باسلوب بسيط جدا سأسرد عليكم بعض ما بدر الى ذهني من ذكريات حيث عدت بذاكرتي الى الامس القريب وبالتحديد منذ شهر شباط من عام 2007 حيث كانت خيمتي تأوي عائلتي بين المئات من خيم العوائل القابعة على تراب صحراء الوليد على الحدود العراقية مع سوريا وكنا نفترش التراب ونجلس لنتسامر مع الأحبة ونحتسي فناجين القهوة وتارة نضحك وأخرى نتذكر أيام بغداد بحلوها ومرها وتارة نتناقش بمصيرنا ومصير مئات العوائل العالقة بهذا المخيم .
وكانت الكلاب السائبة وما أكثرها تتجول بين الخيم باحثة عن بقايا صحن فول أو علبة مرتديلا منتهية المفعول أو فضلات ما كان يتناوله اللاجئون من المعلبات التي كانت توزع عليهم شهريا وبالقرب من مكان عملي في مدينة هيوستن التابعة لولاية تكساس الأمريكية رأيت روضة خاصة للكلاب وكنت وما زلت أشاهد الأشخاص يوميا يأتون بكلابهم الى تلك الروضة ليتمتع الكلب ويلعب بالحديقة المليئة بالمراجيح وألعاب المتاهة والسحاسيل والألعاب البلاستيكية على شكل عظام ومعهم مدربين اثنين وأربع حلاقين وطبيب يشرف على علاج المرضى من الكلاب ومشرف اجتماعي متخصص بمعرفة فيما إذا كان أحد الكلاب يعاني من كسل وخمول ومشاكل اجتماعية ونفسية فيقوم هذا المشرف على حلها بعدة طرق وكل هذه المعلومات مكتوبة على لافتة ضخمة على سور حديقة الروضة واحدى تلك الطرق التي يتبعها المشرف هي إقامة حفلة زواج له من إحدى الكلبات الموجودات في الروضة حيث يتم توزيع طعام خاص معلب مثل الجبس والفستق والبندق الخاص للكلاب مع الشراب الخاص الساخن أو البارد حسب الطلب ..... عجبي .
في أحد الأيام وما أكثرها تلك الماطرة على صحراء الوليد حيث بدأت الخيم تذبل وبعضها ينهار وتدخل الى أعماقها من كل الجهات الأوحال والمياه ويركض اللاجئون هنا وهناك بحثا عن علبة فارغة أو تفريغ الوعاء الذي يستخدمونه لشرب الماء لكي يقومو بتفريغ الخيمة من مياه الأمطار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الفراش والملابس والمستمسكات التي أحضروها معهم حينما تم تهجيرهم من بغداد .
وتستمر عملية الإنقاذ هذه عدة أيام ، كان يوما ماطرا غزيرا ، المطر في هيوستن وتزاحمنا وقتها أمام باب الشقة أنا وزوجتي وأولادي لنشاهد هذا الكم الهائل من قطرات المطر وكأن المحيط الأطلسي وخليج المكسيك قد تم سكبهما فوق المدينة ولمدة ما يقارب الست وأربعون ساعة استمر هذا السكب . بعدها خرجت لأتسوق بعض الحاجيات وكانت الصدمة الكبرى !!!! أين الماء !!! أين الأوحال !!!! الشوارع كأنها مرآة قدتم صنعها توا والأشجار يصدر منها بريق غريب ولم أرى أي تجمع لمياه آسن حتى لو كان بقعة صغيرة .... فجأة وأنا بطريقي إلى السوبر ماركت أفقت على صوت إنذار سيارة الإطفاء ومن بعدها سيارة الإسعاف وأخيرا سيارة الشرطة فقلت لابد أن حريقا قد اندلع قريبا من هنا الله يستر ، ازداد فضولي حينما رأيت السيارات الثلاث تدخل إلى الزقاق الذي على يساري فتغيرت وجهة ساقاي إلى ذلك الزقاق وكأني عضو من أعضاء رجال المطافئ .... رأيت الناس يركضون بسرعة ويلهثون هاربين من جحيم نار قد اندلعت بإحدى الشقق هاربين باتجاه الملجأ القريب من ذلك المجمع السكني ... هذه تحمل ابنها وهذا يحمل ثلاث حقائب أحداها دبلوماسية ... وهذا ... وذاك كل منهم يحمل ما يمكن حمله من أولاد وأمتعة حيث أن شقق هذا المجمع قد تم بنائها من الأخشاب وهكذا عادت ذاكرتي إلى إحدى الحرائق التي نشبت في إحدى الخيام القابعة على تراب الصحراء الوليد وما أكثر تلك الحرائق وكان الشباب ينقض على الحريق وكأنهم النمور والأسود تنقض على فريستها ويقتحمون الخيمة المحترقة محاولين إخماد النار حتى لو بحفنة من التراب ويصرخ أحدهم هذا الخزان المملوء بالماء الصالح للشرب هيا أيها الشباب خذوه لست بحاجة إليه فإخماد الحريق أهم من الشرب....صغارا وكبارا يهجمون على النار مخاطرين بحياتهم من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه واخماد الحريق.... عجبي .
حينما وصلت الى السوبر ماركت الواقع في الطابق الأرضي لأحدى ناطحات السحاب ورفعت رأسي لأشاهد فعلا احدى السحب تخترق الطابق التاسع والستون من أحداها ثم خفضت رأسي بعد ان انتهيت من عد الطوابق لأشاهد تلك المحلات الفارهة الضخمة المتنوعة المنتشرة بين ناطحات السحاب تبادر الى ذهني الخيام القابعة فوق التراب حينما كنت أذهب الى خيمة أحدهم حيث كان يفترش بداخلها الأنواع العديدة من لوازم بيتية والعديد من الفواكه والخضراوات حيث يتسوق اللاجئون من هذه الخيمة التي تعد بحق اجمل سوبر ماركت بكل ما تعنيه كلمة سوبر ماركت في صحراء الوليد حيث تحولت بقعة مضيئة من بقع المخيم الى مجمع تجاري متكامل .. حلاق وحداد ومطعم فلافل ومخبز وتصليح موبايلات وخيمة لبيع وشراء المعلبات والحاجيات المستعملة ووووو.. وعجبي .
إن أكثر ما كان يلفت انتباهي وأنا أتجول في شوارع هيوستن ذلك اني وخلال إقامتي التي تجاوزت الأشهر السبعة أني لم أرى أي جندي أمريكي بتلك الشوارع حيث اننا كنا نراهم بكثرة في المخيم ومنطقة الوليد الصحراوية ... ولكن أين هم من مدينة هيوستن !!!! يبدو أنهم منتشرون فوق قارات العالم لتنصيب الحكام ومحاولاتهم اليائسة والبائسة لإذلال الشعوب .... وعجبي .
وشكرا للأخوة في هذا الموقع الرائع
اخوكم
خالد نواف ابو الهيجاء
ولاية تكساس الامريكية
24/4/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"