10 سنوات. وتتذرع السويد بين فترة وأخرى بتطبيق معاهدة دبلن، أي بإرجاع اللاجئ إلى البلد الأوروبي الأول الذي دخل إليه، وبعض هؤلاء يراد إرجاعهم إلى اليونان الذي يعاني أصلا من اكتظاظ ووضع مأساوي يعيشه لاجئو البلد في أثينا، وعلى جزره التي تفتقد لأي نوع من الحياة الكريمة، كما أن إيطاليا بسياستها المتشددة ترفض بالأصل استقبال بضع عشرات. وتتعاطى استوكهولم بكثير من التشدد مع من استطاع الوصول من قطاع غزة بعد رحلة محفوفة بالمخاطر، ويقول بعضهم إن مصلحة الهجرة "تمدد دراسة قضايانا لسنوات طويلة لأجل إيصالنا إلى يأس، فيما غيرنا من أخوة لنا من العرب يحصلون سريعا على إقامة، ونحن ننتظر "فكيف يعتبرون غزة آمنة ليجري إعادتنا إليها"، كما يتساءل شريف أبو شملخ الذي حصل على رفض بحجة أن "غزة تعتبر بلدا آمنا"، وأظن أن كاتب الرسالة لا يعرف أن غزة ليست محاصرة وهي جزء من فلسطين المحتلة، وليست بلدا كما يظن".

 

المصدر : العربي الجديد
18/5/1441
13/1/2020