مسؤول لجنة "إغاثة فلسطينيي العراق" يتحدث عن رحلة الشتات الجديدة ومعاناة اللاجئين

بواسطة قراءة 7873
مسؤول لجنة "إغاثة فلسطينيي العراق" يتحدث عن رحلة الشتات الجديدة ومعاناة اللاجئين
مسؤول لجنة "إغاثة فلسطينيي العراق" يتحدث عن رحلة الشتات الجديدة ومعاناة اللاجئين

  بدأت مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، مع بداية المأساة التي أصابت فلسطين بكلّ ما فيها عام 1948، لم يستقبل العراق أعداداً كبيرةًَ من الفلسطينيين الذي أخرجوا من ديارهم، فقد واصل عددهم عند احتلال بغداد إلى 35 ألف شخص فقط. تعرّضوا بعد ذلك إلى حملة ممنهجة لم تقف عند الذبح والمطاردة والاعتقال، بل تعدّت ذلك لتصل إلى التشريد إلى "مخيمات الشتات" الجديد، الذي أضاف فصلاً آخر لكتاب المعاناة الفلسطينية.

"اللاجؤون الفلسطينيون من العراق، المعاناة، المستقبل، وآفاق الحلول" كانت ضمن عناوين الحوار الذي أجراه مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" في دمشق مع الأستاذ "ثامر مشينش" مسؤول لجنة "إغاثة فلسطينيي العراق".

بذور الأزمة                              

- هل كانت بوادر أزمة فلسطينيي العراق موجودة قبل الاحتلال الأمريكي؟ الأستاذ مشينش: ونحن نستعرض موضوع اللاجئين الفلسطينيين في العراق لا بد أن نعود قليلاً إلى الخلف لنضع أيدينا على السبب الرئيسي لمعاناة الفلسطينيين عموماً ومعاناة فلسطينيّ العراق بشكل خاص وهو الاحتلال الصهيوني، الذي احتلّ أرضنا الحبيبة فلسطين، وأبعد الفلسطينيين إلى مخيمات اللجوء دول الشتات ومنها العراق.

عاش الفلسطينيون في العراق مثلهم كمثل بقية اللاجئين في مناطق اللجوء، وكان هناك الكثير من المعاناة منها عدم إيجاد الصفة القانونية الواضحة للفلسطيني في العراق هل هو لاجئ أم هو ضيف أم هو أجنبي أم هو مواطن، لم تكن الصورة واضحة؛ وبالتالي كانت القوانين تبرز بشكل متناقض بحسب الحالة المزاجية للنظام في وقته.

بشكل عام كان هناك أزمة في السكن، كان هناك صعوبة في المعيشة وفي العمل، غير أنّ الوضع الصحي والتعليمي المتميز في العراق آنذاك أتاح أن ينال الفلسطيني في ذلك الوقت قسطاً من هذه المنفعة في مجالي الصحة والتعليم.

وهنا يجدر التأكيد على أنّ الفلسطيني في العراق لم يكن محسوباً على أي نظام أو على أي تيار أو فئة في داخل العراق الفلسطيني في العراق، لم يكن محسوباً في يوم من الأيام على أية طائفة أو أية فئة، ولكنه كان ضيفاً على كل العراقيين ويحب العراق كلّه من شماله إلى جنوبه وبكل طوائفه.

أول مخيم جديد

- ماذا عن مرحلة ما بعد احتلال العراق؟ الأستاذ مشينش: الآن بعد ما قدم الاحتلال الأمريكي إلى العراق برزت مشاكل كثيرة على جميع النواحي حتى بالنسبة للعراقيين أنفسهم، أصبح هناك حالة من الفوضى وانعدام الأمن وغير ذلك، وجرى على الفلسطينيين ما جرى على غيرهم من الناس الموجودين في العراق كعراقيين، ولكن مع مرور الوقت البسيط بداية الاحتلال الأمريكي تم استهداف الفلسطينيين وطردهم من البيوت التي كانت مستأجرة لهم لصالح دائرة الشؤون والرعاية الاجتماعية الخاصة بالفلسطينيين بالعراق، مما شكّل أول مخيم من مخيمات الشتات الجديدة للفلسطينيين في العراق الذي هو مخيم "العودة" الذي أقيم في ساحة نادي حيفا في حيّ البلديّات.

