في أواخر عام 1893 قرر احد تجار الأغنام الفلسطينيين السفر إلى العراق لكسب الرزق عن طريق حليب ماعزه ولحم أغنامه .
فوصل إلى قرية شلال في قضاء العمرانية الذي يبعد 70 كم غربي بغداد فالتقى بالعديد من التجار العراقيين والأعاجم خلال طريقه فاستقر في هذه القرية لمدة طويلة لكنه كان دوما يكرر زياراته لبلده الأم فلسطين فالحنين يخنقه ويكاد الشوق أن يقسم بدنه .
في ذلك الوقت كانت تجارة الأغنام في العراق في أوج ذروتها بسبب هجرة رعاة الأغنام العراقيين إلى دول الشام معللين ذلك لفيضان دجله والفرات الذي سبب بتلف المراعي والأراضي فكانت حاجة السكان للأغنام كبيرة فاستغل هذا التاجر شحة الأغنام خير استغلال فكان يذهب إلى فلسطين يجلب الأغنام ويبيعها في العراق فأولاده الأربعة كانوا يرعون أغنامه في فلسطين فبقى حتى جاء عام 1914 فتعرف على احد المقاومين العراقيين للاحتلال الانكليزي وطلب منة المساعدة بالسلاح فأجاب التاجر بالإيجاب وسارع بالعمل على تلبية طلب المقاوم ، وأصبح تاجر الأغنام يعمل بصورة وتجارة مزدوجة فتجارة الأغنام أصبحت تغطي نشاطه الثوري فجاب الشام من شماله لجنوبه وهو يتاجر بأغنامه من جهة ويشتري أنواع الأسلحة من جهة أخرى ويوم بعد يوم أصبح التاجر الفقير ثوري يعمل في الكتمان واستدعى أولاده الأربعة ليساعدوه في عملة الثوري حتى وافاه الأجل في عام 1931 في مدينة حلب ودفن هناك ، وأصبح لعائلته اسم كبيرا في العراق وتفرعت العائلة من 5 أشخاص أب وأربع أولاد إلى عشرات الأشخاص استقروا في العراق .
هذه قصة لرجل يدعى ((محمد مناف النبتيتي)) قصة من قصص الفلسطينيين في العراق سجلها التاريخ ولم يذكرها احد ، من هنا أنطلق وأحرك دفة مركبتي لأسرد على أعزائي بعض الحقائق عن التاريخ المشرف لفلسطينيين سكنوا العراق ، يعتبر هذا التاجر من الفلسطينيين الأوائل الذين سكنوا العراق ففي ذلك الوقت كان الفلسطينيون يأتون إلى العراق منهم من يقصد التجارة والرزق ومنهم من يقصد التعليم والكثير منهم كان يقصد مساندة الثوار العراقيين ضد الاحتلال الانكليزي .
شيء بعد شيء أصبح العراق مكان يتوافد إليه عدد لا يستهان به من الفلسطينيين حتى جاءت نكبتنا الكبرى عام 1948 وضياع بلدنا الثاني فلسطين بيد الصهاينة المغتصبين فبدأ توافد الأعداد الغفيرة من الشعب الفلسطيني إلى العراق للابتعاد عن الإرهاب الصهيوني وأصبح من كان يقصد الرزق والجهاد والتعليم يقصد اللجوء والأمان في العراق لتصبح بلاد الرافدين ملاذ امن للفلسطينيين فاستقروا في بغداد وبعض المحافظات الوسطى والجنوبية كالأنبار وديالى وبابل والقليل منهم في نينوى والناصرية .
حتى بدأت العائلات الفلسطينية بالتشعب والتعايش مع المجتمعات العراقية المدنية كانت أو العسكرية وشقوا طريقهم داخل أركان العراق بكل شرف فلن نسمع عن خيانة احدهم للعراق برغم من إغراءات اليهود من الموساد في ذلك الوقت لهم فعند قيام الجمهورية العراقية بدأنا نشاهد تعشق والتحام فلسطيني عراقي حتى أصبح الفلسطيني كالعراقي من ناحية الولاء والوطنية فالفلسطيني عاش في العراق وشرب من نهريه واكل من خيرات العراق فمن المنطقي تمسك هذا الفرد بقيم العراق لكنه لن ينسى بلده الأم وحق العودة وهذا كان احد الأسباب التي ساعدت على إبقاء جنسيته الفلسطينية مع إعطائه هوية المواطنة العراقية حتى يتحقق الحلم بالعودة ، فلن نكن نرى في ذلك الوقت عداء عرقي أو قومي بين الشقيقين ، كنا عندما نسمع أن هذه العائلة فلسطينية في مخيلتنا لا نتعامل معها كلاجئة أو كمقيمة بل نتعامل مع أفرادها كمواطنين .
احتفظ العراق وتمسك بموقفه من القضية الأم ، قضية فلسطين التي ننتظر تحريرها بفارغ الصبر ، منذ ذلك الوقت أصبح الفلسطيني حقه من حق العراقي في جميع مجتمعات العراق فشاهدنا بعضهم يعمل في مجال التعليم ومجال الصحة وكافة المجالات المدنية بل شاهدنا بعضهم يعمل في مجالات عسكرية وبعض مؤسسات الدولة الأمنية فالملفت للانتباه أن إخوتي الفلسطينيون كانوا يشاركون في جميع معارك العراق في القرن الماضي حتى معركة الاحتلال الأخيرة عام 2003 ، فحسب إحصائية وزارة الدفاع العراقي السابقة استشهاد بإذن الله ما يقارب 612 مقاتل فلسطيني على يد الاحتلال الأمريكي الغاشم ، وبدأ العراقيين يشعرون بحب الفلسطينيين لأرض العراق مع مساندة الحكومات العراقية السابقة للفلسطينيين المقيمين في العراق هذه العوامل ساعدت نمو المحبة بين الأشقاء وترسخ القضية الفلسطينية في أذهان العراقيين كنا ندرس في مدارسنا مادة الوطنية في جميع المراحل كانت المناهج لهذه المادة في صفحاتها الأولى نشاهد علمي العراق وفلسطين وتتحدث هذه المناهج عن القضية الأم .
انتهى الجزء الأول من المقالة
استنادي كان على بعض المصادر
قصة محمد مناف النبتيت (كتاب جسر الاخوة) للكاتب محمود السماوي
كتاب جماجم شهيدة للكاتب هشام الرواشدة
موعدنا يتجدد مع الجزء الثاني إن شاء الله
تحيات د.إبراهيم التميمي
26/9/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"