بعد انتصار الثورة الإيرانية والإطاحة بالسلالة
البهلوية، سارع النظام الجديد في طهران إلى رفع شعار القضية الفلسطينية، وسلم
مفاتيح السفارة "الإسرائيلية" في طهران إلى الراحل ياسر عرفات، لتصبح
سفارة دولة فلسطين. أدرك نظام الملالي أن بوابة القضية الفلسطينية ستؤمن ممرا آمنا
إلى الداخل العربي، واستخدمت «التقية السياسية» في سبيل إنجاح هذه الخدعة، التي
انطلت على الشعوب العربية المتعطشة لانتصارات حتى وإن كانت مجرد شعارات. قد يقول
البعض: لماذا هذا التشكيك في نيات إيران؟ نقول إن الحقائق والشواهد المتاحة تثبت
ذلك، وتقود كل من يسعى إلى فهم دوافع إيران لرفع الورقة الفلسطينية في جميع
المناسبات، وكذلك في خلافاتها مع الغرب إلى هذه الحقيقة المرة، ولكن طهران لا ترغب
مطلقا في حل هذه القضية، حتى لا تخسر هذه الأداة التي تؤهلها بقوة للتدخل في الشأن
العربي.
لنعد إلى بداية الثمانينات من القرن الميلادي الماضي،
عندما تقدم الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1982 بمبادرة سعودية لحل القضية
الفلسطينية.
تحدثت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية عن أن الجامعة
العربية سوف تتبنى هذه المبادرة خلال اجتماعها المزمع عقده في مدينة فاس المغربية
في شهر سبتمبر (أيلول) 1982. حينئذ أطلقت الجمهورية الإسلامية في إيران حملة
إعلامية تستهدف إجهاض هذه المبادرة. ما يهمنا هنا هو موقف إيران الرافض لتلك
المبادرة ووصفها بأنها مشروع غربي – "إسرائيلي" لتمييع القضية
الفلسطينية أو نسفها، فكيف تكون كذلك وقد رفضها الغرب و"إسرائيل" معا؟!.
هذا النموذج الرافض لحل القضية الفلسطينية تكرر مع كل
مبادرة عربية تهدف إلى وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وإقامة دولته وعاصمتها
القدس الشريف. الجانب الآخر في سعي إيران لإبقاء القضية الفلسطينية من دون حل يكمن
في محاولة استمرار الشرخ بين الفلسطينيين أنفسهم، من خلال دعمها لحركة حماس لعدة
عقود والحيلولة دون توصل الفريقين الفلسطينيين إلى توافق وطني يوحد كلمتهم في
مواجهة المحتل.
يملك النظام الإيراني ورقتين رئيستين يستخدمهما للتدخل
في الشأن العربي؛ إحداهما مزاعم الدفاع عن الأقليات الشيعية في العالم العربي،
بينما يضطهد السنّة في الداخل لأسباب عرقية، والأخرى ورقة القضية الفلسطينية التي
يفضل عرقلة حلها لضمان استمرار تدخله في الشأن العربي. لماذا لم تبادر بتقديم
مقترحات لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني؟ أليست طهران هي من ترفع في كل مناسبة راية
الوحدة الإسلامية وحل القضية الفلسطينية؟ لماذا، إذن، تكتفي بهذه الشعارات من دون
تحويلها إلى فعل ملموس حتى يثبت للشارع العربي والإسلامي صدق نياتها، ولماذا، إن
كانت عاجزة عن تقديم حلول أو مقترحات، لا تبارك المبادرات العربية أو تقترح تعديلا
عليها إذا كان حل هذه القضية أولى اهتماماتها كما تزعم؟!
الواقع يقول كما أن "إسرائيل" تسعى إلى
استمرار الخلافات بين العرب وإيران لإشغال الطرفين بعضهما ببعض، وبالتالي يخبو
التركيز على القضية الأهم، وأعني هنا القضية الفلسطينية، فإن إيران، بدورها، تفضل
عدم حل هذه القضية لضمان استمرار إحدى قنواتها الرئيسة للتدخل في شؤون العرب
والعمل على شق الصف العربي، كما تفعل من خلال تحريكها بعض المنتسبين للأقليات
الشيعية في الدول العربية لإثارة الفتن وزعزعة الأمن في تلك الدول.
إن العلاقات بين إيران و"إسرائيل" لم تنقطع
تماما بعد ثورة 1979، وصفقات الأسلحة خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية خير شاهد
على ذلك، ولعل آخر ذلك التعاون ما كشفت عنه صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية
مؤخرا من محاولة بعض تجار الأسلحة "الإسرائيليين" بيع قطع غيار طائرات
مقاتلة لإيران. إذن، فالفرق بين الدولة البهلوية والدولة الحالية، فيما يتعلق
بالقضية الفلسطينية، يكمن في تغير الأدوات والأساليب مع بقاء الأهداف والتوجهات،
كما أن العلاقة تحولت من العلانية إلى الخفاء لا أكثر، وكما بدأت إيران الحالية
تتخلى عن شعار «الشيطان الأميركي» وأعادت علاقتها - تدريجيا - معه، فإنها لن تتردد
في فعل الأمر ذاته مع "إسرائيل" متى ما كان ذلك يخدم مصالحها وأهدافها
السياسية.
المصدر : صحيفة الشرق
الأوسط
28/2/2014