هذه الحالة أدت إلى عدم الاستقرار للفلسطينيين بالإضافة إلى أنهم معرضون في أي وقت لأن يطردوا من بيوتهم وبالتالي أصبح هناك ضغط نفسي على الفلسطيني في العراق، مما تسبب في أن البعض من الفلسطينيين لجأ إلى خارج العراق على الحدود الأردنية في مخيم "الرويشد" داخل الحدود الأردنية، والذي يبعد حوالي (35) كيلو متراً عن العاصمة عمّان 

استمر هذا المخيم لغاية عام 2007م، وكل اللاجئين في مخيم الرويشد تمّ التصرف معهم إما بترحيلهم إلى كندا أو إلى البرازيل والقليل منهم تم إدخالهم إلى العاصمة الأردنية عمّان لأن زوجاتهم أردنيات، ومع ذلك آثر الكثير من هؤلاء العودة إلى العراق أو إلى دول أخرى نتيجة عدم السماح له بالعمل أو وجود أي فرصة تسمح له بالعيش الكريم في الأردن.

تحريض هدد وجودهم

- ما هي أبرز ملامح التحريض الذي تعرّض أبناء العشب الفلسطيني الذين كانوا يقيمون في العراق؟

الأستاذ مشينش: خلال الفترة نفسها، وفي العام 2005م، بدأ بروز تيار طائفي شعوبي يستهدف كل ما هو عربي في العراق، وكل من هو فلسطيني بشكل خاص، وبدأ يعمل بشكل مخطّط ومبرمج ومدروس، فتمّ استهداف الفلسطينيين بشكل إعلامي من خلال اعتقال أربعة من الفلسطينيين واتهامهم زوراً بأنهم السبب في تفجيرات بغداد الجديدة في 12/5/2005 وتم عرضهم ثاني يوم مباشرةً على شاشة تلفزيون "العراقية"، طبعاً هذا الاعتقال كان بناءً على وشاية من شاب عراقي مختل عقلياً والأربعة الذين اعتقلوا يعرف عنهم البساطة حتى أن أحدهم يصل إلى حد السذاجة، وعرضهم على شاشة التلفزيون الرسمي وبهذه الطريقة كان تحريضاً واضحاً للعراقيين ضد الفلسطينيين، ووصل الأمر في بعض الحملات الإعلامية ضد الفلسطينيين إلى القول بأن هؤلاء الفلسطينيون ناكرون للجميل، نحن استضفناهم لم يحفظوا الجميل بل بالعكس قتلوا العراقيين و سفكوا دمائهم ...إلخ.

بعد ذلك بدأت تتوافد مجموعة من العراقيين وترجم مجمع البلديات بالحجارة أو بوابل من الرصاص، يعلّقون لوحات من القماش (يافطات) على الشوارع مكتوب عليها "اخرجوا أيها الفلسطينيون الصداميون.. أيها الناكرون للجميل". نتيجة هذا الإعلام والتحريض المتواصل سواءً في التلفزيون أو في الصحف؛ أصبح هناك استهداف "مبرر" لأن الفلسطينيين صاروا بفعل هذه الحملات الكاذبة ناكرين للجميل وصدّاميين وتكفيريين وغير ذلك من المبررات التي استغلت لاستهداف الفلسطينيين، وأدّت زيادة شدّة الهجمات على الفلسطينيين إلى جعل مجموعات كبيرة تخرج إلى الحدود وكانت أول مجموعة خرجت، أرادت أن تلتحق بمخيم الرويشد لكن السلطات الأردنية أو قوات حدود المعبر منعته من ذلك وأجبرتهم على الرجوع إلى داخل الأراضي العراقية، فأقاموا مخيم داخل الحدود العراقية أسموه مخيم "الطريبيل" استمر فترة تقريباً ثلاثة شهور تقريباً.

مخيّمات الشتات الجديد

- حبّذا لو تكرمتم بتقديم نبذة عن هذا المخيم؟

الأستاذ مشينش: بخصوص هذا المخيم قامت لجنة إغاثة فلسطينيي العرق بالتواصل مع الأخوة في حركة "حماس"، ومع الإخوة في الحكومة السورية، وتواصل السيّد "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحماس مع الحكومة السورية، وكذلك الدكتور محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق، فتمت استضافتهم، ودخلوا إلى الأراضي السورية في يوم 9/5/2006، أول مجموعة كان عددهم في الطريبيل (181) شخصاً، أُلحق بهم أشخاص كانوا موجودين على الحدود آنذاك فأصبح مجموعهم (282) شخصاً، دخلوا مخيم الحسكة في ذلك اليوم، وكان قد سبقهم بسنة وستة أشهر مجموعة مكونة من ثمانية عشر شخصاً، فأصبح المجموع (300) أقاموا في مخيم في مدينة الحسكة السورية، المخيم يبعد (700) كيلو متراً عم العاصمة دمشق، ويبعد حوالي خمسين كيلو متر عن مدينة الحسكة، وجدير بالذكر أيضاً أن سكان المخيم يعيشون داخل سور كبير.

