من أعلام الصحابة - الحاكم العادل الصحابي الكريم سعيد بن عامر الجمحي (رضي الله عنه) – رشيد جبر الأسعد

بواسطة قراءة 8704
من أعلام الصحابة - الحاكم العادل الصحابي الكريم سعيد بن عامر الجمحي (رضي الله عنه) – رشيد جبر الأسعد
من أعلام الصحابة - الحاكم العادل الصحابي الكريم سعيد بن عامر الجمحي (رضي الله عنه) – رشيد جبر الأسعد

من أعلام الصحابة

 

 

الحاكم العادل

خذوا العبرة والدرس من والي حمص

الصحابي الكريم سعيد بن عامر الجمحي ( رضي الله عنه )

 

 

بقلم : رشيد جبر الأسعد

 

 

روى أن أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) الذي كان يشرف بنفسة وبشكل مباشر عن أحوال الرعية ، لم يكتفي بالسؤال عن حال أوضاع الأمة في الأمصار وانما يزورها ويتفقدها بنفسه أحياناً كثيرة .

فقد زار بلدة حمص في بلاد الشام ، زيارة تفقدية مفاجئة للولاية للاطمئنان على أحوال الرعية وشؤون المسلمين والناس فقد سأل عمر الأهالي متوجهاً اليهم بنفسه بخطابه : حين قال لهم وبغياب الوالي سعيد بن عامر :

ـ يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم سعيد بن عامر ؟

ـ فشكوه إليه ، وقالوا : نشكو منه أربعاً : لايخرج إلينا حتى يتعالى النهار .

ـ قال عمر : أعظم بها ، ثم ماذا ؟

ـ قالوا : لايجيب أحداً بليل .

ـ قال عمر : عظيمة ، ثم ماذا ؟

ـ قالوا : له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا .

ـ قال عمر : عظيمة ، ثم ماذا ؟

ـ قالوا : يغنط الغنطة بين الأيام ـ أي تأخذه الغشية ، ويشرف على الموت ، وينال منه الكرب والجهد .. !؟ ، والناس حوله حضور ... (1) .

هذة هي الشكاوي الأربعة التي اشتكى بها أهل حمص على واليهم سعيد بن عامر لدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، بعد أن أثنوا على الوالي وعلى سيرته وتقواه وزهده وتواضعه وحسن رعايته .. إلا من تلك الأربع أعلاه .

أزاء هذه الشكاوي جمع سيدنا عمر بين الوالي سعيد بن عامر ورعيته أهل حمص الشاكين منه ، وجهاً لوجه للحوار والمناقشة وكله ضراعة الى الله ، أن لايخيب فيه ظنه وفراسته في هذا الوالي الزاهد المتعفف .

ـ قال عمر لأهل حمص وأمام سعيد الوالي : ماذا تشكون من أميركم ؟

ـ قالوا له : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ( أي يتأخر عن مباشرته الدوام صباحاً الى الضحى أو ما بعدها بقليل ) .

وانتقلت كل الأنظار إلى جواب الوالي سعيد بن عامر الذي صمت هينة ثم قال :

ـ يا أمير المؤمنين إني أكره أن أفصح عن هذا الأمر فإذا لا بد منه فأقول إنه ليس عند أهلي خادم فأقوم بعجن العجين وأتركه حتى يختمر ثم أخبز العجين وأتوضأ وأخرج للرعية .. !

ـ قال عمر للرعية : وماذا بعد عن سعيد .. ؟

ـ قالوا له : لايخرج لنا ولا يجيب أحد في الليل .

فأجاب الوالي عن سؤال هذه الشكوى والتهمة :

ـ والله إني كنت قد كرهت أن اقول ذلك أيضاً ،  لقد جعلت النهار للرعية ـ أي قضاء حاجات الناس والوقوف على مصالحهم ـ وجعلت الليل لله ( سبحانه وتعالى ) أعبده وأُناجيه وأتضرع إليه .

