نهاية صادمة في سورية لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين

بواسطة قراءة 3123
نهاية صادمة في سورية لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين
نهاية صادمة في سورية لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين

في سيرة اللجوء الفلسطيني الممتد في أرض العرب بعامة، ومستجدات ما بعد اندلاع النزاع الأهلي في سورية بخاصة، ما يؤكد صحة القاعدة القائلة إن الحل الأمثل لقضية اللاجئين، أي لاجئين في كل مكان وزمان، هو عودتهم الى أوطانهم الأم، وأن أي حل بديل آخر يظل مشوباً بالنقص الذي قد يتجلى في وقت لاحق طال الزمن أو قصر .

على صعيد الاحتياجات الأساسية للإنسان، كحقوق السكن والتعليم والعمل والتنقل والملكية، وبقية شروط الحياة السوية، لم يتم التعاطي عربياً مع اللاجئين الفلسطينيين ككتلة مصمتة واحدة. فقد تراوحت أوضاعهم الحقوقية بين الجودة والسوء وفق أماكن اللجوء وطبيعة النظم السياسية فى الدول التى استقبلتهم. ثم إن هذه الأوضاع طرأت عليها أحياناً تحولات جوهرية داخل الدولة المضيفة الواحدة، وفقاً لتطورات داخلية أو إقليمية لم يكن للاجئين دخل في تحديدها .

وهكذا، فإنه إذا كانت النظرة البانورامية الشاملة، تساوي للوهلة الأولى بين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم عرباً بين مضيفين عرب، فإن التأمل في التفصيلات من قريب يبين أننا في صدد قطاعات مختلفة نسبياً من اللاجئين يخضعون لأكثر من مقاربة قانونية في البلاد المضيفة .

على سبيل التوضيح، لنا أن نلاحظ عدم التساوي بالمطلق بين الأوضاع الحقوقية والشروط الحياتية لكتلتي اللاجئين في كل من سورية ولبنان، وذلك على رغم قصر المسافة الجغرافية الفاصلة بينهما، التي لا تزيد كثيراً عن رمية حجر. فبينما ظل اللاجئون في سورية يحظون بحقوق ترقى تقريباً إلى مساواتهم بالمواطنين السوريين الأقحاح، وقع لاجئو لبنان في قعر المجتمع المضيف وعلى هوامشه بكل ما تنطوي عليه هذه المكانة من معانٍ سلبية .

للإنصاف، فإنه طوال أعوام اللجوء الفلسطيني الموشاة بالمرارات منذ نكبة 1948 وصولاً الى اللحظة الراهنة الدامية، ظل التعامل السوري مع اللاجئين بمثابة المثال الذي تهفو إليه أفئدة العاطفين على تحسين أحوال اللاجئين الفلسطينيين عموماً فى الرحاب العربية قاطبة. وفي مقابل الاستقرار الحقوقي في المثل السوري، سيق اللاجئون في نماذج الدول المضيفة الأخرى الى الخوض عنوة في قضايا خلافية وجدالية داخلية وإقليمية، ارتدت على شؤونهم بخسائر فادحة .

ففي لبنان منتصف سبعينات القرن الماضى، أجبر اللاجئون على أن يكونوا طرفاً بين فرقاء حرب أهلية شبه طائفية. وكان من تبعات غزو عراق صدام حسين للكويت عام 1990 أن دفع بعض فلسطينيي الملاجئ الخليجية، وفي طليعتها الكويت، ثمناً باهظاً من أنفسهم وأموالهم واستقرارهم، وتحولوا الى لاجئين للمرة الثانية والثالثة، ومنهم من صار عالقاً على الحدود المشتركة في صحارى وقفار الشام وشمال شبه الجزيرة العربية. وحدث الشيء ذاته للفلسطينيين في العراق جراء احتلاله العام 2003؛ الذين انتهت السياحة المؤلمة ببعضهم في أرض الله الى اقامة مزرية في البرازيل . ولم يجد نظام العقيد القذافي البائد وسيلة لإثبات أن اتفاق أوسلو عام 1993 لم يقم دولة فلسطينية، غير إلقاء مئات من اللاجئين على قفار الحدود الشرقية لبلده، كي تتولى قيادتهم تطبيق حقهم في العودة إن استطاعت ! .

بين يدى هذه الأمثلة ونحوها، لم تعبأ العواصم المضيفة بعذابات اللاجئين وإنسانيتهم، ولا انشغلت أو ارتدعت بأنهم جزء من لحم الأمة ودمها؛ قدر له مواجهة غزوة وضعت قدمها في فلسطين أولاً، وأن بلاد العرب كلها ربما كانت مرشحة لخطواتها التالية في شكل أو آخر. بل ولم يسأل صناع السياسة والقرار في هذه العواصم أنفسهم، عما إذا كانت قيودهم على حيوات هؤلاء اللاجئين تتناسب والعهود والمواثيق الإقليمية والدولية الخاصة بمعاملة اللاجئين عموماً، حتى وإن لم يكونوا عرباً أمثالهم ؟ .

ما يعنينا من استحضار هذه الوقائع التذكير بأن لاجئي الاستضافة السورية ظلوا مطولاً بعيدين نسبياً عن تبعات الاحتقانات والمشادات والاشتباكات الداخلية والبينية العربية؛ التي أوقعت نظراءهم في دول مضيفة مجاورة في أحابيلها. والظاهر أن هذه «النعمة» أوشكت على الأفول وبطريقة انعطافية حادة وبالغة القسوة، نتيجة الصراع الدامي بين النظام السوري ومعارضيه. والعبرة هنا أنه في غضون هذا الصراع، أطلت القاعدة التي سرت على بقية قطاعات اللاجئين الفلسطينيين، بحيث أضحى لاجئو سـورية بـدورهم في مـرمـى نـيران لم يألفوها من قبل ولا يدرون كيف يتـقـون لـظاهـا. وهم الآن بين عدو يتجـهـمهم وشـقيـق مـلك أمـرهـم ومدارات حياة لم يجربوها. ومن المؤكد أن هؤلاء يعانون راهناً أزمنة طاحنة، لا سيما في اللحظات التي يعن لهم فيها القياس والمقارنة بين ما كانوا فيه بالأمس القريب وما أصبحوا عليه اليوم .

وبغض النظر عن التلاؤم المحتدم حول الجهة المسؤولة عن استدراج اللاجئين الى هذه المعمعة، تبقى النتيجة واحدة وهي أن حالة اللجوء الفلسطيني تضع أصحابها على حافة أخطار، بعضها معلوم يمكن اتقاء شروره ولو بشق الأنفس، وبعضها مجهول لا يدري أحد متى وكيف ومن أين يقع؟ وفي ذلك حجة داحضة للزعم بأن معالجة هذه الحالة قد تمر بسلام من دون تطبيق حق العودة الى الوطن الأم .

 

المصدر : أمد للإعلام

26/2/2013