فلسطين أرض الرسالات، وأقدم الحضارات الإنسانية فجذورها في الثقافة
والدين والتجارة والسياسة تمتد إلى الكنعانيين أقدم شعوب الأرض المتحضرة، فهي مهد
اليهودية والمسيحية، وقبلة المسلمين الأولى، والأقصى ثالث مسجد تشد إليه الرحال،
ويتفق على حبها معتنقو الأديان جميعا إلى درجة التضحية في سبيلها، ودعوني أفجر
العبوة الناسفة التي أريد، ومن لا يصدقني يأخذني على قدر فهمي، نحن العرب نحب
فلسطين، نعم، ونزايد في حبها، ولكننا يا للأسف المدمي نبدو شعوبا وحكومات كأننا
نكره أهلها لا سيما اللبراليون العلمانيون منا، وكيف لا ونحن المتعلمون المثقفون
في مجالسنا غالبا ما نجور عليهم بالقول: ويكون النقد لاذعا وجائرا، رغم أنهم شعب
الجبارين المرابطين المبدعين، ولكن الغيبة لذيذة وشهية على اللسان!.
يتهم الفلسطينيون ببيع أراضيهم لليهود، ولا نقول خانهم العرب
وتركوهم فريسة للصهاينة، خذلناهم وتركناهم للفقر والمرض والحاجة، وننسى الضغوط
التي تعرضوا لها ولا ينظر أحدنا لنفسه حينما يضطهد في بلده ومن أهله معنويا أو
ماديا يتركها ويهاجر لدول الغرب طالبا اللجوء والجنسية ونعيب عليهم ذلك ونتجاهل
محنتهم وظروفهم القاسية تحت نير الاحتلال، ولا نؤاخذ دولنا التي ساومت على قضيتهم،
رحلت اليهود ليتجهوا نحو فلسطين يستولون على أراضي أهلها ويطردونهم، ولا نتذكر
اننا اضطهدنا الفلسطينيين وحاصرناهم، ورحلناهم، وقتلناهم، ولو بحت بالوقائع صراحة
ما وجدت بلدا عربيا يستقبلك.
دولة عربية معتبرة كانت صحفها تنشر بلا خجل إعلانات لليهود تحثهم وتغريهم
بشراء أراض في فلسطين قبل 1948، وحين افتتحت الجامعة العبرية كان رئيس أعرق جامعة
عربية حاضرا للتهنئة والمباركة، بينما يشهد التاريخ للسلطان العثماني عبدالحميد
انه نحي عن الخلافة وأقيل لرفضه بيع اراضي فلسطين للصهاينة، وفرط بها العرب
بخلافاتهم، واليوم من الدول العربية من تبخل عليهم بقطعة ارض لتوسيع المقبرة ودفن
موتاهم. ونتهمهم أخرى بالإرهاب، مرددين مقولات الصهاينة، وتغلق عليهم المعابر
وتقطع الإمدادات الإنسانية. ونعد التواصل والتعاون معهم تخابرا وخيانة، فماذا بعد؟.
نحن وما أدراك ما نحن، إذا شاهدنا فسلطينيا ذكيا ناجحا، نسمه
بالدجل والنفاق ونلصق به التهم، ودولنا تتحرج بمنح الفلسطيني تأشيرة زيارة أو مرور
وعمل إلا اللمم، ويبقى المرضى والطلبة والحجاج معلقين أياما في معبر رفح ينتظرون
السماح لهم بالالتحاق بجامعاتهم ووظائفهم، وبقيت الأسر الفلسطينية
معلقة في صحراء العراق وسوريا والأردن سنوات شردهم الصفويون إثر الاحتلال
الأميركي، ولم تقبلهم دولة عربية لاجئين فأشفقت عليهم دول أوروبا وآوتهم؟ الفلسطينيون إذا
سكتوا واستسلموا نقول جبناء، وإذا اختلفوا مع دولة رحلتهم كما فعلت ليبيا يوما،
وتشتري حكوماتنا ذممهم فتشق صفوفهم أحزابا وتتاجر بهم وقضيتهم، وإذا اختلفوا بينهم
نقول: سرقوا فلوس الأمة واختلفوا عليها، وإذا نجح احد بتجارته أو صناعته أثرياء لا
يتبرعون لبلدهم، وإذا تبرعوا واعتقلوا كإرهابيين، نقسم لا يقعدون بسلام ولا
يسكتون! ونتبرع لهم بصوت عال في المحافل ولا نفي بما وعدنا، ونتخذ قرارات في
الجامعة ولا ننفذها، وإذا صرخوا وجعا من ظلم أبناء العم، نقول: “جاحدون ناكرو
جميل”، وإذا قصفوا "إسرائيل" يقال: “يضربونها بلعب أطفال ويقدمون المبرر
لقتلهم”!.
حكوماتنا قتلت منهم أكثر مما قتل الصهاينة، وعايشت محنتهم ومذابحهم
بأيلول، ومجازر صبرا وشاتيلا بلبنان، وقتلهم وتهجيرهم في
العراق، وفي سوريا يقصفون بالبراميل المتفجرة والطائرات، وسجنوا وعذبوا
وماتوا بسجون مصر، وتحاصر غزة اليوم عربيا في الغذاء والدواء والطاقة، فماذا
يفعلون؟ وهل هم وحدهم مسؤولون عن مأساة فلسطين وضياعها، وعليهم تحمل مسؤولية
تحريرها؟ أليست فلسطين بلادنا وجزءا من وطننا وأهلها أهلنا؟ وعلينا عبء تحريرها؟
وجبر كسر أهلها، أما يكفي ظلمنا لهم؟ وهل قاوم شعب كما قاوموا وقدم تضحيات كما
قدموا؟ وبعد الحساب ماذا سيقدم العرب للفلسطينيين غير الفتنة بين فتح وحماس؟ فمتى
نكف أيدينا عن فصائلهم بالشقاق لتتوحد بعيدا عن تدخلنا؟ فالنار التي تشب بينهم
تحرقنا جميعا.
المصدر : جريدة البلاد
13/11/2013