وجاء انفتاح المالكي العلني على
الجمهورية "الإسلامية" عقب زيارة رفيعة المستوى قام بها عضو اللجنة
المركزية لحركة "فتح"، جبريل الرجوب، إلى طهران حيث التقى وزير الخارجية
الإيراني محمد جواد ظريف. على الرغم من أن المالكي أفاد بأن زيارة الرجوب لم تتم
بموافقة رسمية من وزارته، إلا أنه يُبدي انفتاحاً على تحقيق مزيد من الانخراط مع
إيران.
وفي ما يتعلّق بمحادثات "السلام" مع “إسرائيل”
، جدّد رئيس الدبلوماسية الفلسطينية دعمه لإنشاء قوة تابعة لطرف ثالث كي تحلّ مكان
الجيش "الإسرائيلي" "في أي بقعة" في الأراضي المحتلة. وجاء
هذا التعليق بعدما رفض رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بحسب
ما نقلت عنه التقارير، فكرة حلول قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) مكان الجنود "الإسرائيليين"
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه قال إنه مستعد للنظر في إمكانية تشكيل قوة
تابعة لطرف ثالث.
ودافع المالكي أيضاً عن الزيارات التي يقوم بها وزراء
من حكومة رام الله إلى دمشق معتبراً أنها ضرورية للبقاء على الحياد في النزاع
السوري. ومما قاله في هذا الإطار "علينا الحفاظ على الحياد والحرص على عدم
انجراف شعبنا وراء العنف. لهذا من الضروري أن تكون لدينا علاقات جيدة مع جميع
الأطراف".
أما في ما يختص بالوضع في غزة، فقد رفض المالكي
الاتهامات بأن حكومة رام الله تتواطأ مع مصر لتضييق الحصار، مشدّداً على أن حكومته
تستمر في تسديد الفواتير في غزة: "يُخصَّص أكثر من نصف ميزانيتنا لدفع
الرواتب في غزة. ونسدّد فواتير الكهرباء والمياه في غزة كاملةً، مع أن حماس تجبي
المال من الناس لتسديد هذه النفقات".
واستبعد المالكي قيام الرئيس محمود عباس بزيارة غزة
قائلاً "يجب ألا يذهب إلى هناك فيما حماس في سدّة السلطة".
وجدّد وزير الخارجية أيضاً التأكيد على القرار السجالي
الذي اتّخذته حكومته بالامتناع عن دعم حملة دولية لمقاطعة “إسرائيل”، لكنه وافق
على مقاطعة المستوطنات. وتأتي تعليقاته هذه في سياق الزوبعة التي أثارها قرار
الممثّلة سكارليت جوهانسون بمغادرة المنظمة الخيرية العالمية "أوكسفام"
على خلفية تمثيلها لشركة "صودا ستريم" "الإسرائيلية" التي
تملك مصنعاً في مستوطنة "إسرائيلية" غير قانونية في الضفة الغربية.
يقول المالكي في هذا الإطار "لا يمكننا الدعوة إلى
مقاطعة “إسرائيل” فيما تنفاوض معها. المستوطنات غير قانونية وغير شرعية - وكل ما
ينبثق عنها غير قانوني وغير شرعي - والرئيس يعارض المستوطنات ويدعم
مقاطعتها".
المقابلة:
المونيتور: بذلت وزارة الخارجية الفلسطينية، وأنتم على
وجه التحديد، جهوداً حثيثة لدفع الأمم المتحدة نحو الاعتراف بدولة فلسطين. انتقدت “إسرائيل”
والولايات المتحدة هذه الجهود معتبرة أنها مضيعة للوقت. بعد انقضاء عام ونصف
العام، هل تعتبرون أن الأمر استحق كل هذا العناء؟
المالكي: من المؤكد أنه استحق العناء. فقد حصلنا على
الاعتراف كدولة غير عضو في الأمم المتحدة. لم نحصل على الاعتراف ككيان أو
كـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، بل كدولة فلسطين، وهكذا نُعرَف في كل
المحافل: دولة فلسطين. حتى إننا تلقّينا طلبات للمساهمة في موازنة الأمم المتحدة،
وسوف نساهم فيها. ساهمنا كدولة في اختيار قضاة جدد في محكمة العدل الدولية
والتصويت لهم. يمكننا التقدّم بطلبات للانضمام إلى عدد كبير من وكالات الأمم
المتحدة، وتوقيع اتفاقات دولية.
