بسم الله الرحمن الرحيم
قناديل الحضارة الاسلامية
أميرات وبنات أوربة يسافرن الى بلاد المسلمين في بعثات طلابية لطلب العلم والمعرفة والثقافة ....
من أميرات أوربة تزوجن شباب المسلمين بعد اعجابهن بالحياة الاجتماعية للمسلمين ....
مؤرخ أمريكي يقارن حضارة المسلمين وازدهارهم وتخلف أوربة لفترة زمنية متقاربة... في القرون الوسطى ...
أوربه ترسل بعثاتها الى الاندلس الاسلامية لتلقي العلوم الاسلامية والدراسة في جامعاتها ومدارسها ...
بقلـــم : رشـيد جبـر الأسعــد ( ابو محمد )
بكـالـوريــوس تـاريـخ / كــاتب فـلسطينـــي
2 ربيع الثاني 1433هجري – 25/2/2012م
بغداد / العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا أله الا الله وحدة لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) من سورة آل عمران : الآية : ( 102) .
( إن الدين عند الله الاسلام ) سورة آل عمران : الآية : ( 19 ) .
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) سورة آل عمران : الآية : ( 110 ) .
( وقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) سورة الزمر الآية (9) .
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم :-
- ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) تعبير مطلق أي مسلم ومسلمة ذكر و أنثى ( رواه ابن ماجة ).
- ( العلماء ورثة الأنبياء ) رواه الأمام أحمد وأبو داوود والترمذي في كتاب العلم .
- ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) (رواه البخاري) .
وبعد :-
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الامة الاسلامية بالخير الكثير، والعلم والعطاء والنور والمعرفة، وغدى علماء المسلمين في مختلف المعارف والعلوم، غدوا قناديل مضيئة ومشعة على العالم، الكل من يرغب يستفيء بظلها ونعيمها وفائدتها وخيرها ... فحينما حجرت الادارات الكنسية والرهبان على المفكرين والمثقفين، حينما حجرت عليهم أي نوع من التفكير والتفكر والتدبر والتأمل والاجتهاد وابداء الرأي، و الا كانت محاكم التفتيش وعذابها بأنتظارهم .... ، في بلاد المسلمين العكس تماماً .... ذكر أبو الحسن الندوي في كتابه الموسوم السيرة النبوية، في صفحة ( 375 ) وعن مصادر أجنبية أوربية ان عدد ضحايا وقتل محاكم التفتيش بلغ 12 مليون نسمة...!!؟ ، أجل 12 مليون نسمة ....! لأرضاء مزاج وجهل الرهبان ومعتاشو الكنائس ....
أما في الاسلام، فلا يمكن للمرء ان يكون مسلما الا بالتفكير والتدبر... والتصريح العلني الآمن لكل آراءه وافكاره وعلومه ونظرياته واجتهاده .... انه الاسلام الذي يدعو للعلم والمعرفة والتأمل عبر القرآن والسنة ... بكل حرية وأمان ....
هذه مقارنه جزئية بسيطة عما كانت علية بلاد قرطبة الاسلامية، وأوربة ... ، قال المؤرخ الامريكي المعروف ( فكتور روبنسون ) :-
( - كانت أوربة غارقة في ظلام حالك بعد غروب الشمس، بينما كانت قرطبة تضيئها المصابيح العامة ليلاً ...
- وكانت أوربة قذرة، بينما قرطبة شيدت الف حمام....! .
- كانت أوربة غارقة في الأوحال، بينما كانت قرطبة مرصوفة الشوارع... .
- كانت سقوف القصور في أوربة مملوءة بثقوب المداخن ( التراب والقوارض)، بينما كانت سقوف قصر قرطبة تزينها الزخرفة العربية (الاسلامية) العجيبة ... .
- وكان أشراف أوربة لا يستطيعون توقيع اسمائهم، بينما كان أطفال قرطبة الاسلامية يذهبون للمدارس ....! .
- وكان رهبان أوربة يلحنون في تلاوة سفر الكنيسة، بينما كان معلمو قرطبة قد أسسوا مكتبة ضخمة تضارع وتضاهي في فخامتها مكتبة الاسكندرية...!!) . ا.هـ
وحين كان على المرأة في بلاد أوربة يحرم عليها مس الانجيل على اعتبار انها رجس من الشياطين ( بمفهومهم ) كانت ( 170 ) امرأة عربية مسلمة في بلاد الاندلس يخطن المصحف الشريف ( القرآن الكريم ) بأناملهن الرقيقة ....
وبينما كانت النساء في بريطانية قبل 150 سنة أو أقل كانت تباع وتشترى كالبهائم، كالحيوانات، يوضع ( الرسن ) الزنجيل يضعه الرجل في رقبتها، بعد كرهها، أو يريد فراقها، او بحاجة الى دراهم معدودة أو زجاجة خمر .
