بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمدلله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 102] .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء : 1] .
وبعد ..
قال تعالى :
{ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } . سورة الحج ، الآية (75) .
{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ } . سورة فاطر ، الآية (24) .
{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل : 78] .
وقال تعالى :
{ وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . سورة البقرة، الآية (31) .
{ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } . سورة البقرة ، الآية (32) .
وقال تعالى :
{ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } . سورة البقرة ، الآية (33) .
آيات قرآنية كريمة عديدة نزلت بحق سيدنا آدم عليه السلام ، فهو أول مخلوق في كوكبنا الأرض الذي نعرفه ، وهو أول مسلم وداعية الى الخير وطاعة الله سبحانه ، هؤلاء الأنبياء والرسل عليهم السلام من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، هؤلاء هم رسل الله سبحانه الى الأمم وكل البشر ، قال تعالى :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء : 25] .
هؤلاء هم رسل الله سبحانه وأنبيائه عليهم السلام ، مؤمنون ، مسلمون ، موحدون ، لا نفرق بينهم ، فكل من وردت سيرته أو ذكره في القرآن الكريم نحبهم ونجلهم ونذكرهم بخير ولا نفرق بينهم ، قال تعالى :
{ قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . سورة البقرة ، الآية (136) .
أنبياء الله سبحانه ورسله عليهم السلام ، مهما بعدت المسافات الزمنية والمكانية بينهم من آدم إلى نوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام .
ومهما كانت ألوان ولغات القبائل والشعوب والأمم التي أرسلوا إليها ، فالدين هو الإسلام ، هو الاذعان ، هو الانقياد ، هو الاستسلام لله تعالى رب المشارق والمغارب ، مهما اختلفت الأماكن والأزمان والألوان واللغات واللهجات ، فالدين هو الاسلام ، دين البشرية جمعاء ، قال تعالى :
{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . سورة آل عمران ، الآية (19) .
قال تعالى :
{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } . سورة آل عمران ، الآية (83) .
{ ... وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } . سورة الأنعام ، الآية (71) .
فالله سبحانه وتعالى الذي علم محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم الآيات البينات ، كذلك علم الله سبحانه آدم عليه السلام الأسماء كلها كمسلم ورسول وأنسان ، وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ... الأنبياء أخوة من علات . وأمهاتهم شتى ) رواه مسلم ، ومعنى العلات : أخوة الأب ، يسمون بنو العلات ، ومعنى أمهاتهم شتى أي : مناهج العبادات والمعاملات تختلف في بعض الأحيان عن شرعنا باختلاف الزمان والمكان والحالة .
فالأنبياء عليهم السلام إذن أخوة في العقيدة والإيمان ، وكلهم على عقيدة واحدة ، أحدهم متمم لرسالة ومهمة الآخر الذي قبله ، إلا بعثة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء والرسل ، وهو ناسخها ، قال تعالى :
{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . سورة آل عمران ، الآية (19) .
وقال تعالى كما سبق :
{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } . سورة آل عمران ، الآية (83) ، وغيرها العديد من الآيات التي تصب في نفس المعنى .
المفسر والمؤرخ (ابن كثير) في قصص الأنبياء حول آدم عليه السلام ذكر في هذا السياق هذه الأمور والحقائق الشرعية السالفة ، فقال عن تكريم آدم عليه السلام أن الله سبحانه قد بين فضل آدم عليه السلام على الملائكة، إذ كتب ابن كثير :
(ثم بين لهم شرف آدم في العلم فقال وعلم آدم الأسماء كلها) ، قال أبن عباس : هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : انسان ، ودابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وجمل ، وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها1 ، وقال مجاهد : علمه أسم كل دابة ، وكل طير وكل شيء كذلك قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد .
ذكر الامام البخاري ها هنا ما رواه هو ومسلم2 عن طريق سعيد وهاشم عن قتادة ، عن أنس ابن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون : لو استشفعنا الى ربنا ؟ فيأتون آدم فيقولون : أنت ابو البشر، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ... ) ، وذكر تمام الحديث3 .