المونيتور: لكن هذا لم يتحقّق.
المالكي: حسناً، هذه الخيارات متاحة أمامنا. ونحن
يمكننا استخدامها أم لا. القرار يعود لنا. يمكننا أن نقرّر عدم الانضمام إلى كل
تلك المنظمات وتوقيع تلك المعاهدات. وقد قرّرنا إرجاء المسألة، وهذا يندرج في إطار
مسؤوليتنا الدولية. لا نريد أن نغيّر المنظومة الدولية. رأينا ما حصل في منظمة اليونسكو
وما أعقبه من انسحاب الولايات المتحدة منها. يمكننا الانضمام إلى هذه المنظمات
لكننا لا نريد أن نحدث خللاً في المنظومة الدولية. هذا ليس ضعفاً، بل إنه قوة،
والأميركيون، بما في ذلك كيري، وحتى "الإسرائيليون"، يدركون ذلك. لهذا
تمكّن الرئيس من انتزاع اتفاق للإفراج عن 104 أسرى فلسطينيين يمضون أحاكاماً
بالسجن لفترة طويلة في “إسرائيل”. وقد عمدت بعض البلدان الغربية إلى زيادة التمثيل
الفلسطيني لديها، على غرار بعض البلدان الاسكندينافية التي غيّرت قوانينها لهذه
الغاية.
المونيتور: ينقل الخبر الأساسي في عدد صحيفة
"القدس" الصادر يوم الأحد الماضي، عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري
قوله بأن “إسرائيل” ترفض قوات الناتو، لكنها قد تقبل بقوات تابعة لطرف ثالث. أليس
هذا مؤشّراً مشجّعاً، فهذه المرة الأولى التي تبدي فيها “إسرائيل” استعداداً
للقبول بقوات تابعة لطرف ثالث؟ وهل يقتصر تحفّظهم على الناتو فقط؟
المالكي: عندما أثار الرئيس عباس مع [رئيس الوزراء "الإسرائيلي"
السابق إيهود] أولمرت فكرة نشر قوات تابعة لطرف ثالث، أجاب هذا الأخير "آمل
بأنك لا تخطط لإحضار قوات عربية". فرد الرئيس عباس "لا تريدون عرباً، لا
بأس، يمكننا إحضار قوات غير عربية". عندئذٍ قال أولمرت "آمل بألا تحضروا
قوات تركية وأندونيسية". فأجاب عباس "ما رأيكم بالناتو؟" وقد وافق
[الرئيس الأميركي آنذاك] جورج دبليو بوش على هذا الطرح، لكنه قال إنه يجب أن تكون
قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة. ذهب الرئيس عباس أبعد من ذلك وشدّد على أننا
نرحّب بقوات أميركية من أصل يهودي. أما في ما يتعلق بالسؤال حول ما إذا كنا نقبل
بالناتو أم لا، فالفلسطينيون يقبلون بأي طرف ثالث. اعتقدنا أن اقتراح تشكيل قوات
من الناتو يريح "الإسرائيليين". فحلف الناتو يجري تمارين مع “إسرائيل”.
قواته متطوّرة وفائقة المهنية، وتوقّعنا أن يريح وجودها "الإسرائيليين"
ويسهّل الأمور بالنسبة إليهم.
المونيتور: هل فكرة نشر قوات تابعة للناتو تقتصر على
وادي الأردن فقط أم تشمل جميع المناطق الفلسطينية؟
المالكي: لا مشكلة لدينا بأن يتواجد فريق ثالث متعدد
الأطراف في أي بقعة.
المونيتور: بالانتقال إلى سوريا، يبدو أن الموقف
الفلسطيني قد تبدّل. ففي مرحلة معينة، كان موقفكم محايداً تماماً. والآن يبدو أنكم
تقتربون أكثر من النظام السوري. لقد تبنّى زميلكم في الحكومة، الوزير أحمد
مجدلاني، رواية حكومة [الرئيس السوري بشار] الأسد عن حصار اليرموك، والتي حمّلت
المجموعات المسلّحة مسؤوليته.