سكنوا الخيام أول ما قدموا إلى مخيم الهول؛ حيث كانت توزع عليهم الخيام والمساعدات الغذائية من قبل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ولكن هذه المساعدات لم تكن كافية، وكانت لجنة إغاثة فلسطينيي العراق في تواصل دائم وإمداد متواصل للاجئين بالدعم المادي والمعنوي والإغاثي، وكان مما أسعد اللاجئين الزيارة التي قام بها آنذاك وزير اللاجئين الدكتور عاطف عدوان يوم 25/5/2006، كان وزير اللاجئين قدم من فلسطين لزيارة اللاجئين وقام برفع معنوياتهم وتوزيع مبالغ نقدية أدخلت السرور والفرح على قلوبهم آنذاك، كانوا يأملوا بأن تتحسن أوضاعهم ويسمح لهم بالدخول بشكل رسمي في داخل الأراضي السورية لكن لحدّ الآن وضعهم القانوني لا يسمح لهم، فبطاقة المخيم تسمح لهم بزيارة دمشق في حال العلاج أو للظروف الخاصة.

- ومخيم "التنف"؟

الأستاذ مشينش: مخيم "التنف" هو المخيم الذي جاء مباشرة بعد مخيم الهول، يقع بين الحدود العراقية والحدود السورية، هذا المخيم بدأ من (40) شخصاً، ثمّ (60)، ثمّ (120) إلى أن وصل عدده اليوم إلى (970) شخصاً تقريباً.

هذا المخيم مرّت به الكثير من الحوادث، وضعه صعب جداً، لأنه أهله لا زالوا يعيشون في خيم، ورحل من هذا المخيم حوالي (116) فرداً إلى "تشيلي"، وزعوا إلى ثلاث مناطق في تشيلي وهناك (155) فرداً ينتظرون الذهاب إلى السويد خلال الأيام القليلة القادمة بعد أن تم تجهيز جوازات سفر لهم، وهناك أيضاً عائلة تنتظر السفر إلى سويسرا لأنّ ربّ الأسرة مريض ويحتاج إلى علاج وينتظروا الذهاب إلى سويسرا وعدد أفراها أحد عشر فرداً.

المخيم كله بحالة صعبة، الجميع يراقب وينتظر ويأمل بأن يحلّ عليهم الفرج قريباً، من القريب أولاً ثم من البعيد إذا لم يستطع القريب أن يمدّ يد العون لهم.

- هل هناك مخيّمات أخرى للاجئين الفلسطينيين من العراق؟

الأستاذ مشينش: نعم، على بعد كيلو مترات قليلة لكن داخل الحدود العراقية، يوجد مخيّم "الوليد"، وهذا المخيم من أكبر المخيمات الموجودة في الوقت الحالي ويضم حوالي (1887) شخصاً، سفّرت منه بعض الأسر بشكل فردي ومتقطع بحالة تجذب الانتباه، فقد غادرت أسرتان إلى السويد، وأربع أسر للدنمارك والنرويج، وخمس أسر لهولندا، ثمان أسر تضمّ أرامل وأطفال غادروا إلى أيسلندا، وبعض الأسر الآن تنتظر دورها، البعض إلى أمريكا وبعضها إلى أستراليا.  

فالفلسطيني في العراق مستهدف في عدة مناحٍ، أما في داخل العراق فالاستهداف بالتهديد والقتل والتعذيب والترويع والتهجير، وإذا حالفه الحظ ولجأ إلى صحراء فإنّه يهدّد بالعقارب والأفاعي والعواصف والأمطار والحرائق، وإذا فُتح له باب للهجرة نلاحظ أنه يصاب بشتات جديد يصعب وصفه.

