البصائر العراقية..مأساة الفلسطينيين في العراق د.حارث الضاري

بواسطة قراءة 4783
البصائر العراقية..مأساة الفلسطينيين في العراق د.حارث الضاري
البصائر العراقية..مأساة الفلسطينيين في العراق د.حارث الضاري

يبدو أن مآسي الفلسطينيين متواصلة منذ مأساتهم الأولى باحتلال بلدهم فلسطين من قبل الصهاينة الغاصبين عام 1948 ولجوء أعداد كبيرة ممن احتلت مدنهم وقراهم إلى عدد من الدول العربية ، ومنها العراق حيث حمل الجيش العراقي بعد عودته من تلك الحرب الخاسرة نحو ثلاثة آلاف نسمة منهم من أهالي قرى جنين وما حولها من الذين لجأوا إليه وأتى بهم إلى العراق واستقبلهم العراقيون يومذاك استقبال الأخ لأخيه وواسوهم بما استطاعوا مما احتاجوا إليه وخففوا عنهم بعض معاناتهم وآلامهم .

 

   وتولت وزارة الدفاع يومها أمر إيوائهم والقيام بشؤونهم حتى عام 1950م ، ثم تولت بعد هذا التاريخ وزارة الشؤون الاجتماعية إدارة شؤونهم ورعايتهم حسب إمكاناتها ولم تكن الرعاية كافية نظرا لامكانات الوزارة المحدودة آنذاك ، علما أن الحكومة العراقية تكفلت بالقيام بشؤونهم ومنعت المنظمات الدولية من مساعدتهم .

 

   وقد رحب بهم عند وصولهم إخوانهم العراقيون جميعا وتعاطفوا معهم وأبدوا لهم مشاعر الود والمواساة وفسحوا لهم كل مجالات الحياة من العلم والعمل والعيش الشريف دون تمييز أو منة من أحد عليهم ، وكانوا أهلا لذلك لما هم عليه من وفاء وحب للعراق والعراقيين ، وعدم الإساءة إليه طوال إقامتهم فيه ، وليس ذلك غريبا عليهم لأنهم ذوو وأحفاد من رووا أرض فلسطين بدمائهم : أحفاد شهداء جنين وحيفا وغيرها من مواقع البطولة والاستشهاد ، وبعد طول الاقامة في العراق وتقاسمهم مع العراقيين السراء والضراء على مدى ستة وخمسين عاما مر العراق فيها بكثير من التطورات والأحداث الخطيرة التي غيرت الكثير من القيم والمفاهيم والعلاقات الاجتماعية التي كان الشعب العراقي يتحلى بها دون مبرر حقيقي لذلك وفي غير مصلحة الجميع .

 

   وأخطر تلك الأحداث هو : حدث احتلال العراق عام 2003م من قبل أمريكا وبريطانيا ومن معهما هذا الاحتلال الذي قضى على سيادة العراق وجلب له ولأهله الشقاء والدمار عدا المنتفعين منه وكان نصيب إخواننا الفلسطينيين من ذلك وافرا ، وكأن الشقاء أصبح قدرهم الذي لا ينفك عنهم في وطنهم وفي شتاتهم ولهم من الله العون على ذلك فبعد الاحتلال مباشرة هجمت عليهم مجاميع من الأوباش في مناطق من بغداد وطردت مئات العائلات من منازلها وهددت عوائل أخرى بالطرد .

 

   ولجأت العوائل الخارجة من منازلها إلى السكن في خيم من البلاستك الحار صيفا والبارد شتاء .

 

   ولا زالت كثير من العوائل تسكن هذه الخيم منذ عامين ، في حالة من البؤس والشقاء لا يعلم مداها إلا الله والقريبون منهم ولم يكتف هؤلاء الأشرار بذلك ، بل أخذوا يضايقون كل من هو فلسطيني ويتابعونهم في دوائرهم وأماكن أعمالهم وحتى في بيوتهم وتعدى الأمر إلى قتل عدد منهم عمدا وبدم بارد كما يقال : من ذلك قتلهم لخمسة فلسطينيين وهم عائدون من عملهم منهم ثلاثة أشقاء إذ تعرض ثلاثة مسلحين غير ملثمين لهم وقتلوهم وضح النهار وأمام الناس بدعوى أنهم من أعوان النظام .

