بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم أما بعد :
فهذه حلقة جديدة نتناول فيها جهبذ من جهابذة الاسلام الا وهو الإمام الشافعي رحمه الله العالم النحرير الذي جمع بين مدرستي الحديث والرأي .
الشافعي هو أبو عبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي .
ولد الإمام الشافعي على أرجح الاقوال في فلسطين في غزة عام 150 هـ وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة رحمه الله وهو مطلبي اي ذو نسب شريف حيث يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في عبد مناف ، وشافع بن السائب هو الذي ينتسب اليه الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، واسر ابوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم أسلم ، ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف .
ولعلو نسبه ورغبة من أمه في حفظ ذلك النسب عادت به أمه الى مكة وهو ابن سنتين ، أتم الامام الشافعي حفظ القران وهو ابن سبع سنين وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن ثلاث عشرة سنة .
رحلت به أمه إلى المدينة ليتلقى العلم على يد الامام مالك فلازمه لمدة ستة عشر سنة كما أخذ العلم على يد ابراهيم بن سعد الانصاري ، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم .
ودرس الفقه كذلك يد عالم مكة " مسلم بن خالد الزنجي " فأذن له بالإفتاء و التدريس و عمره خمس عشرة سنة .
كما أذن الإمام مالك له بالافتاء وهو ابن عمر 16 سنة وبقي في المدينة إلى أن توفي الإمام مالك رحمه الله سنة 179هـ ، وكان عمر الشافعي حينئذٍ 29 سنة .
لقد كان الامام الشافعي فصيح اللسان , فقد عاش في صباه في قبيلة هذيل العربية وكانت من أفصح العرب , وذلك اثر في فصاحته وتبحره في اللغة والأدب والنحو ، اضافة الى اطلاعه الواسع حتى اصبح مرجعا وحجة في اللغة والنحو وعلوم العربية .
قال أيوب بن سويد : خذوا من الشافعي اللغة .
وقال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا .
وقال احمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما الا وللشافعي في عنقه منة .
قال الأصمعي : صَححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس .
لقد كان الإمام الشافعي شجي الصوت بالقران : قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران ، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فإذا رأى ذلك أمسك من القراءة .
ان فقه الشافعي يعتبر وسطا بين فقه اهل الحجاز الذي يمثله الامام مالك رحمه حيث درس على يدية وهو يعبر عن مدرسة اهل الحديث وبين مدرسة اهل الراي في العراق حيث درسها الامام الشافعي على يد الامام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة .
وهو وضع قواعد الاستنباط المستقلة به ليميز بين فقه الحجاز وفقه العراق ، وهو أول من دوَّن علم أصول الفقه في كتاب الرسالة , والف في بغداد كتابه الحجة في الفقه حيث ظهر فيها اجتهاده ومن ثم رحل الى مصر والف هناك كتابه الأم الذي غير فيه بعض اجتهاداته الفقهية واصبح الكتاب هو المرجع في المذهب .
ومن خشية الشافعي : قال الحسن الكرابيسي : بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحواً من ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية ، فإذا أكثر فمائة آية ، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين ، وكأنما جمع له الرجاء والخوف معاً .
وروى سفيان بن عيينة حديثاً في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له : قد مات ، فقال : إن مات فقد مات أفضل زمانه .
ومن كرم الشافعي : قال الحميدي : خرج الشافعي إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجاً عن مكة فكان الناس يأتونه ، فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها .
وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالاً كثيراً ، وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين ديناراً .
قال الربيع ولقد سمعنا بالأسخياء وكان عندنا منهم قوم وما رأينا مثل الشافعي .
وحدث محمد بن عبد الله المصري قال : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد ، قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام ، قال لي الشافعي : أفلست في عمري ثلاث إفلاسات ، فكنت أبيع قليلي وكثيري ، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط .
قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل ، ويبادر بإعطائه .
من اقوال الامام الشافعي : عن الربيع بن سليمان قال : قال لى الشافعى : "يا ربيع ، رضا الناس غاية لا تدرك ، فعليك بما يصلحك فالزمه ، فإنه لا سبيل إلى رضاهم ، واعلم أن من تعلم القرآن جل فى عيون الناس ، ومن تعلم الحديث قويت حجته ، ومن تعلم النحو هيب ، ومن تعلم العربية رق طبعه ، ومن تعلم الحساب جزل رأيه ، ومن تعلم الفقه نبل قدره ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه رأيه ، وملاك ذلك كله التقوى .
وقال ابو الوليد : سمعت الشافعي يقول ما ناظرت احدا قط فأحببت أن يخطئ .
قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : ما كذبت قط ولا حلفت بالله قط صادقا ولا كاذبا .
وقال : أصل كل عداوة الصنيعة إلى الأنذال .
وقال من أحسن ظنه بلئيم كان ادنى عقوبته الحرمان .
وقال : خير الدنيا والاخرة في خمس خصال : غنى النفس وكف الاذى وكسب الحلال ولباس التقوى والثقة بالله في كل حال .
وقال : من اظهر شكرك بما لم تأت اليه فاحذر ان ينكر عليك نعمتك فيما اتيت اليه .
وقال : لا تشاور من ليس في بيته دقيق .
ومن شعره رحمه الله :
عليك بتقوى الله ان كنت غافــــلا *** يأتيك بالأرزاق من حيث لاتــدري
فكيف تخاف الفقر والله رازقــــــا *** فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن ان الرزق يأتي بقــــــوة *** مـا أكـل الـعصفـور مـن النســــــر
نزول عـن الدنـيا فـانك لا تــدري *** إذا جن ليل هل تعش الى الفجـــــر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهـر
وقال ايضا :
لما عفوت ولم احقد على أحـد *** أرحت نفسي من هم العــداوات
اني أحيي عدوي عند رؤيتــه *** لأدفع الشــر عـني بـالتحيـــات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه *** كما ان قد حشى قلبي محبـــات
الناس داء وداء الناس قربهـم *** وفي اعتـزالـهم قطـع المــودات
رحم الله الإمام الشافعي رحمة واسعة وجزاه الله عن المسلمين خيرا وأدخله فسيح جناته اللهم آمين .
جمع وترتيب أخوكم : وليد ملحم
17/8/2011
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"