ـ قال عمر للرعية ، وماذا بعد ؟

ـ قالوا له ينقطع عنا يوماً في الشهر .

ـ قال عمر ما تقول في هذا يا سعيد ؟

فأجاب الأمير الزاهد سعيد ، أجاب الخليفة عمر أمام الرعية :

ـ يا أمير المؤمنين سبق أن ذكرت لك بأنه لا يوجد عندي خادم فأقوم أنا بنفسي بغسل ملابسي مرة واحدة في الشهر ولكونه لا يوجد عندي غيرها ، فأغسلها وأتركها حتى تجف لألبسها ثم أخرج للرعية بعد ذلك في آخر النهار ( مثلاً بعد الظهر ) ـ توضيح وتعليق الكاتب ـ .

ـ قال عمر : وماذا تشكون منه أيضاً ؟

ـ أجابوا عمر بأن الوالي سعيد حينما يكون في مجالسه العامة تصيبه غشية بين فترة وأخرى ، فيغضب وينزعج من في المجلس .

فقال عمر موجهاً كلامه الى الوالي عن سر وسبب هذه الغشية مستفسراً ومستجوباً له :

ـ وماذا تقول في هذه الغشية يا سعيد ؟

فقال الوالي سعيد بن عامر الجمحي موضحاً السبب :

ـ والله يا أمير المؤمنين حينما كنت مشركاً قبل أن يهديني الله الى الأسلام ، وكنت مما شهد تعذيب وصلب ومصرع الصحابي الشهيد خبيب بن عدي الانصاري ، وأنا مشرك ورأيت ما رأيت من أهل قريش ورجال مكة وشبابها يقطعون جسمه ويقولون له :

... أتحب أن يكون محمداً مكانك ؟ ... (2)

... فيقول لهم : والله ما أحب أني في أهلي وولدي ، وقول أخر ( والله ما أحب أن أكون آمناً في أهلي وولدي وأن محمد شيك بشوكه ) .

واني والله ما أتذكر ذلك اليوم وكيف إنني لم أقم بنصرته ، وشاهدت ذلك كلما مر هذا الموقف أمامي الذي لا يغيب عني حتى ظننت أن الله لا يغفر لي ذلك لأني تركت نصرته فيغشي عليَّ .

فدهشت الرعية ، واخذ احدهم ينظر للأخر ورضيت وارتاحت بكلام وجواب واليهم النزيه المتعفف سعيد بن عامر واطمأن أهل حمص الشاكون لما سمعوا من واليهم واستحسن الخليفة عمر جواب الوالي وحديثه الشجي المؤلم .

أجل استحسن عمر صنيع وخُلق وعدل واليه سعيد بن عامر فقال في حقه بعد ان وثق واطمأن من جوابه :

ـ الحمد لله الذي لم يخيب ظني ، ( أو في أقوال أخرى ) الحمد لله الذي لم يخيب فراستي في سعيد بن عامر .

هؤلاء هم الصحابة الكرام الأفذاذ .

هؤلاء هم الصحابة الأماجد الأبرار .. خير جيل ظهر على وجه الارض

هؤلاء هم الجيل القرآني الفريد .. رجال الرعيل الأسلامي الأول .. والقرن الهجري الأول ...

كما قال رسول الله في الحديث الشريف : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم أو كما قال .. ) صلى الله عليه وسلم .

لقد طلب عمر بن الخطاب يوماً تزويده بقائمة بأسماء الفقراء والمحتاجين في أهالي مدينة حمص ، ولما قُدمت له القائمة بهؤلاء المعدمين المتعففين كان إسم الوالي الحاكم قد وضع اوادرج اسم ( سعيد بن عامر الجمحي ) أول الأسماء ... !؟ أول فقراء الرعية والناس .. !؟

فيقرأ الخليفة عمر القائمة ويتعجب من وجود أسم سعيد بعد أن سأل :

ـ من سعيد بن عامر .. ؟

فقالوا له : ـ أميرنا ... ! والي حمص .