المالكي: لم يحدث أي تغيير في التعامل مع الملف السوري.
ما زلنا نؤمن بوجوب التوصّل إلى حل سياسي يحافظ على سوريا وعلى سلامة أراضيها. نحن
مهتمّون بسوريا وبموقفها من القضية الفلسطينية. كما أننا قلقون على نحو 600000
فلسطيني يعيشون في سوريا.
المونيتور: سحبت جامعة الدول العربية اعترافها بنظام
الأسد، لكن وزراء فلسطينيين اجتمعوا به. كيف تفسّرون ذلك؟
المالكي: مسؤوليتنا هي صون شعبنا وحمايته. سفارتنا في
دمشق هي من السفارات القليلة التي لا تزال تعمل هناك، وعلينا الحفاظ على حيادنا
والحرص على عدم انجراف شعبنا وراء العنف. لهذا من الضروري أن تكون لدينا علاقات
جيدة مع جميع الأطراف.
المونيتور: ماذا عن إيران، الراعية الأساسية للنظام
السوري؟ هل تسعى السياسة الفلسطينية إلى التقرّب من النظام الإيراني الجديد؟
المالكي: نقيم علاقات طبيعية معهم.
المونيتور: زار جبريل الرجوب طهران مؤخراً؛ ما كان
الهدف من الزيارة؟ هل ذهب بصفته ممثلاً عن حركة "فتح" أم باسم الحكومة
الفلسطينية؟
المالكي: لا، لا علاقة لهذه الزيارة على الإطلاق
بسياستنا الخارجية التي تُتّخذ القرارات بشأنها على مستوى الرئيس ووزارة الخارجية.
المونيتور: هل لدى الحكومة الفلسطينية سفارة عاملة في
طهران؟
المالكي: نعم لدينا سفارة، وقد حضرنا اجتماعات رسمية مع
إيرانيين خارج المنطقة. أرى وزير الخارجية ظريف في مناسبات كثيرة. إذا وُجِّهت إلي
دعوة رسمية، سأقبلها. إذا اختاروا دعوة الرئيس، سأذهب وأُعدّ لمثل هذه الزيارة
الرسمية.
المونيتور: يقودنا الحديث عن إيران إلى التطرق إلى
موضوع الحصار المفروض على غزة. تتّهم "حماس" الحكومة الفلسطينية
بالتواطؤ مع السلطات الجديدة في مصر لتضييق الحصار بهدف التسبّب بانهيار
"حماس".
المالكي: هذا غير صحيح على الإطلاق. نحن الداعمون
الأساسيون لقطاع غزة وكل احتياجاته. يُخصَّص أكثر من نصف ميزانيتنا لدفع الرواتب
في غزة. ونسدّد فواتير الكهرباء والمياه في غزة كاملةً، مع أن "حماس"
تجبي المال من الناس لتسديد هذه النفقات. نؤمّن التغطية الصحية لسكّان غزة الذين
يحتاجون إلى علاج خارج القطاع. ونستمر في السعي لإيجاد حل للوضع في غزة عن طريق
الوسائل السياسية. أتاح القرار الأخير الذي صدر عن "حماس" بدخول ثلاقة
قياديين كبار من رام الله إلى غزة، وهم موجودون الآن هناك ويجتمعون باسماعيل هنية
المسؤول عن حركة حماس. والتقى الرئيس عباس أيضاً نائب رئيس الوزراء السابق عبد
الناصر الشاعر في المقاطعة في رام الله.
المونيتور: دعت راوية الشوا، عضو المجلس التشريعي في
غزة، الرئيس عباس للقيام بزيارة مفاجئة إلى غزة. ما رأيكم بالفكرة؟
المالكي: سيزور غزة لكن ليس الآن. عندما ينضج الوضع -
أما الآن فلا يمكن إنجاز شيء.
المونيتور: يستطيع أن يبث الأمل لدى الناس.
المالكي: سيعطيهم أملاً عندما ينتهي الانقسام. يجب ألا
يذهب إلى هناك فيما "حماس" في سدّة السلطة.
