الفلسطينيون في لبنان الواقع والمخاوف د. جميل بغدادي

بواسطة قراءة 1826
الفلسطينيون في لبنان الواقع والمخاوف د. جميل بغدادي
الفلسطينيون في لبنان الواقع والمخاوف د. جميل بغدادي

 اللبنانيون يعلنون في معظم الأحيان أن الوجود الفلسطيني في بلادهم هو قنبلة موقوتة يصعب التحكم في موعد انفجارها ، والفلسطينيون أيضاً غير قانعين في الأوضاع  الصعبة في الأراضي اللبنانية بسبب الإجراءات والقوانين الصارمة في المخيمات الفلسطينية ، الأمر الذي أشاع حالةً من عدم الاطمئنان بين الجانبين ، وهذه الدراسة تلقي الضوء على الواقع المأساوي للاجئ الفلسطيني وما يواجهه من متاعب متجددة والمخاوف التي تسكن قلوب الفلسطينيين من وجود مخططات دولية لتمييع حقهم في العودة إلى فلسطين ومحاولة إدماجهم في الدول التي نزحوا إليها أو تهجيرهم لبلدان أخرى .

اعتبرت الدراسة قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدةً من أكثر القضايا تعقيداً في الصراع العربي – الإسرائيلي ،  فالقضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة ، وموضوع اللاجئين هو القضية الأهم بالنسبة للفلسطينيين الذين أجبروا بقوة السلاح على مغادرة أراضيهم عام 1948 . وأشارت  الدراسة إلى أن الخلاف حول موضوع اللاجئين الفلسطينيين تجلى واضحاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مفاوضات مؤتمر مدريد التي انطلقت في العاصمة الإسبانية يوم 30 تشرين الأول / أكتوبر عام 1991 وذلك بسبب رفض الجانب الإسرائيلي الإقرار بحل سياسي يضع حداً لمأساة الفلسطينيين في الشتات 0

وأضافت الدراسة أن مؤتمر مدريد للسلام شكل لجنةً متعددة الجنسيات برئاسة كندا وعضوية 32 دولة عربية وأجنبية لإيجاد حل لهذه المشكلة التي شكلت عقبة جادة حالت دون اتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين حول الحل النهائي . وقد طرح الدكتور الياس صنبر رئيس الوفد الفلسطيني للجنة  المتعددة الجنسيات موضوع اللاجئين وحقهم في العودة استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم  242 الذي ينص بوضوح على توفير حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن هذا الموضوع وخصوصاً القرار رقم 194 ، موضحاً أن  اللاجئين الفلسطينيين هم جميع أولئك الفلسطينيين الذين طردوا أو أجبروا على ترك بيوتهم من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل ، وأن تحسين أوضاع حياة اللاجئين مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق المجتمع الدولي  ، وأنها ليست مسألة مطروحة للمقايضة أو موضوعا للتفاوض . ورأت الدراسة أن اللجنة المتعددة والمفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تتوصل إلى أية تسوية لحل هذه المشكلة حتى اليوم رغم تدخل أطراف فاعلة في عملية التسوية .

وتحدثت الدراسة عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين قدموا إليها عام 1948 وأشارت بأن عددهم يناهز نحو 120 ألف ، ومن ثم اللاجئين الذين قدموا إليها عام 1967 بعد حرب حزيران ، وعام 1970 بعد  أحداث الأردن . وأشارت الدراسة إلى أن الفلسطينيين يعيشون في 12 مخيماً وحوالي 22 تجمعاً وأهم المخيمات في صور البص والرشيدية والبرج الشمالي والقاسمية ، أما التجمعات فتتركز في البرغلية والمعشوق والشبريحا وجل البحر وجميجم وأبو الأسود وفي صيدا يوجد مخيمان ، عين الحلوة أكبر المخيمات في لبنان والميمة وتجمعات في السكة والبركسات وأوزو وصيدا القديمة ، وفي بيروت هناك مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس والتجمعات في أحياء صبرا والفاكهاني إضافة إلى وجود مخيمات وتجمعات في البقاع وطرابلس وعلى طول الساحل من صيدا إلى بيروت .