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في (معجزة القرآن) تحت عنوان :
- وعلم آدم الأسماء كلها ، قال :
"ونعود بعد ذلك الى بداية البشرية، اذا كان العالم قد ابتدأ من ذكر وأنثى كما دللنا على ذلك ، فكيف تكلما ، كيف تفاهما ، لا بد أنهما سمعا شيئا اعتادت عليه آذانهما ، فنطق به لسانهما وتكلما به ، ولكن كيف سمعا وهما الأول والبداية ، وممن سمعا ؟ إذن لا بد أن يكون هناك سمع ليس من جنسيهما ، لأنهما الأصل في الجنس البشري ، أن من لا يسمع لا ينطق كما نعرف جميعا ، إذن لا بد أن يكون قد علمهما معلم آخر ، لأنه لا بد أن يكون الله سبحانه وتعالى قد كلمه فسمع ، وكلم آدم حواء فسمعت ، وبدأت اللغة ، لغة التخاطب نقلا عما علمهما الله ، هذا وقع ما دامت هذه الإنسانية كلها قد بدأت من ذكر وأنثى ، وكان بين هذ الذكر وهذه الأنثى تفاهم ، فلا بد أنهما سمعا الكلام"4 .
ويضيف الشعرواي رحمه الله : "وهنا يأتي قول الله سبحانه وتعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها } ليشرح لنا ما حدث ، فالله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء .. أي اللغة التي يتحدث بها ويتفاهم بها .. ويتكلم بها ، ومن معجزات القرآن أن ذلك لا يزال هو المتبع حتى الآن رغم مرور ذلك الوقت الطويل وهذا التقدم العلمي الضخم في العالم ، فنحن الآن حين نريد أن نعلم طفلا أن يتكلم فاننا نبدأ بأن نعلمه الأسماء ، ولا نبدأ بأن نعلمه الأحداث أو أي شيء آخر ، إنما نعلمه الأسماء أولا ، أول شيء نقول له هذا قلم .. وهذه كراسة .. وهذا أسد .. وهذا كوب .. وهذا طعام .. وهذا طريق .. وهذا نور .. وهذا ظلام ، نعلمه الأسماء أولا ، وبعد أن يتعلم الأسماء تصبح الاشتقاقات من الأسماء أو أخذ الأحداث منها عملية سهلة ، إذن عندما يقول الله سبحانه وتعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها } فيجب أن نعرف أن الله قد علم آدم لغة الكلام ، وأن لغة الكلام حتى عصرنا هذا تبدأ بتعليم الأسماء كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم"5 .
فالقرآن الكريم أعظم وأشهر وأهم وخاتم الكتب السماوية المشرعة ، أنزله الله سبحانه وتعالى للبشر .. لكل البشر، لهدايتهم واسعادهم والعمل بمقتضاه ، فيه من البلاغة والرصانة والإعجاز ما يعجز كل البشر عنه ، وحفظه الله لنا الى يوم القيامة .
فالله سبحانه وتعالى هو الذي علم آدم عليه السلام الأسماء كلها , فآدم عليه السلام هو أبو البشر ، خلقه الله من طين بيده ، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له ، امتنع ابليس من السجود له فطرد من الجنة ، ومما خلق الله حواء لأجله هو خلقها لآدم عليه السلام ليرتاح اليها ، ليستأنس بها ، ويسكن اليها ، وأسكنهما الجنة ، وفي الجنة أغواهما ابليس بالأكل من الشجرة التي نهيا عنها ، ثم تاب آدم عليه السلام من خطيئته ، فعفى الله سبحانه وتعالى عنه بعد ندمه وتوبته ، وأخرجه من الجنة .
