طريق الخلاص- وليد ملحم

بواسطة قراءة 4515
طريق الخلاص- وليد ملحم
طريق الخلاص- وليد ملحم

لا يخفى على كل عاقل ما تمر به امتنا الإسلامية من مصائب ومحن وشقاق وخلاف بين أبناء البلد الواحد حتى سفكت الدماء الطاهرة فلا يدري المقتول فيم قُتل ولا القاتل فيم قَتل وأصبحت المرجعية لكثير من المسلمين هم الكفار الذين سامونا سوء العذاب .

فمن أفغانستان إلى باكستان إلى البحرين إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى فلسطين إلى مصر إلى ليبيا إلى تونس ولا ندري من يكون التالي في القائمة .

فتلك البلاد من تسلط كافر عليها إلى حرب طاحنة بين أبنائها إلى فتنة طائفية إلى فوضى لا يدرى عاقبتها حتى أصبحت الدماء ارخص ما تكون في بلاد المسلمين .

لا بد لكل مسلم أن يقف ويسال نفسة لماذا يحصل كل هذا ؟

الجواب في كلام من لا ينطق عن الهوى فقد روى أبو داود عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم . (تحقيق الألباني صحيح).

فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة ) إشارة إلى نوع من المعاملات الربوية ذات التحايل على الشرع .

 وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأخذتم أذناب البقر ) إشارة إلى الاهتمام بأمور الدنيا والركون إليها وعدم الاهتمام بالشريعة وأحكامها .

 ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورضيتم بالزرع ) .

 وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وتركتم الجهاد ) هو ثمرة الخلود إلى الدنيا كما في قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل (التوبة : 3 ).

 وقوله صلى الله عليه وسلم : ( . . . سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) فيه إشارة صريحة إلى أن الدين الذي يجب الرجوع إليه هو الذي ذكره الله عز وجل في أكثر من آية كريمة كمثل قوله سبحانه : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضت لكم الإسلام دينا ) (آل عمران : 1 ) (من كتاب فقه الواقع ).

لقد أصبح التنازع والاختلاف على الدنيا سمة ظاهرة في حياتنا ونسينا وصايا ربنا حيث قال جل وعلا {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46.

لقد حرص اليهود من قديم على إثارة الفتن والتنازع والخلاف بين المسلمين فهذا جدهم شاس بن قيس اليهودي وكان عظيم الكفر شديد العداوة للمسلمين مر يوما على الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون فغاظه ذلك حيث تآلفوا واجتمعوا بعد العداوة فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم ما قيل فيه من الأشعار وكان يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس ففعل فتشاجر القوم وتنازعوا وقالوا السلاح السلاح فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فعرف القوم أنه نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما كان يوم أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم.

وقد جاء في التوراة المحرفة لليهود وهي ما تسمى العهد القديم في( سفر اشعياء ): 19: 1 وحي من جهة مصر هوذا الرب راكب على سحابة سريعة و قادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه و يذوب قلب مصر داخلها.

19: 2 و أهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد أخاه و كل واحد صاحبه مدينة مدينة و مملكة مملكة .

19: 3 و تهراق روح مصر داخلها و افني مشورتها فيسالون الأوثان و العازفين و أصحاب التوابع و العرافين.

19: 4 و أغلق على المصريين في يد مولى قاس فيتسلط عليهم ملك عزيز يقول السيد رب الجنود.

19: 5 و تنشف المياه من البحر و يجف النهر و ييبس .

19: 6 و تنتن الأنهار و تضعف و تجف سواقي مصر و يتلف القصب و الاسل

19: 7 و الرياض على النيل على حافة النيل و كل مزرعة على النيل تيبس و تتبدد و لا تكون هـ .

( لاعجب أن يقوم اليهود ببناء سد على منابع النيل في الحبشة للسيطرة على مياه النيل ) هذه هي نضرتهم إلى شعوبنا وهذه هي طريقتهم في إثارة الفتن ليحصلوا من خلالها على مبتغاهم في السيطرة على مقدراتنا .

لقد جاء وصف حالنا الذي نمر به على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال : عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت .(رواه أبو داود تحقيق الالباني صحيح).

إن طريقة التغيير الربانية لتبديل الحال ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال جل وعلا : { ... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11.

وقد سمع مرة الحسن البصري رجلاَ يسب الحجاج فقال له: لا تفعل يرحمك الله إنكم من أنفسكم أوتيتم، إننا نخاف إن عُزِلَ الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير. وذكر الحسن البصري القول المشهور : " عمّالكم عملكم وكما تكونوا يُوَلّى عليكم "، عمالكم أي رؤساؤكم هم أعمالكم أي انعكاس لأعمالكم.

وهذا مصداق قوله تبارك وتعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأنعام129.

وسئل الأعمش عن تفسير قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا"، ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال: سمعتهم يقولون: "إذا فسد الناس أمِّر عليهم شرارهم".

وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي المالكي في كتابه "سراج الملوك": ( لم أزل أسمع الناس يقولون: "أعمالكم عمالكم"، "كما تكونوا يولى عليكم"، إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن، قال تعالى: ""وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا".

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة"ج1 ص 253: ( وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم، وبخلوا بها، منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق، وبخلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفون ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه، وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة الإلهية أن يولى على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شابت الولاة، فحكمة الله تأبى أن يولى علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر، بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم).

•وقال الحسن البصري للمتذمرين من ظلم الحجاج وجوره: ( إن الحجاج عقوبة من الله عز وجل لم تكن، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف، ولكن استقبلوها بتوبة، وتضرع، واستكانة، وتوبوا تكفوه).

•قال عبيدة السَّلماني لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي بكر وعمر انطاع الناس لهما، والدنيا أضيق من شبر فاتسعت عليهما، ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما، وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟ قال: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك".

فتمعن أخي العزيز بهذا الكلام الذي يخرج من مشكاة النبوة والذي يوزن بالذهب والفضة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر المهاجرين ! خصال خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا و لم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم و ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز و جل و يتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .( 7978 في صحيح الجامع).

 

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ (رواه البخاري ) .

عندما شعرت الشعوب بالظلم خرجت وكانت أنشودتها نريد دولة مدنية ديمقراطية ويالتهم كان قصدهم دولة مدنية على سياق دولة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة .

بل لوسألت احدهم لقال دولة مدنية يعني دولة لا دينية ديمقراطية أهذا هو الحل أهذا هو الخلاص أليس كلنا مسلمون ونصلي ونصوم !! وقد قال ربنا جل ذكره : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50 وقال جل وعلا بعد هذه الآية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }المائدة51يا له من تناسب عجيب وسياق رائع وكأن الآيات نزلت الآن فحكم الجاهلية مربوط بالولاية لليهود والنصارى وكلنا يرى بأم أعييننا كيف يتسابق الحاكم والمحكوم ليعطي فروض الطاعة للولي البريطاني والأمريكي والفرنسي كي يرضى عنه ويسلمه الحكم! .

عقب ربنا بعد هذه الآيات بقوله {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }المائدة52 نخشى أن تصيبنا دائرة نخشى أن لا ترضى علينا أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأمم المتحدة فلا تعطينا الحكم.

يا سبحان الله من ينصر من يمكن للمسلمين في الأرض أليس الله؟ قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55.

يا أخواني سوف تبقى الشعوب تدور في حلقة مفرغة وتجرب وتجرب, ونتيه كتيه بني إسرائيل ولكن الخلاص بقول ربنا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف9.

وأختم بقول فارق هذه الأمة عندما ذهب ليفتح بيت المقدس :

(( إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله )).

 

أخوكم : وليد ملحم

16/4/2011

 

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"