وأشارت الدراسة إلى أن موضوع توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مثل أحد أبرز عوامل الخوف عند اللبنانيين من الوجود الفلسطيني . كما أن موضوع تهجير اللاجئين من لبنان إلى دول أخرى شكل عنصر قلق دائم لدى الفلسطينيين ، وهذا القلق متبادل بين الطرفين فكل منهما يرى في كل خطوة يأتي عليها الطرف الآخر وكأنها تخدم إما التوطين أو التهجير ، وتذهب الدراسة للقول إن لبنان اتخذ عدة قرارات للحد من مطالب الفلسطينيين وتمسكهم بالبقاء في لبنان تمثلت بمنع الفلسطينيين من مزاولة 73 مهنة وحرفة كي لا تزاحم اليد العاملة اللبنانية ، وهذه الطاقة البشرية التي فرض عليها لبنان قيوداً مشددة بدأت تبحث عن أماكن بديلة للعمل واتجهت في ذلك إلى الهجرة لدول أوروبية وكندا والولايات المتحدة .

واستعرضت الدراسة المشاكل التي يعاني منها اللاجئون في لبنان ورفض تقديم الدولة اللبنانية أية إيضاحات أو تقديم أية اعترافات بحق اللاجئين بحرية وحق العمل ضمن الضوابط والإجراءات المعمول بها ، وقد كان لبنان قاسياً مع الفلسطينيين ، كما أشارت الدراسة عندما فاجأ مجلس النواب اللبناني اللاجئين بإقرار قانون يحرم على الفلسطينيين تملك شقة تحت ذريعة منع التوطين .

وتحدثت الدراسة عن انعكاس الوضع الاقتصادي وتلاشي فرض العمل في لبنان على الأوضاع الصحية والتعليمية في المخيمات الفلسطينية ، حيث أشارت إلى ارتفاع مستوى اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر ، وأن هذه النسبة وصلت إلى 60% مع تقليص خدمات الاونروا التي ساهمت بشكل ما في توفير العناية الصحية من خلال عياداتها ومستشفياتها ، ولكن تقليص خدمات الأونروا 1991 ساهم في تفاقم مشكلة  العلاج الصحي بسبب عدم قدرة الأونروا تقديم الخدمات الصحية للجميع ، وعجز الفلسطينيين عن تحمل تكلفة المستشفيات الخاصة وأجور الجراحين .

وفيما يخص موضوع التعليم رأت الدراسة أن الفلسطينيين يواجهون في لبنان أزمةً تعليميةً حقيقيةً تهدد في حال تفاقمها بتفشي الأمية في مجتمعاتهم ، ويعود السبب في ذلك إلى توقف منظمة التحرير الفلسطينية في تقديم مساعدات ومنح دراسية وإغلاق مراكز البحث في لبنان بسبب مغادرة المنظمات الفلسطينية الأراضي اللبنانية عام 1982 ، ومن جهة أخرى يعود تراجع مستوى التعليم إلى أن الكثير من الأسر الفلسطينية وأبنائها فقدوا الأمل والدوافع والحوافز للتعلم لأنهم يدركون أنهم لن يحصلوا في ظل القوانين اللبنانية المشددة على فرص العمل ومنها أيضا العبء الاقتصادي الذي تعيشه غالبية الأسر الفلسطينية مما يدفع الكثير من الشباب إلى ترك الدراسة من أجل مساعدة الأهل .