ثم هبط آدم عليه السلام وحواء الى الأرض ، وكذلك (ابليس)، وأمرهما الله سبحانه واعلى بأن يتخذا ابليس عدوا ، وولد لهما ولدان هما قابيل وهابيل ، ووقع الحسد من قابيل على أخيه هابيل فقتله ، ورد ذكر سيدنا آدم عليه السلام في القرآن الكريم (25) مرة .
توفي آدم عليه السلام يوم الجمعة وعمره (1000) ألف سنة ، يقال انه منح منها (40) سنة إلى ولده داود عليه السلام ، ويقال انه دفن عند الجبل الذي هبط عليه في الهند ، وقيل عند (جبل أبي قبيس) ، توفيت أمنا حواء بعد زوجها آدم عليه السلام بسنة واحدة ، قام بأعباء الرسالة والدعوة إلى طاعة الله وعبادته من بعده ابنه (شيت) عليه السلام ، من هذه المدة التي عاشها آدم عليه السلام (ألف سنة إلا قليلا) منها فترة (100) سنة قضاها بمفرده ، ثم مع حواء في الجنة ، ومن أولاد النبي شيت (إدريس) عليه السلام ، فالنبي شيت هو جد جد والد إدريس ، أعطي النبوة وشرف الرسالة بعد شيت وآدم عليهما السلام .
تجاه ذلك فعلى كل مسلم إذن :
- الإيمان بهم دون تفريق وهو من أركان العقيدة الإسلامية .
- إجلالهم واحترامهم .
- كلهم مؤمنون مسلمون موحدون .
- التمثل بهم والأخذ بسيرتهم والتشبه بهم6 .
قال الأستاذ الشيخ توفيق عبدالخالق الداود (شيخ الجالية الفلسطينية في العراق) رحمه الله في هذا الصدد بعنوان : تعليم آدم الأسماء ، قال :
"ولقد علم الله آدم الأسماء كلها ، وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الأسماء ، والرأي الراجح فيها وهو رأي ابن عباس أنه علمه اسم كل شيء ، هذه دابة ، هذا بحر ، هذا المثال يذكره ابن عباس كل شيء علمه في السموات والأرض ، أي علم هذا ، فأي إنسان اليوم لا يعرف كل شيء ، وقد تأتيك بعض المخلوقات لا تعرف أسماءها ، فآدم عليه السلام كان يعرف كل شيء ، وكانت له القدرة على تسمية أي شيء ، علمه الله صنعة كل شيء ، صنعة النار وصنعة الخشب ، ورفعه الله بالعلم والعقل7 ، { وعلم آدم الأسماء كلها } من سورة البقرة الآية (31)" .
يضيف الأستاذ الشيخ توفيق عبدالخالق :
"بدأ الله عز وجل بعرض الأشياء على الملائكة ليبين الله لملائكته أنه قد خلق خلقا أكرم منهم ، وأعظم منهم ، فعندما أمرهم بالسجود له ، كان الأمر أمر سجود تكريم وليس عبادة ، فسجد الملائكة وامتنع ابليس ، وسجود التكريم كان جائزا ثم صار محرما ، يبين الله سبحانه وتعالى في هذا الموقف وفي غيره ، يبين للملائكة أن آدم عليه السلام أعلم منهم فيقول جل جلاله فإذا كنتم أعلم من آدم فأنبئوني بهذه الأسماء ، فقالوا لا علم لنا إلا بما علمتنا :
{ وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) } . من سورة البقرة .
فقال الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام :
{ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) } . من سورة البقرة . فبدأ آدم عليه السلام بتسمية كل شيء8" .
فبقدرة الله سبحانه وتعالى ، وتدبيره وترتيبه ، أن آدم عليه السلام حينما كان في الجنة لم يكن عاريا ، وحينما خلق حواء من ضلعه لتؤنس وحشته كانت أيضا معه في الجنة ، ولم تكن عارية أيضا .
ولقد أنزل الله اللباس لآدم عليه السلام في الجنة وفي الأرض ، قال تعالى :
{ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } . سورة الأعراف ، الآية (26) .