لجنة إغاثة فلسطينيي العراق

ـ لجنة إغاثة الفلسطينيين في العراق، النشأة والرسالة؟ الأستاذ مشينش: بدأت فكرة لجنة إغاثة فلسطينيي العراق مع بدء معاناة الفلسطينيين في داخل العراق، متابعتهم ومحاولة إبراز معاناتهم وإيصال معاناتهم إلى أكبر عدد من أصحاب الرأي والنفوذ في العالم وأصحاب المنظمات الإنسانية والإغاثية والمؤسسات الدولية وجامعة الدولة العربية، وازدادت الحالة فاعلية عندما اقترب اللاجئون من الحدود ومن المخيمات، فأصبح من السهل الوصول لهم والتعامل معهم بشكل مباشر.  

أمّا الرسالة فكانت رفع المعاناة عنهم بقدر المستطاع، وإيصال صوت اللاجئ الفلسطيني في العراق إلى كل من يهمه الأمر من أصحاب الشأن والنفوذ في الأمة العربية والإسلامية وفي العالم، المساعدة في إنقاذ الفلسطينيين في العراق والمساعدة في التخفيف من الآلام من خلال العمل الإغاثي ورفع المعنويات من خلال حالة التواصل الدائم ومشاركتهم في الأعياد والأفراح وفي رمضان وفي كافة المناسبات.

- كيف شعر اللاجئ الفلسطيني من العراق، بوجودكم وتأثيركم على حياته؟ الأستاذ مشينش: بالطبع، كان ذلك عبر المعونات المادّية والمعنوية التي قدّمناها للاجئين، فاللجنة كانت في بداية يعني أول من قدّم المعونة اللاجئين، فقد سبقت حتى المفوضية العامة للاجئين، عندما زار مسؤول المفوضية التابعة للأم المتحدّة المخيم وجدنا أمامه جالبين معنا المواد الغذائية والماء والخبز وغير ذلك، كنّا سباقين في هذا المجال ومن ناحية أخرى سباقين في تطوير الحالة المعيشية وتحسين الحالة المعيشية للاجئ في هذه المخيمات، فوجوده في هذه الصحراء يحتاج إلى معززات لصموده، ونحن كنّا أول من أمدّ المخيم بالكهرباء، أول من أمد المخيم بأسطوانات الغاز و"الحصر" والفرش والمواد الغذائية والملابس، وأول من شاركهم في الأعياد وفي رمضان وفي عيد الأضحى؛ حيث كانت فرحة كبيرة عند اللاجئين، فقد كان المخيم يعيش بحالة من البرد الشديد ومن الصقيع ونحن شاركناهم وبتنا عندهم هذه الليلة بمشاركة وفد من اتحاد الأطباء العرب، وتم تقديم الأضاحي بشكل وافٍ لكل اللاجئين، وكذلك ملابس العيد وألعاب الأطفال والحلويات، أيضاً قدم وفد مكتب العمل الشعبي التابع لحركة حماس إلى المخيم مع أسرهم وعوائلهم، وكانت فرحة كبيرة للاجئين كنا نتمنى أن تتم هذه الفرحة بان يتم الفرج الكبير وأن يدخلوا إلى حضن دولة عربية.

حوادث مؤلمة

- سمعنا عن كثير من الحوادث المؤلمة التي ألمّت بأهل هذه المخيمات الفلسطينية، خاصّة مخيم التنف الحدودي، هلّا حدّثتنا عن بعضها؟

الأستاذ مشينش: حدثت حوادث مؤلمة في الأيام الأولى لقدوم اللاجئين، كانوا يعيشون في خيم قديمة جداً، لونها بشع وحرارتها شديدة، ووضعوا في مكان كان مكباً للنفايات وتعرضوا لتسمم غذائي، وهنا لجأنا بسرعة إلى المخيم وأخذنا معنا وفداً طبياً من أطباء الجمعية الطبية الفلسطينية، وشاركتنا أيضاً جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتم علاج حالات التسمم.

