كذبة أبريل .. كذبة الضمائر الخربة - إكرام جلال

بواسطة قراءة 3243
كذبة أبريل .. كذبة الضمائر الخربة - إكرام جلال
كذبة أبريل .. كذبة الضمائر الخربة - إكرام جلال

كم فرَّقت كذبةٌ بينَ قلبين متحابَّين! كم أفسدتِ الحياةَ والسَّعادة بين زوجين! كم حطَّمت مِن أرواحٍ، وباعدتْ بين إخوة وأصدقاء!

أصل كذبة أبريل:

أبريل اسم مشتَّق مِن الأصل اللاتيني - أبريليس - "Aprilis" في التَّقويم الرّوماني، والبعض يُرجِّح أنَّه مشتق من الاسم اللاتيني - فتح - "Arerire"؛ أي: بَدءُ الرَّبيع، وتَفتُّح الأزهار، وكان الرُّومان قد خصَّصوا اليومَ الأوَّل من أبريل لاحتفالات فينوس، وهو رمزُ الحبِّ والجمال والسَّعادة عندهم، ولا أدري لماذا اختص دونَ غيره بالكذب لدَى الشَّعب الإنجليزي، وربَّما بدأت كإشاعةٍ جرت عليها هذه السُّنَّة السيِّئة.

ومن أشهر ما حدث في أوروبا أوَّلَ أبريل: أنَّ جريدة نجمة المساء الإنجليزية "Evening Star"  أعلنتْ في الحادي والثَّلاثين من شهر مارس لعام 1846م: أنَّ غدًا أَوَّل أبريل سُيقام معرض حمير عامٍّ، في غُرفة الزِّراعة لمدينة (أسلنتجون)، فهرع النَّاس لمشاهدة تلك َالحيوانات، واحتشدوا احتشادًا عظيمًا، وظلُّوا ينتظرون، حتَّى علموا أنَّما جاؤُوا يَستعرضون أنفسَهم، فكأنَّهم هم الحمير.

ومِن أشهر الأكاذيب التي عَرَفها الشَّعب الإنجليزي، الذي يُعتبر أشهرَ شعوب العالَم كذبًا في أول أبريل، والتي حدثتْ في عام 1860م: حمل البريد إلى مئاتٍ من سُكَّان لندن بطاقات مختومة بأختامٍ مُزوَّرة، تحمل في طياتها دعوةَ كلٍّ منهم إلى مشاهدة الحفل السَّنوي لغسل (الأُسود البيضاء) في برج لندن، مع رجاء التَّكرُّم بعدم دفع شيءٍ للحرَّاس أو مساعديهم، وقد سارع جمهورٌ غفير مِن السُّذج إلى برج لندن لمشاهدة الحفلة المزعومة.

ومِن أشهر الإشاعات في مِصر أو "كذب أبريل" كانت في أول أبريل عام 1976: حيث قطع راديو إسرائيل برامجَه وأعلن: "أيها المستمعون، منذ دقائقَ قليلةٍ هبطت فجأةً طائرة الرَّئيس المصري أنور السَّادات في مطار "بن جوريون" بتل أبيب في طريق عودته من ألمانيا إلى القاهرة، وقدِ استقبله في المطار "أفرايم كاترير" رئيسُ دولة إسرائيل....إلخ"، وبعدَها بعشر دقائقَ قطع برامجَه مجدَّدًا: "عفوًا أيُّها السَّادة، خبر هبوط طائرة السادات، هو كذبة أبريل لهذا العام، طاب صباحُكم"، وقد تحوَّلت تلك الكذبةُ إلى حقيقةٍ فيما بعد.

أشهر كذبة في الإسلام:

أشهر كذبة في الإسلام هي "حادثة الإفك"، وقد جاء ذِكرُها في سورة النُّور؛ قال تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [النور:11]، وقد نزلت هذه الآياتُ في شأن السيِّدة عائشةَ رضي الله عنها حين رماها أهلُ الإفك والبُهتان بالكذب البَحتِ، حين خرجتْ مع الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوةٍ غزاها، وحين فرغ صلَّى الله عليه وسلَّم من الغزوة وأوشكوا على الرَّحيل تلمَّستْ عُقدَها، فلم تجده، فعادتْ باحثةً عنه، ولم يشعرِ القوم بعدمِ وجودها في هَودجِها حين حملوه، فتيمَّمت منزلَها الذي كانت فيه، وغالَبَها النَّوم، ثم جاء صفوانُ بن المُعطَّل السُّلميُّ، فعرَفها لرؤيته لها قبلَ الحجاب، فخمَّرت وجهها بجلبابها، وقالت: واللهِ ما كلَّمني كلمةً، ولا سمعتُ منه كلمةً غير قول: "لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله" حينَ أناخ راحلتَه فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق يقودُ بي الرَّاحلة، حتَّى أتينا الجيشَ، فهلك مَن هلك في شأني، وكان الذي تولَّى كِبرَه عبدالله بن أُبيِّ بن سلول، فنزل في شأنها تبَرئةً من الله سبحانه وتعالى وتأديبًا منه للمؤمنين في قِصَّتها.