فإن من أول يوم خلق فيه آدم عليه السلام لم يكن عاريا ولم يعرف العري لا هو ولا زوجته :
{ إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى } . سورة طه ، الآية (118) . قال تعالى : { وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } [البقرة : 35] .
لقد عاش سيدنا آدم عليه السلام (960) سنة ، ومات آدم عليه السلام بعد حياة طويلة كانت كلها طاعة لله ولم يعص ربه إلا مرة واحدة ، عندما أكل من الشجرة ثم تاب ، فهو أسوة وقدوة لنا ، وهو عليه السلام أول إنسان مخلوق في دنيانا وأول رسول فهو رسول مؤمن مسلم بالله مطيع له ، وان الله عز وجل علم آدم عليه السلام الأسماء ومن بعده ذريته كل ما يحتاجونه في خلافتهم للأرض ، فعلمهم مسميات كل شيء ، كما ان آدم عليه السلام كان نبيا ورسولا لذريته فعلمهم أمور الدين والدنيا9 .
إذن ومما تقدم فإن سيدنا آدم عليه السلام هو أول مخلوق وإنسان في دنيانا التي لا نعرف سواها ونجهل غيرها ، وهو عليه السلام أول مسلم وأول رسول وداعية إلى طاعة الله سبحانه وتعالى .
وأقول ان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى صلى بالأنبياء إماما وسلم عليهم في الأرض في باحة المسجد الأقصى ، وفي السموات العلى سلم على الأنبياء برفقة الملك جبريل ، وفي كتاب الإسراء والمعراج بقلم فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) ذكر في صفحة (22) :
" ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، فقيل : ومن أنت ؟ قال جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، فقيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه. ففتح لنا ، فإذا أنا بآدم ، فرحب ودعا لي بخير"10 .
رشيد جبر الأسعد
أبو محمد
جمادى الآخر 1433 هـ - نيسان 2012
مصادر ومراجع البحث :
1- أخرجه الامام الطبري في تفسيره ، ج1 ، ص (215) ، وابن حاتم في تفسيره ص (336) .
2- الامام البخاري (447)، ومسلم (193) ، والنصوص أعلاه عن الحافظ عمادالدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير، في : قصص الأنبياء ، الطبعة التي تعتمد تصحيحات وتضعيفات أحاديثها على أحكام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) ، نشر دار ابن الجوزي ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1426هـ ، 2005 م ، ص (8) .
3- الحافظ عمادالدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير في : قصص الأنبياء ، المصدر السابق ، ص (6) .
4- الشيخ محمد متولي الشعراوي : معجزة القرآن ، نشر مكتب المختار الإسلامي للطباعة والنشر ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1398هـ ، الموافق 1978م ، ص (56) .
5- الشيخ محمد متولي الشعراوي : المصدر السابق ، ص (57) .
6- الدكتور محمد سعيد عواد المعاضيدي : موجز سيرة الأنبياء ، 10/10/1994م ، نشر مكتبة النهضة ، بغداد ، ص (3) ، مع تصرف بسيط .
7- إعداد : توفيق عبدالخالق : آدم نوح هود صالح عليهم السلام ، سلسلة من قصص الأنبياء ، اصدارمعهد الخطيب للحاسبات ، طبع في شركة الخنساء للطباعة المحدودة ، بغداد 4/5/2000م ، ص (9) .
8- إعداد : توفيق عبدالخالق : آدم نوح هود صالح عليهم السلام ، المصدر السابق ، ص (9) .
9- إعداد : توفيق عبدالخالق : آدم نوح هود صالح عليهم السلام ، المصدر السابق ، ص (17، 18، 19) .
10- فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) : الإسراء والمعراج ، نشر المكتب الإسلامي ، عمان ، الأردن ، 1421هـ ، الموافق 2000م ، ص (3) .
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"