في الذكرى العشرين لهذا الاتفاق لابد من تسليط الضوء على كيفية
المعالجة التي اعتمدها «جهابذة» التفاوض الفلسطيني، فاتفاق أوسلو بما أورده في
بنده الخامس من قذف بقضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مفاوضات الحل النهائي لم يأت
في فراغ المفاوضات، أو في لمعان فكرة عبقرية لكبير المفاوضين، وإنما كان نتيجة
انهيار قيمي وسلوكي في أداء وفد منظمة التحرير الفلسطينية، أثناء المفاوضات التي
كان يسيطر عليهم هاجس انسحاب بساط التمثيل من تحت أقدام المنظمة، مع تصاعد لافت
للتيار الإسلامي المقاوم في الداخل الفلسطيني.
كانت بدايات التعامل المباشر مع عنوان اللاجئين في مفاوضات أوسلو
عبر مجموعة العمل الخاصة باللاجئين في المفاوضات الدولية المتعددة الأطراف (RWG) والتي انطلقت في العام 1992 والتي لم تتطرق
لعنوانها إلا من زوايا فنية ومعلوماتية ومقترحات تأهيلية للاجئ وبيئته، وإشاعة ثقة
متبادلة بين الطرفين، بالشكل الذي عكس سقفاً فلسطينياً رسمياً باعتماد الحل على
قاعدة التوطين والتعويض، كما أن هذه المجموعة الغريبة هي أول مجموعة تناقش تفاصيل
وآليات ما بعد الحل، قبل التوصل للحل نفسه حول المستقبل السياسي لقضية اللاجئين،
ولك أن تعلم أن المجموعة اعتمدت قضايا سبع للنقاش هي: “إنعاش الطفل، الصحة العامة،
التدريب المهني وإيجاد فرص العمل، قاعدة المعلومات، تنمية الموارد البشرية، البنية
التحيتة الاجتماعية والاقتصادية، ولم الشمل” لنقف مذهولين أمام سؤال: كيف لوفد أن
يناقش تنمية البنية التحتية للمخيمات،في الوقت الذي يُفترض أن يتجه لحلٍ يقوم على
عودة اللاجئين وترك مخيماتهم؟.
الجواب كان أوضح من أن يعلنه أحد أعضاء الوفد الفلسطيني في
المجموعة سليم تماري حين ذكر في كتابه “مستقبل اللاجئين الفلسطينيين: أعمال لجنة
اللاجئين الفلسطينيين في المفاوضات متعددة الأطراف واللجنة الرباعية” بأن إصرار
الوفد الفلسطيني على تضمين قضية اللاجئين في المفاوضات الدولية متعدد الأطراف لم
يكن إلا من باب الحاجة لإضفاء شرعية على أي اتفاق فلسطيني قادم، ويكفي أيضاً
للتوصل للجواب، التعرف أن أول عمل قامت به اللجنة هو التفريق بين لاجئي العام 1948
و”نازحي” العام 1967 ومعالجة مواضيع كل فئة بمعزل وباختلاف كلي عن الثانية، وهو
مؤشر كان قد عكس أن معالجة قضايا كل فئة مرتبط بمصير أرض هذه الفئة بين الأراضي
المحتلة عام 1948 وعام 1967.
اليوم وبعد عشرين عاماً تضمنت الكثير من الحراك السياسي والشعبي
فيما يخص قضية اللاجئين، ابتداءً من تشكيل لجان ومؤسسات حق العودة، وعقد المؤتمرات
الشعبية التي جمعها رابط تعزيز مفهوم حق العودة بالقدر الذي جمعها رابط رفض
التسوية السياسية، التي أوصلت حال المشروع الوطني إلى هذا المستوى من الترهل
والانهيار، إلى تعداد مراحل ومفاصل ما بعد أوسلو فيما يتعلق بمحاولات السعي لإسقاط
حق العودة عملياً، يمكن إلقاء نظرة خاطفة ربما لن يتسع المقال لتفصيلها، فمن وثائق
التفاهمات التي وقعها أبو مازن وعبد ربه وسري نسبية، كشخصيات رسمية فلسطينية مع
الاحتلال، والتي لم يجمعها رابط، كما جمعها قاسم إسقاط حق العودة، ومعالجة القضية
وفق تحويل مكوناتها الوطنية الثابتة إلى مركبات مالية واقتصادية، من خلال التعويض
وما شابه، إلى إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، ودائرة شؤون الوطن المحتل، وتهميش
دائرة اللاجئين التي لم تعد أكثر من مبنى فيه مجموعة من العاطلين عن العمل لكن
بمرتبات!، وموقع إلكتروني مهمته ترويج أفكار التسوية بعيداً عن حق العودة، إلى
إنشاء دائرة شؤون المغتربين التي تريد إلغاء وصف اللاجئ على مئات آلاف الفلسطينيين
في العالم وتسميتهم مغتربين، وما يمكن أن يترتب على هذا من آثار قانونية لا تخفى
على أحد.
إن تشرد عشرات آلاف الفلسطينيين اللاجئين من مخيمات سورية، وقبلها العراق، وتدمير مخيم نهر البارد في لبنان، ما هي إلا أحد أشكال المكارثية
التي أنتجها أوسلو، والتي لا يزال فريقه يحاول مراكمة حقائقه، لترسيخ واقع التسوية
بكل ما فيه من انهيار للقيم الوطنية، وإعادة إنتاج الشخصية الفلسطينية بما ينسجم
مع مصلحة مجموعة لا تزال تتحكم بمصير الشعب الفلسطيني.
المصدر : جريدة السبيل الأردنية
5/10/2013