وبعد ذلك جاءت حالة أخرى لبنت صغيرة تلدغها عقرب، بعدها بشهر أو شهرين ونتيجة الحر الشديد اللاهب كان الأطفال يلجؤون لأصحاب الشاحنات للحصول على قطعة ثلج، ليشرب ماءً بارداً يروي ظمأه في هذا الحر، أحد الأطفال "أحمد أكرم" اثنا عشر عاماً، صعد إلى الحافلة ليسأل السائق عن قطعة ثلج، والسائق يتأسف منه فقد انقطع الثلج بعد أن أعطاه لبقية الأطفال، وينزل الطفل، والسائق يظن أن الطفل قد ذهب بعيداً لكنه يبدو أنه ظلّ واقفاً تحت عجلة السيارة، فما إن مشى حتى دهسته عجلة السيارة فكانت هذه أول حادثة موت في المخيم والكآبة عمت المخيم كلّه. كذلك من حالات الوفاة التي شهدناها في المخيم موت أحد الشباب المتزوج يعني عنده طفلين صغيرين مصاب بفشل كلوي يموت نتيجة عدم القدرة على إسعافه ووصوله إلى دمشق. وآخر الوفيات كانت الحاجة أم عامر، هي "سعاد محمود العبد الفران" التي كانت أصيبت بالسرطان وإذا لاحظنا بأنه هي عمرها من سنين النكبة، ستون عاماً، ولدت في خيمة من خيام اللجوء وعاشت عمرها المديد لتموت فيها كأنها تولد في الخيمة وتموت في الخيمة.

أضف إلى ذلك أكثر من عشرة حرائق ضربت المخيم، بالإضافة إلى الحالات النفسية وحالات الاكتئاب حالات المرض المختلفة المتنوعة التي تصيب الأطفال والنساء والحوامل، وحالات الولادة التي تحدث أحياناً بشكل إسعافي يتم أخذها إلى دمشق لكي تتم الولادة ثم إعادتها إلى المخيم بشكل أسرع وقت ممكن.

فارون من جحيم المخيمات

- معظم الذين التقينا بهم اليوم كانوا فارين إلى قبرص وألقت السلطات السورية عليهم القبض، ثمّ تمّ نقلهم إلى مخيّم التنف، هل كان لكم دور في حلّ المشاكل القانونية التي وقعوا بها؟ الأستاذ مشينش: الفلسطينيون في العراق ضيّق عليهم، وبالتالي صار الفلسطيني يلجأ إلى أي حل ينفذ منه سواء كان قانونياً أو غير قانوني، يعني يمكن يجد في قرارة نفسه ما يبرر له عمل ذلك لكن هذا العمل غير قانوني بالنتيجة، ونحن تواصلنا مع إدارة الهجرة وهي مشكورة تعاونت بشكل جيد معنا، وتفهمت حالات هؤلاء اللاجئين، تم تسريع معاملاتهم وضمّهم إلى إخوانهم في مخيم التنف وتسهيل أمورهم، حاولنا قدر الإمكان التخفيف عنهم وتقصير مدة الاعتقال إلى أقصر ما يمكن.

وضع العصي في الدواليب

- المنظمة والسلطة؛ غياب ووضع للعصي في الدواليب

الأستاذ مشينش: لدينا مؤسستان معنيتان بشأن اللاجئ الفلسطيني، دائرة اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، إضافةً إلى وزارة اللاجئين التي كانت في الحكومة الفلسطينية العاشرة آنذاك، كيف استفاد اللاجئ الفلسطيني القادم من العراق من الوزارة والدائرة؟ سأستعرض هنا ما قدّمته وزارة اللاجئين في الحكومة الفلسطينية العاشرة، وما قدّمته دائرة اللاجئين في منظمة التحرير؛ نلاحظ أنه مجرد تشكل الحكومة الفلسطينية وتشكيل الوزارة الجديدة وزارة اللاجئين كانت هي وزارة جديدة نلاحظ أنها بدأت مباشرة بتفعيل موضوع اللاجئين الفلسطينيين في العراق وبثّ معاناتهم والحديث مع الحكومة العراقية بشأنهم، وتوجيه رسائل مع الحكومة العراقية ومع الشخصيات العراقية البارزة في الأحزاب العراقية من قبل الوزارة سواءً رئيس الحكومة السيد إسماعيل هنية أو من قبل وزير اللاجئين الدكتور عاطف عدوان، وكذلك التفاعل في التحدث مع الحكومة السورية في استقبال اللاجئين الذين كانوا عالقين على الحدود في مخيم "الطريبيل"، أو الزيارة المباشرة السريعة تلتي قام بها وزير اللاجئين الدكتور عاطف عدوان التي قام بها مباشرة إلى مخيم الهول في الحسكة، ثم نلاحظ التواصل الدائم من الأخ "حسام أحمد" الذي يعمل في وزارة اللاجئين فقد كان على شكل تواصل وسؤال شبه يومي عن حالة اللاجئين سواء التواصل المباشر معي أو مع المسؤول الإعلامي في لجنة الإغاثة، وبعث رسائل إلى أولي الأمر في الجامعة العربية وفي الحكومة العراقية للدول العربية للعالم في إيجاد حل سريع لهؤلاء اللاجئين ورفع الظلم عنهم.

