ج11: شهادات التاريخ والمؤرخين حول صمود قرى فلسطين الأبية إجزم وجبع وعين غزال
شهادات العدو ( و الحق ما شهدت به الأعداء )
يعترف الرواة و المؤرخون ( الصهاينة ) ، في ان قرى الطيرة و جبع و اجزم و عين غزال ، و غيرها من القرى الفلسطينية ، تقع و تسيطر على طريق حيوي بالنسبة لعصابات الصهاينة ، و هو سيطرة هذه القرى على طريق حيفا – تل ابيب الرئيسي الدولي ، في الطرف الشمالي الذي هو قبالة هذه القرى العربية الناشطة فلا بد من تدبير أمرها لضمان المرور في هذا الطريق الحيوي العام ، قالت الرواية الصهيونية الرسمية :
( كان احد هذه الطرق طريق تل ابيب – حيفا ، الذي كان في طرفه الشمالي فقط و قبالة قرى الطيرة وجبع و اجزم و عين غزال ، يمر في منطقة عربية ، و عندما ازداد التوتر في البلد أصبح من الضروري الالتفاف حول هذه القرى ، و السفر الى حيفا عن طريق وادي الملح .)[1]
فقد كلف العدو الصهيوني و عصاباته المسلحة لواء ( كرملي ) سيء الصيت الذي ضم او اشتمل ثلاث كتاب عسكرية صهيونية مسلحة كاملة العدد و التجهيز بأفضل و احدث الأجهزة العسكرية و الإرهابية و مهاجمة العرب و من ضمنها محاولة السيطرة على قرى الطيرة و عين حوض و المزار و جبع و اجزم و عين غزال و صرفند و كفر لام .
تقول الرواية الصهيونية ( الرسمية ) حول ذلك :
( و كلف لواء – كرملي – الذي اشتمل على ثلاث كتائب هي ( 21- 22 -23 ) ، للقيام بالمهمات التالية :
إغلاق طرق تقدم العدو الرئيسية من جهة حدود لبنان و من ناحية ترشيحا و شفا عمرو و الكرمل و وادي الملح ، احتلال مخافر الشرطة في كفاراتا و كريات حاييم و عتلييت و المعسكر الحربي و الواقع بالقرب من كفار مساريك ، التمركز في مدينة حيفا عن طريق احتلال الاحياء العربية – يجب حصر العرب في منطقة وادي الصليب و وادي النسناس – السيطرة على الطرق و سكة الحديد من حيفا الى زخرون يعقوب ( عن طريق السيطرة على قرى : الطيرة و عين حوض و المزار و جبع و اجزم و عين غزال و الصرفند و كفر لام ) . [2]
وعن مقاومة اهل هذه القرى ، ذكر الأستاذ مروان الماضي عن تلك المقاومة الرائدة الخلاقةوالمشرفة:
( وقد ظلت القرى الثلاث جبع ، عين غزال و اجزم ثابتة كأحسن ما يكون الثبات ، مجاهدة كأحسن ما يكون الجهاد ، و كان الجيش العراقي على اتصال بقيادة هذه القرى ، و لكنه لم يساعدها إلا بالقليل من الذخيرة لأسلحة المجاهدين الخفيفة ، و مع ذلك كان الوضع ثقيلاً على العدو ، فأرسلوا لجنة من حيفا تتوسط لدى القيادة المحلية و كان يرأس هذه اللجنة عزيز الخياط و عضوين من اليهود و قد حضرت اللجنة الى اجزم و اجتمعت مع اللجنة المحلية و عرضت عليهم التعاون و السلام و البقاء في قراهم ، و كانت اللجنة على اطلاع بالوضع العربي آنذاك ، و كادت ان تتم الموافقة ( الخديعة ) لولا تدخل الشباب المتحمسين الذين رفضوا الاستسلام و الخضوع للعدو و شروطه ..
و بعد ان فرضت الهدنة بين العرب و الصهاينة قامت الطائرات الصهيونية بقصف هذه القرى الآمنة التي اطمأنت الى الهدنة ، وقد استمر قصف الطائرات عدة ايام .. )[3]
و تحت عنوان – إنصاف – قال الوجيه الفلسطيني المعروف موسى العلمي:
( و إن من الحق و الإنصاف للجهاد العربي الفلسطيني ، ان نشير الى صفحات منه ، جدير بالذكر ، و بالإشارة و الخلود .
