المؤكد أن أهمية تصريحات ظريف هذه لا تكمن في بعدها
الأخلاقي، أو الإنساني، وإنما هي ورقة سياسية تفاوضية تستخدمها إيران الآن لتقول
للمجتمع الدولي إن نظامها الحالي مختلف تماما عن نظام أحمدي نجاد الذي أنكر حصول
المحرقة. ولذا فإن السؤال للوزير والنظام الإيراني هو: وماذا عن المحرقة التي تحدث
أمام أعيننا الآن من قبل نظام الأسد بحق السوريين؟ ماذا عن الصور الأخيرة الموثقة
لتعذيب آلاف السوريين بطريقة وحشية تشبه ما حصل في «الهولوكوست» من قبل نظام
الأسد، والتي تعتبر جريمة من جرائم الحرب؟ وماذا عن استخدام الأسد للكيماوي ضد
السوريين؟ وماذا عن القنابل الحارقة التي يلقيها الأسد يوميا على السوريين؟ وماذا
عن الحصار والتجويع، ورغم كل ذلك يحظى الأسد بدعم غير محدود من قبل إيران التي
تتأسف اليوم على المحرقة النازية بحق اليهود؟ فهل علينا الانتظار حتى تقر إيران
بما يحدث بسوريا بعد عقود، وتتأسف كما تأسفت الآن على اليهود؟.
كيف يمكن أن يصدق المجتمع الدولي بعد كل ذلك الإدانة
الإيرانية للمحرقة التي وقعت بحق اليهود، بينما تؤيد طهران الأسد الذي يرتكب كل
يوم محرقة جديدة بحق السوريين؟ بل السؤال هنا أيضا: من الأَولى بالتطمين الإيراني
الآن.. العرب، وتحديدا السوريون، أم المجتمع الدولي، واليهود الذين قال عنهم ظريف
في نفس المقابلة إنه ليس لدى إيران «شيء ضد اليهود، ونكن أكبر احترام لهم داخل
إيران وفي الخارج»؟ فإذا كانت مشاعر إيران هذه صادقة تجاه اليهود، وتمثل بعدا
أخلاقيا لدى النظام الإيراني الحالي، فمن باب أولى أن تكون المشاعر الإيرانية هذه
أصدق تجاه السوريين، وعلى إيران أن تباشر بإدانة جرائم الأسد التي تمثل إحدى أبشع
جرائم عصرنا هذا.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن على عقلاء إيران، مثلا، أن
يتأملوا واحدة من عجائب هذه المنطقة، فإذا كان تنظيم القاعدة الإرهابي يصدر بيانا،
مثلما فعل بالأمس، ينفي فيه علاقته بـ«داعش»، ويقول إنه «لا صلة له بجماعة (الدولة
الإسلامية في العراق والشام)، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها، ولم تستشر، ولم
ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها، ولذا فهي ليست فرعا من جماعة قاعدة الجهاد ولا
تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاتها» - فألا يكون من
الأولى أن تصدر إيران الآن بيانا مثل بيان «القاعدة» هذا لتدين فيه الأسد وجرائمه
بحق السوريين، حتى يمكن بعده تصديق مشاعر إيران تجاه المحرقة النازية، وخصوصا أن الأقربين
أولى بالمعروف؟.
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط
4/2/2014