نلاحظ على الجانب الآخر أن دائرة اللاجئين لم تكن في الأمر لا من قريب ولا من بعيد بالعكس نرى أنه "عزام الأحمد" في جلسة للمجلس التشريعي يبرّر ما يحدث للاجئين الفلسطينيين في العراق، فهو يتكلم بأنّه الذي يحدث للفلسطينيين في العراق هو من ضمن الحالة العامة لما يحدث في العراق وأن كثيراً من الفلسطينيين في العراق هم بعثيون، كانوا منساقين مع النظام يعني نراه بالعكس أوجد مبررات الحالة الأخرى أوفدت منظمة التحرير جبريل الرجوب ثمّ أحمد عبد الرحمن، والمشكلة أنهم ذهبوا من أجل موضوع وخرجوا بموضوع آخر.

وكانت التصريحات التي خرجوا بها تصريحات شكر للحكومة العراقية وطلب حماية للفلسطينيين، كأن الحكومة العراقية حكومة حرة ومستقلّة ولا يوجد احتلال وقادرة على حماية نفسها، وأيضاً شكروا الحكومة العراقية وشكروا جلال طالباني الرئيس على استقبالهم، ولم نر أن الوفد يزور مخيم من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في العراق ولا حتى أكبر مجمعاتها التي هو البلديات وبالتالي تحول إلى لقاء تنظيمي جمع فيه الأنظمة الموالية ومن هو منتسب إلى حركة يعني حركة التي تحيط بدوائرهم داخل السفارة.

وفي هذا الصدد نثمن جهود الإخوة في المجلس التشريعي، قفد لاحظنا الأخ خالد الدكتور "داوود أبو الخير" ونائب آخر عن دائرة الخليل حيث قاموا بزيارة إلى مخيم التنف، وتحدثوا مع وزير الخارجية بشأن اللاجئين الموجودين في التنف، وقاموا بتوزيع مبالغ من الأموال وتفاعلوا مع اللاجئين.

الدول العربية والفارين من العراق

- هل تمّت متابعة الطرح الذي تقدّم في قمة الرياض حول مسألة اللاجئين الفلسطينيين من العراق؟

الأستاذ مشينش: طرح موضوع اللاجئين الفلسطينيين في العراق بناءً طلب رئيس الحكومة إسماعيل هنية الذي اتفق مع رئيس السلطة محمود عبّاس، على طرح موضوع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وقام الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح بطرح الموضوع، وما لبث الموضوع أن طُوي على عجالة حتى "لا يحرج العراق"، وحينها تبرع الرئيس العراقي جلال الطالباني بمبلغ عشر ملايين دولار لفلسطين لا نعرف إلى أين ذهبت، ولاحظنا أن موضوع فلسطينيي العراق طوي ولم يذكر في قرارات القمة، والمريب في الأمر هو تزامن ما حصل فقيمة الرياض، مع إيقاف بثّ برنامج أسبوعي على فضائية فلسطين يناقش مأساة فلسطينيي العراق.

"السلطة" وعرقلة الحل

- هل كان للسلطة الفلسطينية أي دور في حلّ مشكلة اللاجئين؟ الأستاذ مشينش: السلطة الفلسطينية عرقلت الحل بشكل واضح، وإذا راجعنا المؤتمر الذي حدث في جامعة القدس في أبو ديس؛ نلاحظ أن صائب عريقات (رئيس طاقم المفاوضات في منظمة التحرير) بشكل واضح يشكر حكومات كندا والبرازيل وتشيلي وغيرها، ويقولها بصراحة نحن بصدد التنسيق مع المفوضية لتسهيل انتقال هؤلاء اللاجئين إلى دول كندا واستراليا وغيرها من الدول منظمة التحرير تدفع بهذا الاتجاه وتحاول عرقلة أي حل باتجاه اليمن باتجاه السودان باتجاه سوريا أو باتجاه أي دولة عربية أو إسلامية.  

