من معاني هذا الشهر العظيم وما فيه من خير
جسيم، أنه شهر الصبر، إذ يوطن الصائم نفسه على اجتناب ما يحبه من طعام وشراب
نهارا، مع إصراره على اجتناب الشهوات والمحرمات والصبر عليها، وعلى أداء صلاة
القيام ليلا، حتى يصبح الصبر لديه ملكة وصفة ملازمة.
لم يتصف هذا الشهر بصفة وتضاف إليه، إلا أنه
" شهر الصبر" لأهمية هذه العبادة ومكانتها، إذ يقول عليه الصلاة
والسلام( صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر )[1].
ويقول عليه الصلاة والسلام(صوم شهر الصبر،
وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر )[2].
والصبر منع النفس محابها وكفها عن هواها.
وعرفه آخرون بأنه:حبس النفس عن الجزع، والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس
الجوارح عن كل فعل محرم كلطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور.
والصبر ثلاثة أنواع:
1- صبر على طاعة الله. 2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على الأقدار.
أفضل موسم وأنسب وقت، لتأهيل النفس وتدريبها
على الصبر، في هذا الشهر المبارك، لما فيه من معاني تحقق هذه الثمرة بشكل يومي،
تتمثل بعدة أشكال نذكر منها:
-
ترك محبوبات النفس نهارا من الطعام والشراب
والصبر عليها.
-
الصبر على تنوع العبادات، من صلاة وصيام
وتلاوة قرآن وصدقة.
-
حفظ اللسان وعدم إطلاق العنان له، ولو سابك
رجل أو قاتلك فلتقل" إني امرؤ صائم".
-
مجاهدة النفس على ترك المحرمات والخطايا، (
من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
-
الصبر على مشقة الطاعة، لما فيها من أجر كبير
وثواب جزيل.
الصبر والصيام يشتركان في ثمرة الجزاء
والأجر، فالصيام أجره غير محدد بقدر فهو عند الله سبحانه ( الصوم لي وأنا أجزي به
)، والصبر كذلك قال سبحانه( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ )[3]،قَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا يَحْسِبُ عَلَيْهِمْ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ
قَطُّ، وَلَكِنَّ يُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ.[4]
قال سليمان بن القاسم:كل عمل يعرف ثوابه إلا
الصبر.
وبين عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث
أهمية الصبر ومكانته، من ذلك:
قال عليه الصلاة والسلام( ما رزق عبد خير له
ولا أوسع من الصبر )، وتلا أنس بن مالك قوله تعالى( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا
لما صبروا ).[5]
إذن الصبر رزق، فإذا وطنت نفسك بتأهيلها
وتعويدها على تحمل المشاق والصبر في هذا الشهر، وديمومة ذلك بعده فإنك قد اكتسبت
رزقا عظيما قل من يُرزقه!
يقول عليه الصلاة والسلام( الإيمان الصبر
والسماحة ).[6]
وفي رواية( أفضل الإيمان الصبر والسماحة ).[7]
قال عليه الصلاة والسلام( النصر مع الصبر
والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا وإن مع العسر يسرا ).[8]
قال عليه الصلاة والسلام( والصلاة نور
والصدقة برهان والصبر ضياء ).[9]
يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ،
وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنْ محارم الله.[10]
يقول علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من
الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا
إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
وعن ميمون بن مهران قال: ما نال عبد شيئًا من
جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر.
قيل للأحنف في شهر رمضان: إنك شيخ كبير، وإن
الصوم يهدك، فقال: إن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله.
يقول الحسن البصري: الصَّبْرُ كَنْزٌ مِنْ
كُنُوزِ الْخَيْرِ، لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ إِلَّا لِعَبْدٍ كَرِيمٍ عَلَيْهِ.
ولو لم تكن للصبر في الدنيا من ثمرة إلا الإمامة في الدين والرفعة والقدوة الحسنة لكفى، قال تعالى
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )[11].
يقول شيخ الإسلام: بالصبر واليقين تنال
الإمامة في الدين.
فمن تميز بتأهيل نفسه وتدريبها، على طاعة
الصبر طوال هذا الشهر، واستقام بعده عليها يكون قد كسب خيرا كبيرا.
13- رمضان- 1435هـ