فبالرغم من كل هذه الظروف ، سجل العرب وقفات مثالية رائعة ، و كانت قرية سلمه و ابو كبير و القدس و القسطل و بيت صفافا و كفر سابا و باب الواد و الرملة و الطنطورة و جبع و اجزم و عين غزال و الطيرة و غيرها .. طافحة بآثار المزايا و الصفات العربية الموروثة ، و شاهد على صفاء المعدن ، و سلامة الجوهر )[4]
قال الأديب الأردني عيسى الناعوري عن مقاومة و ثبات قرى فلسطين :
( هل نتحدث على قرى ( الطيرة - اجزم – و عين غزال ... إنها ثلاث قرى صغيرة على مقربة من حيفا ، و لكنها ظلت تقاوم اليهود ببطولة عظيمة ، و ليس ذلك اثناء وجود الانكليز و حسب ، بل بعد دخول الجيوش العربية ايضاً و ظلت هذه القرى أشواكاً مزعجة في جنوب اليهود ، تفتك بقوافلهم ، و تنهك بقواهم ، وبعد ان توقفت الجيوش العربية عن حرب اليهود ، و استسلمت الى الهدنة ، وجد اليهود الفرصة مناسبة للانقضاض على هذه القرى الثلاث ، فهاجموها بالطائرات و الدبابات و المدافع ، و لكنها ظلت تدافع و تقاوم اعنف مقاومة حتى دمرت القرى الثلاث تدميراً تاماً ، فاضطر من بقي من اهلها الى النجاة بأنفسهم في حالة شديدة من البؤس و الكآبة .
فهل من بطولة أعظم من هذا كله .. ؟
وحسبي ان اذكر بمناسبة الوقفة الابية التي وقفها اهلي وشعبي وامتي في الساحل الفلسطيني ضد الظلم والجبروت الصهيوني ان استذكر قول الشاعر ماهر ابو الحمص مؤلف كتاب (قرية زيتونة ) حين قال :
لا لست ارض من التاريخ ملحمة ان كان فيها مداد من زهيد دمي
ها المح الليل قد حانت نهايته لايشرق الفجر الا في دجى الالم
وقول الشاعر نبيه ثابت:
ويح ايار كان بالامس شؤما وسياتي ايارنا الوضاء
لو أردنا ان نحدثكم عن جهاد كل قرية و كل مدينة في فلسطين ، لاحتجنا الى كتب كثيرة ضخمة ، و الحقيقة ان عرب فلسطين كانوا أبطالاً جبابرة ، و لو وجدوا من يساعدهم بتقديم السلاح الكافي وحده ، لما ضاعت فلسطين . )[5]
كما قال المجاهد القائد الفلسطيني المعروف بهجت ابو غريبة عن هذه القرى الباسلة في مذكراته ما نصه :
( و على الجبهة العراقية قام اليهود قبيل الهدنة بشن عدة هجمات في قطاع جنين و رأس العين كما صفي جيب المقاومة العسكرية العربي في قرى جبع ، اجزم و عين غزال قرب حيفا ، و لهذا الجيب قصة بطولية مشرفة انتهت نهاية مأساوية فأن هذه القرى الثلاث و عدد من القرى الصغيرة الأخرى الواقعة على بعد 30 كيلو متراً جنوبي مدينة حيفا على طريق حيفا – تل ابيب ، صمدت للهجمات اليهودية المتكررة من البر و الجو و البحر مكبّدة العدو خسائر فادحة معتمدة في مقاومتها على سكانها فقط و لم يتمكن اليهود من احتلالها حتى قيام الهدنة مع العلم ان هذا الجيب كان محاصراً من جميع الجهات . )[6]
و حول صمود هذه القرى و قرى فلسطين كلها قال الباحث الفلسطيني جميل عرفات ُيبين ان اجزم كانت أيضاً مركزاً لنشاط و قيادة الثوار :
( شاركت اجزم بنشاط في جميع الثورات في فلسطين و كانت مركزاً هاماً لثورة (1936/1939م) و اتخذها الشيخ القائد يوسف ابو درة قاعدة له ، و شارك رجالها في عدة معارك .)[7]
عن صمود القرى الفلسطينية الثلاث المشرف ، قال الباحث الأكاديمي الدولي الأستاذ و ليد الخالدي :
( كانت قرية اجزم الى جانب قرية عين غزال و جبع جزءاً من منطقة مثلثة جنوب حيفا صمدت في وجه الهجوم الإسرائيلي حتى أواخر شهر تموز 1948م ..)[8]
و قال مؤرخ النضال الفلسطيني المجاهد صبحي ياسين ( رحمه الله ) عن قرى الساحل الفلسطيني :
(.. عين غزال و جبع و اجزم و الطيرة و الطنطورة و عين حوض ابتدأ الجهاد في هذه المنطقة منذ اليوم الأول لقرار التقسيم ..
