في خبر مفاده أن (المفوضية العليا لشؤون اللاجئين)، التابعة للأمم المتحدة، أقامت مدرسة لأطفال اللاجئين الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل وأقاموا على الحدود السورية العراقية. ألا يذكر هذا الخبر العرب العاربة والمستعربة بفيلم (على الحدود) للفنان الكبير دريد لحام والفنانة العظيمة رغد. لقد كان ذلك الفيلم من نوع الكوميديا السوداء.
أضحك الجمهور العربي وكأن ذلك من الخيال العلمي أو الأدبي في ذلك الوقت. تقطعت السبل بعبدالودود الذي فقد أوراق الثبوت فلم يتسطع العودة إلى بلده الأصلي ولم يستطع عبور الحدود إلى الطرف الآخر واضطر في نهاية المطاف أن يقيم في سيارته على الحدود أياما وشهورا إلى أن انتهى به الأمر إلى الزواج من الفتاة (سعدى) التي كانت تتكسب رزقها من تقديم الوجبات الخفيفة لحرس الحدود والعابرين. لقد كبرت عائلة عبدالودود ولم يتغير وضعه وبقي على الحدود بلا هوية.فها هو الواقع أمامنا يحصل الآن مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تشريدهم من بيوتهم قسرا وعنوة وفرارا من التنكيل والقتل.
كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق 43 ألف نسمة وهم يقيمون منذ النكبة الأولى أي حوالي 60 سنة ولم يتبق منهم سوى 18 ألف نسمة منذ الغزو الأمريكي للعراق. وحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وشهود العيان أنه بدأ التنكيل باللاجئين الفلسطينيين منذ الأيام الأولى للغزو الأمريكي. لقد تم اختطاف وقتل العشرات وتشريد العائلات من بيوتهم حيث لجأوا إلى خيام في بادئ الأم في ملعب حيفا الرياضي ومن ثم طردهم من البلاد باتجاه الأردن وسوريا لا لذنب اقترفوه سوى أنهم فلسطينيون.
ومن تلك الممارسات ما ذكرته منظمة (هيومان رايتس ووتش) Human Rights Watch، بتاريخ 7-10-2006، أن جماعات شيعية مسلحة هددت بتصفية الفلسطينيين ما لم يغادروا العراق في غضون ثلاثة أيام. وقالت المنظمة إنها حصلت على منشور يحمل اسم "كتيبة الثأر آل البيت ـ وحدات الرد السريع" ، جاء فيه أن "لا مكان للفلسطينيين في عراق علي والحسن والحسين." وحذر المنشور أيضا من أن سيوفنا يمكن أن تصل إلى الرقاب»، وحث المنشور أيضا الفلسطينيين على "مغادرة العراق في غضون ثلاثة أيام والذهاب لمقاتلة الاحتلال في بلدكم"، في إشارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال سكان في بغداد إن شاحنات تحمل مكبرات صوت جالت في حي الدورة في 25 و30 سبتمبر 2006 وأطلقت تهديدات بالموت ضد الفلسطينيين.
وقالت (سارة ليا ويتسون)،مديرة (هيومان رايتس ووتش) في الشرق الأوسط: "إن التهديدات بالقتل هذه تؤكد على العنف المستمر ضد اللاجئين الفلسطينيين في العراق في أعقاب الإطاحة بحكومة صدام حسين." وذكرت المنظمة الحقوقية أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تحرك ساكنا لحماية اللاجئين الفلسطينيين خلال العامين الماضيين، بل أنها عبرت عن عدائية معلنة ضدهم من خلال الإدعاء أنهم متورطون في الإرهاب ويدعمون المقاومة. وقام مسؤولون في وزارة الداخلية العراقية باعتقال وتعذيب لاجئين فلسطينيين، كما كانوا مسؤولين عن اختفاء فلسطينيين في عدد من الحالات ومن هذه الحالات التي عرفتها شخصيا هي اختطاف صديق لي واسمه (عدنان صفوت إبراهيم) مدرس للغة الإنجليزية وعثر على جثتة في شارع أبى نواس.
كما واصلت الحكومة العراقية إزعاجها للفلسطينيين بدلا من تقديم الحماية لهم بسبب وضعهم كلاجئين الذي تعترف به الحكومة العراقية رسميا. وقالت (ويتسون) إن على الحكومة العراقية والقوات التي تقودها الولايات المتحدة توفير الحماية الكافية للجالية الفلسطينية في بغداد.
