رحلة الخروج من الجحيم - الحلقة الثالثة – عيسى الحسن

بواسطة قراءة 2368
رحلة الخروج من الجحيم - الحلقة الثالثة – عيسى الحسن
رحلة الخروج من الجحيم - الحلقة الثالثة – عيسى الحسن

ليس هناك من شعب تعرض للملاحقة والتعذيب والتصفية والحصار والقتل مثلما تعرض له الشعب الفلسطيني.

وهذه حقيقة ليست للافتخار والتباهي ولا للاستهلاك ولا للمزايدة، إذ لسنا هنا في معرض أيٍ من ذلك.

وإذا كان النصيب الأكبر من العذاب والموت قد مس أهلنا داخل الوطن المحتل، فلأنهم على تماس مباشر مع العدو الصهيوني، ولأن الخنادق متقابلة كما يقال، وكل طرف يعرف عدوه ويوجه له الضربات بشكل مباشر، ولهذا السبب نفسه ( أي للتماس المباشر مع العدو ) بقيت الأضواء مسلطة على ساحة المواجهة ، وصار العالم يعرف أن هناك شعبا يقدم من أبنائه كل يوم شهداء من أجل الحرية.

أما الفلسطينيون في الشتات فقد نال منهم النسيان أو بالأحرى التناسي ، حتى أصبحوا لا يُذكرون إلا حين الحديث عن حق العودة ، وهو حديث قلما يتطرق إليه السياسيون، لأن الهدف شديد الأهمية بالنسبة للصهاينة ومن سار في ركابهم ، كان وما يزال ، إلغاء هذا الحق وشطبه نهائيا من الوجود.

وهكذا ارتبط وجود الفلسطينيين في الشتات بالسعي نحو طمس حقهم في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، وبالتالي بالسعي نحو طمسهم هم أنفسهم.

ومن هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم لماذا تُوافِقُ دول أوربا وغيرها من الدول الغربية مثل استراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية على قبول لجوء فلسطينيي الشتات إليها لجوءا "إنسانيا"، فكأنما يتم منحهم اللجوء " كرها بمعاوية لا حباً بعلي " ومن هذه الحقيقة نستطيع أن نفهم أيضا لماذا " يطرد " فلسطينيو الشتات من على حدود الدول العربية، إذ أنهم يمثلون " مصيبة " ما فتئ الصهاينة وأذنابهم يحلمون بالتخلص منها منذ اثنين وستين عاما دون جدوى، مثلما يمثلون عبئا ماديا ومعنويا على الدول العربية التي استضافتهم، مرغمة ، بحكم الأمر الواقع ، في فترة ما، فأصبح وجودهم فيها بعد ذلك مثل شوكة في الخاصرة تكشف زيف دعاوى تحرير فلسطين وإعادة اللاجئين إلى ديارهم . فلا هي (دول العرب المضيافة!) بالراغبة بإعادتهم ولا بالقادرة على ذلك إن رغبت، ناهيك عن أنها غير قادرة على تحملهم.

وهكذا عاش فلسطينيو الشتات، في الدول العربية تحديدا، عيشة ضنك وعذاب وألم مزدوج.

فالضنك كان متعمدا من مضيفيهم لكي لا يشعر الفلسطينيون ولو بالقليل من الراحة وإلا بدأوا البحث عن الطريق المؤدية إلى عودتهم إلى ديارهم ، وفي هذا قلق ما بعده قلق للراغبين بـ "السلام" مع الصهاينة وهم العرب.. كل العرب.

والعذاب كان مقصودا لئلا تشرئب للفلسطينيين أعناق مطالبة بحق عودتهم أو يكون لهم صوت يعلو فوق صوت الشعارات الزائفة المرفوعة في كل حي وزقاق ودهليز من دهاليز العرب...

والألم المزدوج كان فنا ابتدعه العرب للفلسطيني خصيصا ، وفي هذا الأمر تفصيل لا بدّ منه...

فالفلسطيني ، عند العرب، يجب أن يعامل بحدٍ هو دون الحد الأدنى للتعامل مع الآدمي، لأنه لو عومل على أنه آدمي فسوف يشكل خطرا على الشعارات والهتافات والنظريات ومشاريع "التحرير" وغيرها مما تقتات عليه الأنظمة وتخدَّر به الشعوب . فالآدمي له عقل وله لسان وله شعور وكل واحدة من هذه "المميزات" تشكل خطرا على المشروع الذي خطط له ويقوده الصهاينة والذي ينفذه العرب طائعين صاغرين.   

والفلسطيني يجب أن لا يعيش كبقية الناس، لأنه حينذاك سوف "ينسى" قضيته وسيركن إلى ما أصبح عليه فـ "تضيعُ" القضية بسبب ذلك.

إذن على الفلسطيني أن يعاني بشكل مزدوج: أن يعاني (لكي لا يطالب بحقه) وأن يعاني (لكي لا ينسى حقه)!!! وفي كلا الحالين عليه أن لا يعبر عن ألمه من المعاناة وإلا فإنه سيكون قد نزع ثوب "الوطنية" وارتدى ثوب "حياة الناس العاديين الذين لا قضية لهم"!!

على الفلسطيني إذن أن لا يطالب وأن لا ينسى وأن لا يتألم، وإلا حقَّ عليه القول بأنه لا انتماء ولا وطنية ولا حق له في الحياة..

ومن هذا المنطلق ذاته انطلق بعض الذين شككوا في حق فلسطينيي العراق في أن يغادروا الأرض التي أصبحت أرض ظلم وقهر بعدما أغارت عليها غربان الليل معززة بذئاب الشرق..

في الحلقة المقبلة لنا لقاء آخر إن شاء الله.


عيسى الحسن

12/6/2010

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"