قد جاء الأمرُ للمؤمنين بالصِّدق مقرونًا بالتقوى؛ قال تعالى -:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

ويَنبغي على المسلمِ أن يَحذر الوقوعَ في هذا الأمر القبيح، حتَّى لا يقع تحتَ قوله تعالى -:  {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105].

تحريم الكذب في السنة:

كان الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أصدقَ النَّاس، حتَّى إنَّ هِرَقلَ مَلِكَ الرُّوم سأل أبا سفيانَ عن صفاتِ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وفيما قاله: "هل كنتم تَتهمونه بالكذب قبلَ أن يقول ما قال؟"، قال: لا، فقال هرقل: "فما كان لِيدَعَ الكذبَ على النَّاس، ويذهب فيكذب عَلى الله عزَّ وجلَّ".

الكذب في المزاح:

يظنُّ بعضُ النَّاس أنَّه يجوز الكذب إذا كان مازحًا، وأنَّهم إنَّما يقصدون المداعبةَ، وإدخالَ السُّرور على الغير، والكذبُ كذبٌ، سواء كان صاحبه مازحًا أم جادًّا، بعض النَّاس لا يكتفي بكذبةٍ يكذبها على أهله، بل يَتباهَى بإطلاق شائعةٍ تَبلُغ الآفاق.

عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال صلَّى الله عليه وسلَّم :- ((إنِّي لأمزح، ولا أقول إلاَّ حقًّا))؛ رواه الطبراني.

وبالنسبة للكذب للضَّحك؛ فعن معاويةَ بن حيرة قال: سمعت النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((ويلٌ للَّذي يُحدِّث بالحديث ليُضحكَ به القومَ فَيكذب، ويلٌ له، ويلٌ له))؛ رواه الترمذي، وأبو داود.

الكذب الجائز:

يجوز الكذبُ في مواضعَ ثلاثةٍ: 

الأوَّل: الحرب.

والثَّاني: الإصلاح بين النَّاس.

والثَّالث: كذب الرَّجل على زوجته؛ لأجْل إرضائها، ودوام المودة بينهما، وللزَّوجة كذلك.

عن أمِّ كُلثوم رضي الله عنها :- أنَّها سمعتْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((ليس الكَذَّاب الذي يُصلِح بينَ النَّاس، فينْمِي خيرًا، أو يقول خيرًا((.

وزاد مسلمٌ في روايةٍ له: قالت أمُّ كُلثوم: ((ولم أسمعْه يُرخِّص في شيءٍ ممَّا يقول النَّاس، إلاَّ في ثلاثٍ؛ يعني: الحربَ، والإصلاح بين النَّاس، وحديث الرَّجل امرأتَه، والمرأةِ زوجَها))؛ رواه البخاري ومسلم.

يا أيُّها الذين آمنوا: الصدق طُمأنينة، والكذب اتباعٌ للهوى، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أنَّه ما مِن قولٍ تَتفوَّهون به إلاَّ كتبتْه الملائكة، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ؛ قال تعالى -: { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*  مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:17 – 18].

ويا أصحابَ الأرواح الخربة، والقلوب الفاسدة، إيَّاكم والغَفلةَ عمَّن جعل لحياتِكم أجْلاً، ولأنفاسِكم أمدًا.

عن ابن عمرَ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :- ((لا تُكثروا الكلامَ بغير ذِكْر الله، فإنَّ كثرة الكلام بغير ذِكْر الله تعالى قسوةٌ للقلب، وإنَّ أبعدَ النَّاس مِن الله تعالى القلبُ القاسي))؛ أخرجه الترمذي.

الكثيرون يُوقعهم النِّسيانُ في هذه الكذبة، فلا تَقعوا في حبائلِها.

 

المصدر : موقع الألوكة الشرعية