وأضافت أن على الحكومة العراقية التحقيق مع ومحاكمة المسؤولين عن الاعتداءات والتهديدات المستمرة للفلسطينيين. كما حثت المنظمة دول الجوار العراقي، وبخاصة سوريا والأردن، على فتح حدودها أمام اللاجئين الفلسطينيين الذين يفرون من العراق.وعبرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة عن قلقها العميق على حياة اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يزالون في العراق فهم يفتقدون الحماية وما زالوا هدفا للمضايقات والتهديد والخطف والقتل. ولقد بلغ عدد القتلى والجرحى والمختطفين والمفقودين حتى الآن ما يقرب من 350 شخصا.
وفي أواخر شهر أيلول الماضي سلم مسلحون تهديدات مكتوبة لعدد من الفلسطينيين، وكانت تهديدات مشابهة سلمت في وقت سابق من هذا العام وأدت إلى حالة من الذعر بينهم وكثير منهم حاول الفرار نتيجة لتلك التهديدات. وإن من فروا من العنف في بغداد ما زالوا عالقين على الحدود السورية العراقية أو في مخيمات في الأردن وسوريا. لقد قامت منظمة العودة لجنة دعم اللاجئين بتوثيق بعض المعلومات والحقائق عن اللاجئين كما يلي:
• 43 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في العراق قبل الغزو الأمريكي 2003.
• واجه العديد منهم المضايقات والتهديد بالترحيل والإساءة إليهم في الإعلام والاعتقال التعسفي والتعذيب والتنكيل والقتل.
• لقد تم قصف أماكن تواجدهم وسكناهم مثل الحرية والبلديات في بغداد وتم مهاجمتها منذ الاحتلال الأمريكي.
• قتل العديد منهم أو سجن أو أجبر على الرحيل.
• طرد العديد منهم من بيوتهم واتخدوا خياما موقتة في ملعب حيفا الرياضي في بغداد.• تقطعت بالذين طردوا وأجبروا على الرحيل السبل على الحدود السورية والأردنية.
• أنتهى المطاف باللاجئين في مخيمات على الحدود السورية: مخيم الحول ومخيم التنف ومخيم الوليد وعلى الحدود الأردنية: مخيم الرويشد.
وتستمر معاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق وفي مخيمات البؤس والشقاء التي تفتقد لأبسط شروط الإنسانية والتي أعادت لهم ذكرى نكبة 1948. نستغرب موقف الأشقاء في سوريا وفي الأردن. لماذا يصرون على اضطهاد هؤلاء المعذبين في الأرض؟ أليسوا بشرا؟ أليسوا من أبناء جلدتهم؟ ألا يكونوا بتلك المواقف متساوقين مع الاحتلال الأمريكي وعملائه؟ لماذا لا يعتبرونهم كالعراقيين وقد بلغت أعدادهم بمئات الألاف ربما الملايين في الأردن وفي سوريا؟ الا يستطيع الأردن أو سوريا استيعاب بضعة مئات من اللاجئين الفلسطينيين حقا؟ موقف يستعصي على الفهم والتفسير!!وكذلك إيران التي لا نزال نجل ونحترم مواقفها المبدئية تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين، لم نسمع منهم أي كلمة أو أي موقف مما يحصل للاجئين الفلسطينيين وخاصة أن من ينكل ويخطف ويقتل هم على علاقة جيدة مع النظام الإيراني وكذلك حكومات العراق المتعاقبة هي على علاقة جيدة مع إيران. إن هذا الالتباس في الموقف الإيراني في العراق يرسم سؤالا كبيرا لدى الرأي العام العربي. ومن موقف الصديق والناصح والمخلص، على إيران أن تعلن مواقف واضحة من قضايا العراق المحتل إن كان من جهة التدخل المباشر لحماية الفلسطينيين وإن كان من جهة إعلان أن العراق، بصراحة ودون لبس، بلد عربي لطمأنة الرأي العام العربي المتوجس من التباس الموقف الإيراني في العراق حاليا. ومثل هذا الموقف يفوت الفرصة على الاحتلال الأمريكي من استمراره في زرع الفوضى الخلاقة عبر إذكاء الفتن المذهبية والطائفية كما نراها تلوح في الأفق في لبنان وفلسطين والمستعرة في العراق الحبيب.
9/2/2007