كانت معركة فلسطين الوحيدة في العصر الحديث حيث اشتركت فيها كل الجيوش
العربية، قاتلنا معا من أجلها وفي سبيلها تقربا إلى الله ونيل شرف "الشهادة"
على ترابها، وعلمت معاركها جيوشنا معاني الجهاد، وألهمت قادة الوحدات منهم معاني
الثورة، فمن الضباط الذين اشتركوا في حرب فلسطين، ودفعتهم النكسة إلى الثورة
وتأسيس جمهوريات، اللواء محمد نجيب قاد ثورة مصر عام 1952 أزاح الملك فاروق وأصبح
أول رئيس جمهورية لمصر، وممن شاركوا في الحرب جمال عبدالناصر وأتى بعده محمد نجيب
على رئاسة مصر، وعبدالكريم قاسم الذي يشهد له بالاستبسال في الدفاع عن أرضها، وبعد
وقف الحرب اشترك بثورة تموز 1958 وأزاح الملكية وأعلن العراق جمهورية، وعبدالسلام
عارف الذي خلف قاسم على رئاسة العراق، ومن الضباط السوريين حسني الزعيم الذي أصبح
رئيسا لسوريا فترة قصيرة وآخرون رؤساء وزارات ووزراء وقادة جيوش.
لعيون فلسطين خاض العرب خمس حروب كبرى طاحنة ضد الصهاينة وآلة حرب الدول
الغربية العظمى التي هبت تدافع عن العصابات، وقدم فيها العرب مئات الآلاف من "الشهداء"،
حرب 1948 وحرب 1956وحرب 1967 وحرب 1973، وخاضوا عشرات المعارك، تحملت مصر العبء
الأكبر منها في الرجال والعتاد إضافة إلى العراق وسوريا والأردن، وأسهمت السعودية
ودول الخليج بأعباء مادية كبيرة، وبعد كل هذه التضحيات يأتي جيل يستهين ويستخف
بتلك الدماء والتضحيات ويتنكر للقضية الأكبر والأهم، ويفرط بالأرض والمبادئ بدعوى
الجنوح للسلام !.
الفلسطينيون اليوم يسجنون ويموتون في السجون العربية بلا محاكمة لأنهم
يقاومون "إسرائيل". ومن يساعدهم ويتصل بهم يتهم ويرمى بالخيانة، العرب
اليوم تخاذلا يضيقون الحبل على رقاب الفلسطينيين المنادين بحمل السلاح، جنوحا
للاستسلام والانبطاح الذي تدعو إليه فصائل الاستكانة وحكومة رام الله المتخاذلة،
مصر قلب "العروبة"، من يصدق أنها تنسى تضحياتها؟ وبدلا من تلك المعارك
المشرفة التي خاضتها في سبيل القضية الفلسطينية تبني سورا تحت الأرض وآخر فوقها
لتعزل الفلسطينيين عن أشقائهم، وتضيق الحصار عليهم وكانت تفتديهم بأرواح شبابها،
من يصدق أن الفلسطينيين باتوا يحفرون أنفاقا تحت الأرض ليهربوا الغذاء والدواء
للحفاظ على البقاء، وهناك معابر برية عربية سالكة تغلق بوجه المرضى والحجاج
والمعتمرين والطلبة، لتفتح كل أسبوعين ثلاثة أيام، لمدة أربع ساعات للحالات
الطارئة، والناس تتضور جوعا وألما وحسرة وهم يحصرون من أقرب الناس إليهم، “أشقاؤهم
العرب”، والأدهى أن يقوم الجيش الذي حارب عقودا دفاعا عن الفلسطينيين بهدم تلك
الأنفاق عنوة ليمنعوا تهريب حليب الأطفال ودواء العجزة، وعذرهم يمكن أن يهرب
بواسطتها السلاح للمقاومة، مصر التي احتضنت غزة فيما مضى تضيق على مليون فلسطيني
الخناق، لتمنع عنهم الدقيق واللحوم والسمن والوقود والكساء والسكر ومواد البناء،
ولو استطاعوا لمنعوا عنهم حتى الهواء.
ليت الأمر وقف عند التخلي عن تحرير الأرض، بل أصبحنا نعد الجيوش لنحارب
بالوكالة عن "إسرائيل" ونكرس احتلال فلسطين؟ وصار همنا أن نقتل أبناءنا
ببطء لنضمن "لإسرائيل" الأمن والسلام فأين كنا وأين أصبحنا؟.
المصدر
: جريدة البلاد
10/12/2013