 

   وهي الدعوى التي يستخدمها اليوم من يريدون تصفية الخصوم والمعارضين لرغباتهم ولم يكتفوا بذلك ، بل قتلوا غيرهم وواصلوا التهديد لآخرين ، ولفقوا التهم الباطلة لبعضهم وتسببوا في اعتقالهم من قبل قوات الاحتلال وقوات ما يسمى بالحرس الوطني .

 

   هذا إضافة إلى مضايقة عوائلهم وأبنائهم في الأسواق والمدارس وإسماعهم عبارات الشتم والعبارات النابية التي منعت الكثير من نسائهم إلى عدم الخروج من بيوتهن وكأنهم يعيشون في تل أبيب وليس في بغداد والتي يفترض أن يكرمهم أهلها لا أن يهينوهم ويؤذوهم بهذا الشكل المؤلم والمخجل .

 

   ويبدو أن وراء هذه الحملة الظالمة ، جهة حاقدة أعماها الحقد الفئوي والطائفي المقيت فأنساها العلاقات التي تربطها بهؤلاء الناس علاقات الأخوة في الدين والوطن والإنسانية ، وقيم الأخوة والكرم والشهامة التي اتصف بها العراقيون على مدى تاريخهم وخاصة مع فلسطين وأهلها المنكوبين ، وإلا فلمصلحة من هذه الأعمال والممارسات الإجرامية واللاإنسانية التي يندى لها الجبين ضد إخواننا الفلسطينيين المقيمين في العراق منذ أكثر من خمسين عاما كانوا فيها معززين مكرمين أو جهة خارجية معادية للفلسطينيين استخدمت بعض العملاء والمأجورين لإيذاء الفلسطينيين في كل مكان في وطنهم فلسطين وفي الشتات انتقاما منهم على تمسكهم بوطنهم ودفاعهم عنه وعدم استسلامهم نفسيا وعمليا وفي كل الظروف لإرادة أعدائهم ومخططاتهم ، كما استسلم كثير من العراقيين لاحتلال بلدهم ولمخططات أعدائهم فيه .

 

   ومع كل هذه الأعمال الإجرامية والشائنة ضد الفلسطينيين لم تحرك حكومة العهد الجديد في العراق ساكنا ولم تقم بأي شيء من واجبها في حماية هذه الفئة المعتدى عليها ، ولم تقدم ما يخفف شيئا من معاناتها ولا كذلك الدول ولا المنظمات العربية ، رغم سماع الكل بمأساتها وما جرى ويجري لها على يد هذه العصابات الإجرامية الحاقدة .

 

   وثالثة الأثافي : بطاقة الإقامة التي تجدد لهم كل ستة أشهر بعناء ومع الاستخفاف والسخرية بهم أحيانا مع رسم قدره عشرة آلاف دينار عن كل تجديد علما أن أكثرهم اليوم بلا عمل أو مفصولون من الوظائف منذ عامين لا يجدون ما يسدون به رمقهم اليومي ، وهكذا تتفاقم مأساة إخواننا الفلسطينيين في العراق بعد أن كانت حالهم في العراق أفضل من حال إخوانهم الآخرين في دول الشتات الأخرى ، ولم يجدوا من يسعفهم في حلها أو التخفيف من وطأتها ، أو حتى الحديث عنها ليعلم بها من لا يعلم عنها شيئا .

    وليس لنا إلا أن نقول لإخواننا الفلسطينيين : عليكم بالمزيد من الصبر الجميل والتحمل المعهود فيكم فأنتم سلالة شعب مجاهد صابر قاد ولازال يقود أطول وأشرس وأشرف كفاح قاده شعب في التاريخ ، ولتعلموا : أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا .