انتهت أخيرا محنة 178 لاجئا من فلسطينيي العراق بينهم خمسون طفلا دون الثانية عشرة بعد أن وافقت الحكومة السورية على دخولهم لأراضيها منهية بذلك محنة استمرت عدة أسابيع قضاها هؤلاء عالقين على الحدود العراقية الأردنية.
فهل انتهت بذلك مأساة فلسطينيي العراق؟
لا أظن..
فما زال هناك من يبرر العدوان عليهم وما زال هناك من يحرض على ذلك العدوان. فالرئيس العراقي جلال الطالباني قال في أحد لقاءاته الأخيرة إن فلسطينيي العراق قد تمادوا إبان نظام صدام حسين، وكان يمكننا أن نقبل كلام السيد الرئيس لو قال بأن (بعض فلسطينيي العراق)، فليس كل الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي 42 ألف نسمة حسب إحصائية 2002 (تمادوا في خدمة نظام صدام حسين). بل إنني أجزم بأن من تمادى في خدمة ذلك النظام من الأكراد ومن مناطق السيد الطالباني أكثر بكثير ممن تمادى من الفلسطينيين، وأذكره بأن ليس هناك فلسطيني واحد فعل نصف ما فعله جعفر البرازنجي الذي يحظى الآن بحمايته ورعايته. فلماذا تسامحت القيادة الكردية مع من (تمادى) من الأكراد وتبرر الآن العدوان على الفلسطينيين الذين عاشوا بأمان واندمجوا في المجتمع العراقي بحجة (التمادي). الأنهم عرب؟! ألم يكن الأجدر بالسيد الرئيس أن يراعي أوضاع الفلسطينيين ويرفع عنهم الظلم وفاء لفلسطينيين ربطته بهم أفضل العلاقات أيام معارضته لنظام صدام حسين.
أما الحركات الإسلامية الشيعية، وخاصة تلك الموالية لإيران، فقد أمعنت مليشياتها المسلحة بإيذاء الفلسطينيين وما زالت وعلى الرغم من الفتوى التي أصدرها آية الله علي السيستاني تواصل التحريض على الفلسطينيين وفي الأسبوع الماضي، وعلى سبيل المثال، كتبت صحيفة (الفتح) التي تصدرها حركة (سيد الشهداء الإسلامية) وهي حركة موالية لإيران، وتحت عنوان "الفلسطينيون وخطؤهم في العراق" تقول: "للشيعة تاريخ عظيم في نصرة القضية الفلسطينية، ولكن الجالية الفلسطينية المقيمة في العراق منذ اكثر من خمسين عاماُ والتي يقارب عددها اليوم قرابة الثلاثين الفاُ، اخذت تتبني موقفاُ معادياُ من الشيعة في العراق بل وتورط عدد كبير من افراد الجالية الفلسطينية في العراق في العديد من الاعمال الارهابية التي جرت مؤخراُ، اذ انخرطت اعداد كبيرة منهم في صفوف المجاميع الارهابية التكفيرية والبعثية الصدامية، وبالامس روي لي صديق يسكن بالقرب من مجمع العائلات الفلسطينية في الزعفرانية بانه شاهد وسمع النسوة الفلسطينيات وهن يطلقن الزغاريد ابتهاجاُ وفرحاُ!! بسقوط عدد من الشهداء العراقيين اثر حادث تفجير سيارة مفخخة في احد الاسواق القريبة من منطقتهم. واضافت الصحيفة ان هذا الشعور بالكره والموجه للشيعة بالذات نابع من خلفية الولاء القومي الذي كان الفلسطينيون يقدمونه الي حكومة البعث والذين حصلوا منها علي امتيازات مادية ومعنوية كبيرة كان العراقيون وخاصة الشيعة محرومين منها. وبعد سقوط النظام شعر الفلسطينيون بان سقوط صدام هو سقوط لهم بالذات ونهاية لتلك الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، وهو امر استغلته المجموعات الارهابية التي وجدت في الفلسطينيين الموتورين والحاقدين حلفاء لهم في اعمالهم الارهابية، وقد وجد تنظيم القاعدة في العراق التاييد والمساندة من كل الفلسطينيين المقيمين فيه!! وختمت الصحيفة مقالها بالقول: ان الانتهازية والتلون والنفاق سمة امتاز بها الفلسطينيون في تعاملهم مع الطاغية صدام، وان عليهم ان يصححوا هذا الخطا الجسيم الذي وقعوا فيه." وكما هو واضح فإن الجريدة تحرض على الفلسطينيين وتتهمهم بما تسميه (الإرهاب) في حين لم تستطع وزارة الداخلية التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية الموالية لإيران أن تقدم دليلا واحدا سليما حول مشاركة فلسطينيي العراق في أعمال العنف التي عصفت بالعراق منذ احتلاله من قبل الأمريكان. وكل ما يدور هو شائعات يروجها أفراد من المليشيات الشيعية، الهدف منها إرهاب الفلسطينيين وإجبارهم على ترك ممتلكاتهم والرحيل عن البلد الذي استضافهم قبل أن يأتي البعث للسلطة بسنوات بعيدة بجريرة بعض من تعاون منهم مع نظام البعث، رغم أن أفراد منتسبي هذه الأحزاب الموالية لإيران الذين تعاملوا مع نظام البعث وقدموا له الخدمات يزيد كثيرا على عددهم من الفلسطينيين.
ولكنها (أزمة التحريض على العرب في العصر الأمريكي في العراق) مقابل فتح الباب على مصراعيه للإيرانيين الذين أدخلوا المخدرات والجريمة للبلد.إن الحركات والأحزاب الموالية لإيران تدرك جيدا أن العدوان الذي تمارسه هو لأسباب طائفية وأنه بات مكشوفا أمام العالم، وأن الشعارات التي ترفعها لم تعد تقنع أحدا. أما الازدواجية التي تمارسها (الجمهورية الإسلامية) على الساحة العراقية فهي الأخرى أصبحت مكشوفة وواضحة، ولا ينكرها إلا أولئك الأفراد الذين ما زالت تخدعهم شعارات (معاداة الإمبريالية) و (دعم القضية الفلسطينية). فإيران مسؤولة بشكل مباشر عن الجرائم التي ترتكبها المليشيات التي نشأت برعايتها والتي ما زالت تتلقى منها الدعم والإسناد، ولا يكفي أن يعلن الرئيس (الشعاراتي) أحمدي نجاد شعاراته الفارغة بمعاداة الغرب وأمريكا وأن يقدم ملايين لدعم حكومة حماس لجعلنا نصدق مواقفه. السياسة لا تتجزأ والمواقف الصادقة هي المواقف المبدئية وليست المواقف الآنية والمصلحية، وإذا أراد الإيرانيون أن نصدقهم فإن عليهم أن ينقلوا صراعهم مع الولايات المتحدة إلى خارج الساحة العراقية وأن يتركوا العراقيين ليقرروا مصيرهم كشعب واحد عاش متجانسا ومتداخلا منذ آلاف السنين وأن يلجموا مليشيات القتل والجريمة التي تعيث في الأرض فسادا، والتي تعمل على إنهاء الوجود الفلسطيني في العراق.
21/5/2006