المونيتور: يبدو أن القيادة الفلسطينية توجّه رسائل
متباينة حول حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها. عارض
الرئيس عباس، خلال زيارته إلى جنوب أفريقيا، أي شكل من أشكال المقاطعة "لإسرائيل"
في حين يرحّب بعض المسؤولين في "منظمة التحرير الفلسطينية" بحركة
المقاطعة. المقاطعة سلاح غير عنفي وعباس يحتاج إليه لتعزيز موقعه في التفاوض.
المالكي: لدينا حكم ديمقراطي، ويستطيع القياديون في
"منظمة التحرير الفلسطينية" التعبير عن آرائهم. رسمياً، نجري مباحثات "سلام"
مع “إسرائيل” حول حل الدولتين. فكرة مقاطعة دولة “إسرائيل” غير واردة. لا يمكننا
الدعوة إلى مقاطعة “إسرائيل” فيما نتفاوض معها. المستوطنات غير قانونية وغير شرعية
- وكل ما ينبثق عنها غير قانوني وغير شرعي - والرئيس يعارض المستوطنات ويدعم
مقاطعتها.
المونيتور: تقتضي المفاوضات من الأفرقاء البحث عن سبل
لتعزيز موقعهم التفاوضي.
المالكي: نؤمن بالمبادئ وليست لدينا ازدواجية في
المعايير. لدى بلدان أخرى، بما في ذلك “إسرائيل”، ازدواجية في المعايير. سياستنا
واضحة ولا ننحرف عنها.
المونيتور: أثارت قضية "صودا ستريم" تعليقات،
مثلاً حول الخطة الفلسطينية لتسليم معاليه أدوميم إلى “إسرائيل” في مختلف الأحوال،
وحول خسارة فلسطينيين كثر لوظائفهم في حال انتقل المصنع إلى “إسرائيل”.
المالكي: لم نحدّد قط المستوطنات التي سيتم إدراجها في
تبادل الأراضي. أما في ما يتعلق بالعمّال، فنطلب من العالم أن يساعدنا على تحسين
اقتصادنا ليتمكّن الجميع من إيجاد عمل.
المونيتور: وجّه رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور
دعوة إلى الفلسطينيين عبر المجلس النيابي كي يكونوا أكثر شفافية مع الأردن في
موضوع محادثات "السلام". ما ردّكم؟
المالكي: ثمة تنسيق مع الأردن على مستوى رفيع جداً.
الرئيس عباس وجلالة الملك عبدالله على تواصل مستمر. نعقد بانتظام جلسات مع العاهل
الأردني للتنسيق والإحاطة بالمعلومات. الملك هو المسؤول عن تحديد مستوى ومضمون ما
ينقله إلى حكومته. لا تستند علاقاتنا فقط إلى التنسيق، لكننا نسعى أيضاً للحصول
على المشورة من جلالة الملك عبدالله. الأردن بلد استراتيجي وحليف قوي للغرب،
ونعوّل عليه لدعمنا في المحافل والاجتماعات الدولية، بما في ذلك الاجتماع الذي
سيعقده جلالته مع المسؤولين الأميركيين خلال زيارته الحالية إلى موسكو والولايات
المتحدة.
المونيتور: يخشى الأردنيون ألا يتمكّنوا من استرجاع
النفقات التي تكبّدوها جراء استضافة اللاجئين الفلسطينيين طيلة عقود.
المالكي: هذه المسألة موضع نقاش واسع ومفصّل في
المباحثات. سيتم إنشاء صندوق دولي لدعم اللاجئين فضلاً عن تغطية النفقات التي
تحمّلتها البلدان المضيفة على غرار الأردن.
المونيتور: اقترح العضو السابق في البرلمان الأردني
معروف البخيت أن يحضر مسؤول أردني واحد على الأقل المحادثات الثنائية. هل توافقونه
الرأي؟
المالكي: كما وصفتَها، إنها محادثات ثنائية بين
الفلسطينيين و"الإسرائيليين". لكننا نحرص على إحاطة إخوتنا الأردنيين
بالمعلومات قبل كل جولة من المحادثات وخلالها وبعدها. وهم راضون عن مستوى التنسيق
بيننا.
المصدر : موقع المونيتور
10/2/2014