فعلى سبيل المثال لا الحصر أمعنوا النظر وتأملوا في هذه القصة الحقيقة المؤلمة تعرض لها الشاب الفلسطيني المسالم الذي ليس له علاقة بمجريات الأحداث السياسية وغيرها إلا أنه يسعى لكسب رزقه في محل لبيع خطوط الهاتف النقال وما يتعلق به من كماليات .
ففي شهر شباط من العام الحالي وكما هو معتاد ذهب ياسر نافذ للتبضع من الوكيل المعتمد للشركة الرئيسية للهاتف المحمول في منطقة الكرادة داخل ولغرض شراء بطاقات التعبئة وبعض أجهزة النقال وبعض الكماليات وفي هذه الأثناء تعرض لاعتداء من قبل بعض المجهولين وسرقوا ما بحوزته من أموال وأجهزة وأدموه ضربا مبرحا مع الشتائم والسباب المقصود لكونه فلسطيني حتى رقد في المستشفى بضعة أيام .وتستمر معاناة هذا الشخص حيث التقى به أحد الزبائن صباح هذا اليوم الموافق 2/6/2005 طالبا منه شراء كارت لتعبئة هاتفه المحمول فقال له ياسر بلغة الخائف والمترقب لما يدور حولنا من أحداث مؤلمة واعتداءات فظيعة : إنني ذهبت قبل يومين لشراء وجلب بعض الحاجيات للمحل وفي طريق عودتي أوقفتني سيطرة (نقطة تفتيش) في منطقة الكرادة تابعة للواء الحسين التابع لوزارة الداخلية وبعد أن علموا إنني فلسطيني انهالوا علي ضربا مع الشتائم الغير لائقة وتحدث أحدهم مخبرا مسؤوله أنهم عثروا على إرهابي من غير أي مقدمة أو مبرر . مع أن ياسر أكد في حديثه قد أنجز كل الإجراءات الشرعية والقانونية لإثبات إقامته واظهر لهم أوراق تثبت ذلك (بالرغم من إن ياسر من مواليد العراق وأهله لاجئون منذ عام 1948ومثله كثير) فقالوا أن هذه غير قانونية (مزورة) وأصروا على ذلك علما جميع الإجراءات التي قام بها ياسر أصولية ، والكلام ذو شجون إلا أنه من باب الشيء بالشيء يذكر ، عمليا لا يمنع أي جهة أمنية التردد أو التفكير بالتراجع عن اعتقال أي مواطن فلسطيني لأدنى وشاية وأوهى حجة حتى لو أظهر من الأوراق الثبوتية والرسمية التي تثبت بأنه مولود في العراق ونشأ وترعرع فيه حتى لو كان ذلك من خلال الوزارات التابعة للحكومة الحالية . لأنه أصبح الفلسطيني بحد ذاته ووجوده تهمة لا تدفعها أي إثباتات شرعية أو قانونية .
وقال ياسر أنهم عندما أخذوه شاهد معتقلين قد وضعت الأكياس في رؤوسهم وتساءل في نفسه هل سيكون مصيره كهؤلاء ويظهر على شاشة التلفاز بأنه فجر كذا وقتل كذا وعمل كذا لكثرة من افتري عليهم في ذلك .
ثم تابع الحديث ياسر قائلا إنهم لم يتركوه إلا بعد أن أعطاهم مبلغا من المال يقدر بـ17 $ .
وبعد هذا الكلام مع هذا الزبون وعده ياسر بأنه سيذهب بعد قليل إلى الشركة المذكورة للتبضع وجلب كارتات لهذا الزبون ولغيره ثم ذهب .
ورجع هذا الزبون الى محل ياسر بعد الظهر ظنا منه أن ياسر قد عاد إلى محله كي يشتري منه ، ولكن الصدمة كانت كبيرة على هذا الزبون عندما سمع نبأ اعتقاله من جديد وفي نفس المكان ولا يعلم أهله أين هو الآن وما هو المصير الذي ينتظره .
قصة ولا في الخيال ومثلها كثير قد تعرض أصحابها لمواقف مشابه ولكن لا نستطيع إيصال جميع المواقف وذكرها لتوالي الأحداث علينا ويصعب إحصاؤها .