كانت المرأة المسلمة ومنذ 430 عاما والى اليوم بشكل متصل أو بشكل متواصل، كانت منهن الطبيبة والفقيهة والشاعرة والتاجرة والتربوية و المعلمة والفقيهة و العالمة والاستاذة والراوية .... الزوجة المسلمة تنعم بالاستقرار النفسي وبالحياة الزوجية الدافئة الهانئة الحانية .... تتبادل مع زوجها الحب والثقة والود والاحترام والتفاهم المشترك والتعاون الاسري .
في أوربة بلغ الشك والظنون والجهل في الزوج البريطاني ان يضع وضع لزوجتة حزام ( العفة )، وهو حزام معدني حديدي مصنوع لهذا الغرض، يقفل ويضغط بعد ان يلف حول فرج الزوجة الاوربية... ! خشية الزنا .... خشية الخيانة أثناء غياب أو سفر الزوج لعدة ايام واسابيع ...!! ؟ .
أما عندنا كم كانت في بلاد المسلمين الزوجة والزوج يتبادلان الثقة والامان والاطمئنان، في ان يكون الزوج بعيدا جداً جداً عن كل انواع الشكوك والظنون لأنه يعرف زوجته وهي جديرة بالثقة والعفة والامانة ... وخير مثال بسيط في الحرب العالمية الاولى، وظروف الحرب، عاد المئات من الجنود أو المحاربون العرب من الحرب في الجيش العثماني الذين خاضوا الحروب في حروب البلقان وانحاء حدود تركية عادوا بعد أربع وخمس سنوات بل ست وسبع وعشر سنوات وجدوا نسائهم بانتظارهم في العراق وفلسطين وسورية وغيرها .
بعثات أوربية طلابية الى بلاد المسلمين وجامعاتهم
قال المؤرخ الفرنسي ( فاليبر ) في كتابه المعنون :- ( استرداد الاندلس ) أن البعثات الطلابية كانت قائمة في أوربة على قدم وساق لإرسالها الى الاندلس الاسلامية لتلقي العلوم و"الفنون" والمعارف والصناعات في معاهدها الكبرى وذلك نتيجة الدعايات التي انتشرت في قصور ومراكز معظم المقاطعات الاوربية في ذلك الوقت كإنكلترة وفرنسة والمانية وهولندا وتوسكانية .
تدفق البعثات الاوربية على الاندلس العربية الاسلامية
أخذت البعثات الاوربية تتدفق على الاندلس بأعداد متزايدة سنة بعد سنة حتى بلغت سنة 312 هجرية ( 1293م ) زهاء ( 700 ) سبعمائة طالب وطالبة .
وكانت احدى هذه البعثات من فرنسة برئاسة الأميرة ( اليزابيث ) ابنة خال لويس السادس ملك فرنسة .
الأميرة ابنة الامير جورج ترأس بعثات الى بلاد الإسلام ترأست الاميرة الانكليزية ( دوبان ) ابنة الامير جورج مالك مقاطعة ( ولز ) البريطانية احدى البعثات من بريطانية واقبلت بعثات اخرى من سافوي، ومن بافاريه، والراين .
وبعث فيليب ملك بافارية الى الخليفة العربي المسلم ( هشام الاول ) بكتاب يطلب اليه ان يأذن له بارسال بعثة من بلاده الى الاندلس للاطلاع على احوالها وانظمتها وشرائعها وثقافتها وذلك لاقتباس المفيد والمثمر منها لبلاده ووافق الخليفة هشام على هذا الطلب وعندئذ ارسل الملك فيليب بعثة برئاسة وزيرهُ الاول المدعو ( ويلمبين ) الذي يسمية المؤرخون العرب باسم وليم الابن.
ملوك اوربة يواصلون ارسال بناتهم الى بلاد العرب المسلمين لتلقي المعرفة والعلوم
وسار ملوك اخرون من اوربة على المنوال ذاته، فالبعثة التي اوفدها جورج الملك ( ولز ) برئاسة ابنته كانت تضم ( 18 ) ثماني عشر فتاه من بنات الاشراف والاعيان وقد توجهت البعثة الى اشبيلية ورافقهن في سفرهن النبيل ( سفيلك ) رئيس موظفي القصر في ( ولز ) وكان ( سفيلك ) هذا يحمل رسالة من الملك جورج الى الخليفة هشام الثالث، نشر المؤرخ الانكليزي الشهير ( جون دوا نيورث) نصها في كتابه الشهير ( العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى ) .
نص الرسالة
تقول الرسالة :-
من جورج الثاني ملك انكلترة والغال والسويد والنرويج الى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الاندلس صاحب "العظمة" هشام الثالث الجليل المقام .
بعد "التعظيم" والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فاردنا لابنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء اثركم لنشر انوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من اربعة اركان. ولقد وضعنا ابنة شقيقتنا الاميرة ( دوبان ) على راس بعثة من بنات اشراف الانكليز لنتشرف بلثم اهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية "عظمتكم" وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوفرن على تعليمهن .