.. و أذا ذكرت قرى ساحل حيفا العربية فسيكون لإبطالها البواسل سجلاً تاريخياً حافلاً بالجرأة و الإقدام اذ أنهم استطاعوا قتل اكثر من 400 صهيوني و جرح عدد مماثل في فترة النضال و استشهد منهم المئات .. و من ابرز المجاهدين .. السادة عبد الله زيدان من اجزم ...
و عبد الرحمن عبد الله .. من قرية عين غزال ...
و محمد شعيب شعبان من .. قرية جبع ..
و قاسم الريان من .. الطيرة .. و إضافة الى عشرات من قادة الفصائل .... )[9]
و في مجال التآمر البريطاني – الصهيوني على قرى الساحل الفلسطيني ، و استفادة الصهاينة من عقد الهدنة المؤامرة بل جاءت هذه الهدنة لإنقاذهم و استطاعوا مقاومة هذه القرى التي تتحكم بطرق مواصلاتهم و تموينهم و سقطت هذه القرى بعد ان أبلت البلاء الحسن في الأداء ، في الثبات و المقاومة ، قال في هذا المجال مؤرخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأستاذ اكرم زعيتر :
( استطاع اليهود في اثناء الهدنة ان يمونوا مستعمراتهم المنعزلة لتستطيع الثبات و الصبر في المقاومة كما انشئوا طريقاً جديداً للتموين بين القدس و يافا و قاموا بتطهير جيوب المقاومة الكائنة ضمن مناطقهم و التي كانت تتمثل في القرى العربية المنعزلة حيث قضوا على مقاومة سكانها و طردوهم من أماكنهم ، و كان ابرز خرق للهدنة قام به اليهود في هذا الشأن هو مهاجمتهم المتكررة على القرى العربية ( جبع ، اجزم و عين غزال ) و قد استمرت مدة الهدنة و حتى بدء الهدنة الثانية فتمكنوا من احتلالها و تدميرها و طرد سكانها الذين ابلوا في الدفاع عنها اي بلاء )[10]
و في رواية العدو إشارة لصمود قرى فلسطين الصامدة عين غزال و اجزم و جبع و الطيرة وغيرها إذ ورد :
( و ينبغي هنا التنويه من الناحية العسكرية ، بصمود قرى الطيرة و عين غزال و اجزم و جبع في منطقة الكرمل جنوبي حيفا ، فقد صمدت هذه القرى لمدة طويلة بعد سقوط حيفا ، و لم يقتصر الأمر على هذا فحسب ، و إنما استمر رجالها في إزعاج و مضايقة وسائل النقل اليهودية المتجهة الى حيفا و أرغموها على المرور عبر وادي الملح .)[11]
[1] - حرب فلسطين (1947 -1948 ) الرواية الإسرائيلية الرسمية : ترجمه عن العبرية احمد خليفة قدم له وليد الخالدي ، الطبعة ،1984م ، صفحة (307) .
[2] - حرب فلسطين (1947 -1948م ) ، صفحة ( 348 ) ، المصدر السابق .
[3] - مروان الماضي : قرية اجزم الحمامة البيضاء ، ص(106).
[4] - موسى العلمي : عبرة فلسطين ، الطبعة الثالثة ( الألف الثاني عشر نسخة ) 1949م ، نشر دار الكشّاف ، بيروت ، ص ( 20 ) .
[5] - عيسى الناعوري : بطولات عربية من فلسطين ص (101-102)
[6] - من كلام المجاهد القائد بهجت ابو غريبة في مذكراته المنشورة في مجلة ( القدس الشريف ) الحلقة (39) العدد (71) ، السنة السادسة ، رجب شوال 1411هـ الموافق شباط 1991م ، عمان ص (30 /31 )
[7] - جميل عرفات ( باحث فلسطيني مقيم في سوريا ) : مقتبس النص أعلاه عنه من خلال موقع ذاكرة عكا و الجليل على الانترنت سبق ان مر ذكره في صفحات و مصادر سابقة..
[8] - وليد الخالدي : كي لا ننسى : مصدر سبق ذكره .
[9] - صبحي ياسين : طريق العودة الى فلسطين ، 1380هـ / 1960م ، ص(20 /21 )
[10] - اكرم زعيتر : القضية الفلسطينية ، القاهرة ، ص ( 222 ) .
[11] - حرب فلسطين ( 1947/1948م : الرواية الإسرائيلية الرسمية ) ترجمه عن العبرية احمد خليفة قدم له وليد الخالدي ، الطبعة الاولى 1984م ، قبرص ، ص (218 / 219 ) . مصدر سبق ذكره .
رشيد جبر الأسعد
كاتب فلسطيني
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"