قال عمر مستفسراً ومندهشاً :

ـ وهل أميركم سعيد بن عامر فقير .. !!؟

فقالوا له : نعم .

فيرد الخليفة عليهم متسائلاً :

ـ وأين عطاؤه ورزقه .. ؟

فقالوا له :

ـ يا أمير المؤمنين ان سعيد أميرنا لا يمسك شيئاً .

وأمام هذا المشهد الأخلاقي والمثالي الفريد .. أمام هذا المشهد المؤلم ، لا يملك معه خليفة المسلمين إلا أن يعصر نفسه ، ويبكي ، ويتأثر .. ويرسل له على الفور مبلغ ألف دينار ليستعين بها الوالي سعيد على حياته وعائلته وتدبير شؤونه وقضاء حاجاته .. ، ولما وجد سعيد بن عامر مبلغ عطاء الخليفة في بيته إنتابه الغضب ، وسيطر عليه الحزن والألم ، لأن الناس في واد ، وسعيد في واد أخر ، ان سعيد قلبه معلق مع الله ويعمل لآخرته وباع دنياه .. وبقدر ما بدى عليه التأثر وتغيير قسمات وجهه .. حتى ظنت زوجته بأن نائبة قد حلت .. فسألته :

ـ هل جرى شئ للخليفة ياسعيد .. ؟

ولم يملك سعيد إلا أن يسترجع نفسه ويقول :

ـ إنها فتنة الدنيا ثم يتبرع بكامل المبلغ الى قطعات الجيش الأسلامي المتوجهة الى ساحات الجهاد والفتح والتحرير ..! هذا هو الزهد والايثار والبذل في سبيل الله تعالى .

هذا هو سعيد بن عامر الجمحي الصحابي الكريم نموذج العزة الأسلامية ومثال الزهد والعفة والأمانة حيث أقبلت الدنيا عليه بكل فتنها ومغرياتها فأدبر عنها وجعلها خلف ظهره وكُتب مع الصحابة الأبرار ( رضي الله عنهم ) لاخوف عليهم ولا هم يحزنون .

اجل .. إن هذا الصحابي الماجد رضي الله عنه , قد باع نفسه لله ولرسوله ، وباع دنياه لآخرته ، كما وصفه رجال التاريخ : ( سعيد بن عامر الجمحي رجل اشترى الآخرة بالدنيا وآثر الله ورسوله على سواهما ) .

 

رشيد جبر الأسعد

26/10/2011

 

الهوامش :

(1)             ـ  أبن سعد : في الطبقات ، وصفوة الصفوة ، جـ1 ، صفحة (273) ، والأجابة في معرفة الصحابة ، جـ2 ، صفحة (48/49) ، حياة الصحابة ، جـ2 ، صفحة (149) ، وخالد محمد خالد : في رجال حول الرسول ، صفحة (193/194) ، ومحمد فاروق البطل : أبطال الأسلام في موكب النبوة الخالد ، جـ2 ، صفحة (717/740) ، ومنتخب الكنز ، جـ4 ، صفحة (390) ، وأسد الغابة ، جـ2 ، صفحة (293) .

(2)             ـ  صفوة الصفوة ، جـ1 ، صفحة (273) ، وخالد محمد خالد : رجال حول الرسول ، صفحة (193/203) ، وحياة الصحابة ، جـ2 ، صفحة (129/130) ، وكنز العمال ، جـ3 ، صفحة (149) ، وأبن حجر العسقلاني : في الأصابة ، جـ2 ، صفحة (48 و 49) ، وأبن الأثير : في أسد الغابة ، جـ2 ، صفحة (293/294) ، وأبو نعيم : في الحلية ، جـ1 ، صفحة (245) ، الأستيعاب في معرفة الأصحاب ، جـ2 ، صفحة (624) ، وكتاب حياة الصحابة ، جـ2 ، صفحة (149/150) ، وكذلك أبن سعد : في الطبقات .

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"