محمد خروب
حسناً, الفلسطينيون شعب «مُختَرَع» رغم أن عيسى بن مريم بما هو الفلسطيني الأول , وليس أول الفلسطينيين, ولد فوق تلك الأراضي التي كانت تسمى فلسطين وما تزال تسمى فلسطين, ورغم أن موسى «كليم الله» «عاد» اليها بعد تيه في سيناء دام اربعين عاماً .
«العهدان» القديم والجديد كُتبا أو نزلا, أرضهما هي فلسطين وكُتبت أو أُنزِلت للشعب «الفلسطيني» الذي كان قائماً فوق تلك الارض ..
وحسناً ايضاً أن يخضع الفلسطينيون لاختبار DNA «الشعوب» فـ «إخوانهم» العرب, ما يزالوا حتى اللحظة يرون فيهم خونة وبائعي ارض ولا مهمة لهم سوى تخريب المجتمعات العربية واستيطانها, ناهيك عن الغمزات وحملات التشكيك التي لا تتوقف حول «أصلهم» وأن التاريخ لم يُسجّل(...) ذات يوم أو عصر أو عهد, أنهم اقاموا «دولة» أو كان لهم كيان سياسي أو تمثيل, يسمح لهم الادعاء بأنهم يريدون إعادة بناء دولة «كانت» أو كيان تمت ازالته على يد غزو أو معركة أو احتلال..
تصريحات الساعي للترشح عن الحزب الجمهوري الاميركي نيوت غينغريتش اذاً, لا تبدو جديدة أو صادمة, إذ «يُسجّل» لها أنها ظهرت في القرن الحادي والعشرين, فيما كانت غولدا مائير قد قالت الشيء ذاته ولكن قبل ثلاثة عقود ونيّف, وطرحت سؤالا استنكارياً عمّا اذا كان هناك «شيء» اسمه الشعب الفلسطيني؟
رئيس مجلس النواب الاسبق (غينغريتش) أعاد «أسطوانة» مطروحة في السوق, ولها مكانة في الـ Top Ten السياسي اقليمياً ودولياً, فالشعب الفلسطيني في عُرْفِ كثيرين هو شعب «زائد», يجب التخلص منه تارة, بالتهجير وطوراً بالتوطين وثالثاً في توزيعه على دول العالم (هل تذكرون اين ذهب فلسطينيو العراق الذين احتُجِزوا في مخيمات على الحدود العراقية؟) والتخلص من الفلسطينيين دائماً يتم عبر الطريق الاسرع والاقصر والمجرّب والأنجع, وهو شن «الحروب» وارتكاب المجازر بكل أشكالها وصورها وافتعالاتها السياسية والاجتماعية والانعزالية..
لِمَ اذاً تظلمون "السيد" الاميركي هذا؟ وخصوصاً أنه سليل الشعب الاميركي العريق, الذي عمّر بلاده قبل أن تظهر حتى أوروبا القديمة (هل تذكرون التعبيرات الاستعلائية والعنصرية التي اطلقها وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد عندما عارضت المانيا وفرنسا حرب بوش/ بلير العدوانية على العراق؟ ..) .
يستطيع "السيد" الابيض غينغريتش, أن يفخر بأصوله, فهو غير مدين للايطالي كريستوفر كولومبس الذي «عثر» على تلك البلاد التي كان يعيش عليها ملايين الهنود الحمر بما هم السكان الاصليون الذين «ابادهم» اجداد غينغريتش وبنوا على جماجمهم وتراثهم وثقافتهم وخصوصياتهم حضارتهم الراهنة التي هي في النهاية نتاج مغامرين وصيادي فرص وباحثين عن الذهب والمال ومغتصبي الاراضي والهاربين من محاكم اوروبا بعد ان قتلوا او اغتصبوا او سرقوا ونهبوا...
هو مجتمع مهاجرين من شتى الاعراق والاجناس، وبالتالي ليسوا شعبا بل هم انشأوا «دولة» وتم اختراع او اطلاق وصف شعب على هؤلاء الذين تجمعوا في اراضي الهنود الحمر وكانوا تلامذة نجباء لثقافة المستعمر واستعلائه وهمجيته ودائما دمويته وارهابه... وهو ما طبع المجتمع الاميركي وحكم مسار حكوماته المتعاقبة منذ ان قامت الثورة الاميركية قبل قرنين ونيف وبعد أن تخلّص الابناء (المهاجرين) من الآباء (المستعمِر البريطاني) الى ان جلست اميركا في المعقد «العالمي» الاول بما هي امبراطورية شرّ وعدوان ونهب لثروات الشعوب وطمسا لثقافتهم وخصوصياتهم لصالح تعميم القيم والثقافة الاميركيتين تماما كما وصف فرانز فانون، الكاتب المارتينيكي (الجزائري) الذي تمر هذه الايام الذكرى الخمسون لوفاته، وصف الامبريالية الغربية في كتابه (معذبو الارض): «لا تكف اوروبا عن الحديث عن الانسانية، لكنها لا تتورع عن اغتيال الانسان كلما انتصب قبالتها دفاعا عن كرامته، سواء كان ذلك فوق اراضيها او في اي بقعة من العالم»..
لا داعي للغضب اذاً، فتهمة اختراع الشعب الفلسطيني لا يجب ان تثير كل هذه الردود «الانشائية» التي يسارع اهل سلطة رام الله واصحابها الى الادلاء بها، فثمة بين الفلسطينيين على ارض فلسطين التاريخية وخارجها، من تنكر لفلسطينه وفلسطينيته, ليس لصالح الهوية القومية او تماهِ مع «الصحوة» الاسلامية باعتبار فلسطين وقفاً اسلامياً لا يجوز التفريط به، وانما في الاعلان بلا خجل انه «تَعِبَ» وأن ارض الله... واسعة..
ثمة سؤال يندرج تحت خانة المضحك المبكي يدور في الذهن بعد سماع تصريحات هذا العنصري الأبيض.. اذا كان كولومبس (الايطالي) هو صاحب «براءة» اختراع الشعب الأميركي.. فمن هو صاحب براءة اختراع الشعب الإرهابي الموسوم بالشعب الفلسطيني؟
محظور بالطبع ان نسأل مَنْ اخترع الشعب "الإسرائيلي" (وليس اليهودي) فهذا ضرب من ضروب اللاسامية!
المصدر : صحيفة الراي الكويتية
12/12/2011