 

وتحدثت الدراسة في جانب آخر عن الوجود العسكري الفلسطيني في المخيمات ، وأشارت أن وجود الأسلحة في المخيمات الفلسطينية شكل أحد خطوط التماس الساخنة بين اللاجئين والسلطة اللبنانية ، حيث كانت القوات اللبنانية تتخذ من وجود الأسلحة في المخيمات كذريعة للقيام بأية خطوة غير ودية تجاه المخيمات . وأشارت الدراسة إلى أن موضوع الأسلحة بين الطرفين  سبق وأن نظم عام 1991 من خلال اتفاق بين مسؤولين فلسطينيين ولبنانيين ،  وقد أحصت مجلة الحوادث اللبنانية 14 تنظيماً مسلحاً في المخيمات الفلسطينية في لبنان .

وفي عودة جديدة لموضوع التوطين ، أوضحت الدراسة أن خلاصة ما يقوله الفلسطينيون ويؤكد عليه اللبنانيون أن الجانبين يضغطان كل بوسائله وإمكانياته لمنع توطين اللاجئين ، فأبناء المخيمات متمسكون بهويتهم الفلسطينية وحقهم في العود ، والدولة اللبنانية أيضاً متمسكةً برفض التوطين حتى ولو دام الحصار العسكري المفروض على المخيمات الفلسطينية إلى عشرات السنين ، لكن الطرفين يخشيان معاً ضغوط أطراف خارجية لفرض التوطين على الفلسطينيين قسراً ولإجبار لبنان على هذا الموقف رغماً عنه .

 وتحدثت الدراسة في جانب منها عن  نظرة لبنان الرسمية والشعبية للاجئين ، فقالت إن سيناريوهات توطين اللاجئين الفلسطينيين أو تهجيرهم لم تتوقف منذ نكبة 1948 وإنها  تقفز باستمرار إلى واجهة الأحداث السياسية ، ومن ثم تعود لتخبو بعض الوقت ، ثم تعود للانبعاث من جديد حسب التطورات السياسية التي يشهدها الوضع الداخلي في لبنان وتطور المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية  . وبينت الدراسة أن سياسة لبنان الرسمية لا تختلف في شيء عن سياسة الرأي العام اللبناني ، لأن لبنان يضع في صلب اهتماماته قضية اللاجئين الفلسطينيين ، وهو لا يترك مناسبةً إلا ويذكر المجتمع الدولي بأن هناك قنبلة موقوتة يجب تفكيكها وأن هذا مسؤولية المجتمع الدولي ، وبمقدار ما يعتبر اللاجئون الفلسطينيون أن حقهم في العودة حق مقدس فإن اللبنانيين يعتبرون أيضاً أن واجب مقاومة التوطين واجب مقدس لأن أي سلام من دون حل مشكلة اللاجئين سيكون سلاماً ناقصاً وسوف يؤسس لأي حرب جديدة في الشرق الأوسط . وأوضحت الدراسة أن المسألة التي تعني لبنان رفض الوجود الفلسطيني الدائم على أرضه سواء اتخذ شكل توطين أو تجنيس أو بقاء يكتسب شرعية وحقوقاً مع تقادم الزمن .

وخلاصة الموضوع كما تطرحه الدراسة عن قضية اللاجئين يتمثل في أن مشكلة اللاجئين في لبنان معقدة بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية ، وأن هناك في لبنان من لا يتردد أبداً في التذكير بملف اللاجئين من زاويتين ، أولاً أن لبنان الداعي إلى إحقاق الحقوق التاريخية للاجئين يرفض إعطاء حقوق اجتماعية لهم لمنع التوطين ، وثانياً أن الحديث يكثر عن المشكلات التي يسببها وجود اللاجئين في لبنان على أوضاعه الداخلية مما يعني أن ترحيل الفلسطينيين من لبنان إلى دولة ثالثة يأتي في إطار حل لمشكلة لبنان حتى أن بعض اللبنانيين يربط على نحو وثيق بين عدم الاستقرار الذي يعاني منه لبنان وبين الوجود الفلسطيني على أرضه .

المصدر موقع برس شمس