الحالة الأخرى حالة الإخوة في السودان، الذين أبدوا استعدادهم لاستقبال ألفي لاجئ من الموجودين في المخيمات على الحدود، هم أبدوا استعدادهم حسب إمكانياتهم المتوفرة؛ لكن مع الأسف نجد أن السلطة الفلسطينية وبانتدابهم لشخص "عزام الأحمد" قد ميّعوا القضية، فالأحمد بدأ في المماطلة فيها وأخذت حوارات مع المفوضية ومع الحكومة السودانية، ثمّ اتفقوا على آلية صعبة وسيئة، تتلخص باستقبالهم في كرفانات مؤقتة لمدة عامين مع إمدادهم بمساعدات غذائية من المفوضية، ثم يتركون بعد عامين غير مسؤولين عنهم، وهو حلّ مرفوض طبعاً.

المأساة كبيرة والتفاعل الخجول معها

- كيف تنظرون إلى التفاعل الرسمي والشعبي مع القضية؟

الأستاذ مشينش: هناك تفاوت بالاهتمام، فكنّا نجد بعض الاهتمام من قبل جمعيات إنسانية ومنظمات عربية مدنية، ونذكر من الجهود المشكورة مثلاً جهود لجنة الرحمة في، اتحاد الأطباء العرب من مصر، وجمعيات كثيرة من تركيا جزاهم الله خير كانوا دائما في العون وبالإمدادات وغيرهم كثير لن أستطيع تذكرهم وذكرهم جميعاً الآن. ولاحظنا اهتماماً من التنظيمات الفلسطينية، وبشكل أساسي من حركة حماس وبدرجة أخرى من الجبهة الشعبية - القيادة العامة، إضافة إلى منظمات أخرى شعبية حاولت قدر استطاعتها تحاول أن تمدّ يد العون للاجئين. وعلى صعيد الأنظمة؛ فإن الحكومة السورية خطت خطوة جيدة بأن فتحت الباب، فالحكومة السورية كانت بدأت خطوة طيبة باستقبال عدد لا بأس به من اللاجئين لكن كنا نتمنى على الحكومة ونأمل ونطمع في كرمها بأن توسع الباب وتدخل المزيد من اللاجئين حتى يكونوا في حضن عربي في حضن قومي، في حضن مقاوم حريص على القضية الفلسطينية، ويدافع عن حق اللاجئين في العودة إلى فلسطين يعني هذه كانت تضع اللاجئين في الإطار الصحيح بدلاً من أن يتم تشتيتهم إلى منافي بعيدة ودول لا تمس لهم بصلة.

- كيف تقيّمون التفاعل الإعلامي مع هذه القضية؟

الأستاذ مشينش: أعتب على كافة وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة، تفاعلها لم يكن بالشكل المطلوب الذي يجسد المعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون في العراق، لو استعرضنا بعض صور المعاناة التي حدثت خلال الفترة البسيطة سنوات قليلة منذ احتلال الأمريكي للعراق حتى هذه اللحظة، نلاحظ أحداثاً كبيرة وخطيرة أصابت الفلسطيني في العراق، تيتم الأولاد، وترمل النساء، وتهجّر الأسر من بيوتها وتشتت الأسرة في أكثر من مكان وتسكنها في الفيافي والصحراء والدول البعيدة، وتنقل من حالة الاستقرار إلى حالة اللا استقرار في فترة بسيطة، التغطية الإعلامية حقيقةً لم تكن بالشكل المطلوب باستثناء بعض الوسائل الإعلامية التي قامت بواجبها تجاه الفلسطينيين في العراق ولو بالحد الأدنى، ونطالب بدور إعلامي أكثر فاعلية على هذا الصعيد. أتوجه إلى عمقنا العربي والإسلامي، وأناشد أصحاب الرأي وأصحاب القرار بأن يراجعوا أنفسهم، وأن يغيروا سياسة الإهمال أو اللامبالاة التي وجهوها لهؤلاء اللاجئين، وأقول لهم بأن التاريخ لن يرحم أحداً، من قدم ومن سهّل لإدخال هؤلاء اللاجئين إلى بيته ومن ساعدهم ومن خفف من معاناتهم سيذكره التاريخ بكل خير، وسيكون منارة على مرّ الأجيال، ومن أدار ظهره لن ينساه التاريخ وسيذكر له ما يستحقه من أنه قصّر بحق أبناء شعبه الفلسطيني ممن تعرضوا للاضطهاد وتركهم عرضة للتهجير إلى دول المنافي .

16/9/2008