وفي اليوم التالي تم الإفراج عن المواطن الفلسطيني ياسر نافذ صاحب كشك بيع مستلزمات الهواتف النقالة ، وذهب نفس الزبون المذكور في القصة أعلاه إلى بيته لرؤيته والاطمئنان عليه فلم يستطع حيث أخبروه أهل ياسر بأنه نائم وشبه مغمى عليه ولا يستطيع أن يقابل أحد فهو بحاجة إلى الراحة لشدة ما تعرض له من ضرب ، ثم رجع وعاد له في وقت آخر وقابله وروى ياسر له قصة اعتقاله :
قال كان قد ذهب للتسوق للمحل كما ذكرنا في منطقة الكرادة فأتم شراء اللوازم واستأجر تكسي للرجوع إلى البلد وفي الطريق حصل انفجار في مكان قريب فاستوقفتهم دورية للحرس الوطني واستوقفت جميع السيارات في المكان وسدت الطريق وحاول سائق التاكسي الإفلات من المكان لكنه لم يستطع ، بعدها قامت الدورية بتفتيش جميع السيارات في المكان وعندما فتشتهم ورأوا هويته عرفوا انه فلسطيني فاعتقلوه وسألوا سائق التاكسي عنه فتخلى عنه وخذله وقال لو كنت أعرف أنه فلسطيني ما جعلته يستأجرني ، ثم أخذوا ياسر وأدموه ضربا كما هي الحال في اعتقال أي مواطن فلسطيني واتهموه بهذا التفجير الذي حدث في المنطقة ووضعوا الكيس في رأسه وقيدوه علما انه أظهر لهم الأوراق الثبوتية التي تثبت إقامته بشكل شرعي فأجابوه كالعادة بأنها مزورة .
وقد أخذوه بعدها مع مجموعة من العراقيين من بينهم فتاة إلى سجن التسفيرات المجاور لملعب الشعب الدولي وهناك ضربوه أيضا واتهموه بالإرهاب والتفجير وكلما أراد الكلام والدفاع عن نفسه تأتيه لكمة أو ضربن من حيث لا يدري وفي آخر المطاف وبعد محاولات يائسة من الضرب تم الإفراج عنه قبيل المغرب بمقابل قدره 300 دولار أمريكي وجهاز نقال وهو كل ما في جيبه .
والمفارقة أنه عندما خرج استأجر تكسي للذهاب إلى المجمع الفلسطيني وسأله سائق التاكسي عن الموضوع فشرح له ياسر كل ما جرى له فتعاطف معه سائق التاكسي ولم يكن كالأول وقال له سائق التاكسي انه هو أيضا لديه أقرباء مظلومين في السجون من بينهم قريب له يبيع فلافل في الطرق العامة وقد اعتقلوه وأدموه ضربا واتهموه ببعض التفجيرات وأظهروه على شاشة التلفاز وهو بريء .
وبعد أن وصلوا طلب ياسر من سائق التاكسي أن ينتظره ريثما يجلب له نقود من المنزل لأن نقوده فقدها كلها في السجن ، فكان موقف عظيم وموقف نخوة من سائق التاكسي كما هي مواقف الأخوة العراقيين الأصلاء حيث رفض أن يأخذ أجرته وأوصله بدون أجرة .
قصة مؤلمة ولكنها حقيقية لمعاناة أحد المواطنين الفلسطينيين في العراق ومثلها كثير ، فمعاناة الفلسطيني في العراق معاناتين أنه تحت هذا الظلم ، وانه لا يستطيع الخروج إلى دولة أخرى ليس كباقي العرب والأجانب فكثير من الأخوة العراقيين لا يعرفون أن الفلسطيني اللاجئ في العراق منذ عام 1948 وأحفاده ليس لديهم جواز سفر وإنما وثيقة سفر صادرة من الحكومة العراقية وهذه الوثيقة لا تعترف بها أغلب دول العالم وبضمنها الدول العربية وخصوصا الدول المجاورة للعراق حيث لا تسمح للفلسطينيين حاملي هذه الوثيقة بدخول أراضيها ، كان الله في العون وحسبنا الله ونعم الوكيل .