ولقد ارفقت مع الاميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص .
من خادمكم المطيع جورج .م.أ.
رد الخليفة :-
وقد رد الخليفة هشام الثالث على رسالة الملك جورج بهذه الرسالة الرقيقة البليغة التي تمثل كرم المسلمين وسماحتهم ولطفهم ووعيهم ودبلوماسيتهم ...
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين .
وبعد :-
الى ملك انكلترا وايكوسيه واسكندنافية الآجل :
لقد اطلعت على التماسكم فوافقت، بعد استشارة من يعنيهم الامر من ارباب (الشونة)، (المقصود بالشونة اركان الدولة)- على طلبكم وعليه فاننا سنعلمكم بأنه سيتم الانفاق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين تاكيداً على مودتنا لشخصكم الكريم .
أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد. وبالمقابلة ابعث اليكم بغالي الطنافس الاندلسية وهو من صنع ابنائنا هدية لحضرتكم وفيها المغزى الكافي للتدليل على اتفاقنا ومحبتنا للسلام .
خليفة رسول الله على ديار الاندلس – هشام .
أميرات أوربة يتزوجن من المسلمين
هناك عدد من الفتيات والاميرات الاوربيات اللواتي قدمن الى بلاد الاسلام في الاندلس وغيرها لتلقي العلوم والمعارف والتمدن والثقافة والتعليم، وفدن تلك الاميرات ضمن وفود بعثات طلابية اوربية رسمية، من فرنسة، من هولندا، وايطالية، والمانية وبلجيكية، اقمن في الاندلس، وتخالطن مع الطلاب و الطالبات المسلمين واطلعن على المجتمع العربي الاسلامي الاندلسي، فنالت نمط معيشة المسلمين رضاهن واستحسانهن في ظل النظافة والنظام والاسلام والخير والامان .... فما كان منهن الا ان اعتنقن الاسلام من رضاهن وقناعتهن فتزوجن من المسلمين من امثال:- الاميرة ( ماري غوبية ) من بلجيكية والاميرة (وروبيكاستارت) من المانية، والراهبة ( جانيت سمبسون ) من انكلترة، و ( شوتا ) ابنه ( الكونت سيرجال من هولندة) .... وغيرهن .
حتى البابا كان يتلقى العلم في الاندلس وهو اول من نقل الارقام العربية الاسلامية الى أوربة
كان من بين الذين درسوا في معاهد الاندلس العلمية وساهموا بقسط كبير في نقل الحضارة الاسلامية الزاهرة الى اوربة، الا وهو الراهب الفرنسي ( غربرت ) المولود عام ( 945م )، فقد رحل ( غربت ) هذا الى الاندلس فآمضي فيها ثلاث سنوات درس في معاهدها باشبيلية وقرطبة، ودرس مادة الرياضيات والفلك والعلوم الاخرى ثم عاد الى بلاده واخذ يبشر فيها بالثقافة الاسلامية فرماه بعضهم، بعض قومه رموه بالكفر والسحر وأذ ذاك رحل الى اوربة فعين مستشارا لقيصر روما ما لبث ان اصبح كبيرا للاساقفة هناك واخيرا ارتقى سنة ( 999م ) كرسي البابوية وسمي بالبابا ( سلفستر الثاني ). وكان هذا البابا هو اول من ادخل الارقام العربية ونظامها الى اوربة والتي مازالت سائدة فيها الى اليوم .
وهناك راهب فرنسي آخر يدعى ( ابيارا ) تثقف "بالفلسفة" والعلوم العديدة على المصادر العربية الاسلامية واشتهر فيها في القرن الثاني عشر الميلادي .
وممن درس في قرطبة العربية الاسلامية وتخرج على ايدي علمائها المسلمين المدعو( شانجة ) ملك ( ليون ) و ( استوريا في شمال اسبانية ). وعشرات غيرهم تتلمذوا في مدارس المسلمين من ملوكهم وامرائهم ورهبانهم وعلماءهم في انكلترة وهولندة والمانية وبلجيكية وايطالية وفرنسة .... وغيرها من مدن اوربة .
لعل في هذه المعلومات الشيقة واللطيفة الهامة ما يحفز القارىء العربي والمسلم وخاصة أبناء فلسطين يحفزهم جميعاً لطلب المزيد من العلم والثقافة وفنون المعرفة ... لننهض من جديد وتتحرر فلسطين المغتصبة بالسواعد المؤمنة المتوضئة الواعية ونضع المستقبل المشرق الزاهر لامتنا إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين ، وللحديث بقية إن شاء الله .
رشـيد جبـر الأسعــد
أبو محمد
2 ربيع الثاني 1433هجري الموافق 25/2/2012م
البريد الالكتروني للكاتب (([email protected]))
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"