ها هي تقف في ظل العدوان "الإسرائيلي"
الوحشي على غزة، لتدعي على لسان ساستها بانها تراقب 'عن كثب' تطور الوضع
في القطاع عقب اغتيال أحمد الجعبري، القائد العسكري في حركة حماس، وهو واحد من
مجموعة قادة المقاومة الفلسطينية الذين تم استهدافهم. وملخص ما صرح به القادة الامريكيون
عن تصاعد الغارات "الإسرائيلية" وجرائم الاستهداف المباشر للقادة الفلسطينيين
هو ابعد ما يكون عن المراقبة عن كثب وما تحمله من مضمون محايد، اذ تحمل التصريحات
على العكس من ذلك رسالة تشجيع واضحة بالاضافة الى الحث على وجوب الاستمرار بتنفيذ
جرائم القتل وتصفية قادة المقاومة الفلسطينية، بذريعة محاربة الارهاب. وهي جرائم
تماثل في تسويغها واساليب تنفيدها ما حدث ويحدث في العراق منذ غزوه واحتلاله
عام 2003 .
ولننظر الى الخطاب الامريكي،
حتى الآن، بدءا من باراك اوباما، الذي
سيعمل، كما يردد عدد من محللي السياسة الامريكية، على بروز تأثيره وطبع بصمته
الشخصية على السياسة الامريكية في اعقاب انتخابه كرئيس للسنوات الاربع المقبلة. فما
هي بصمته التاريخية ازاء القضية الفلسطينية، الجرح النازف في ضمير العالم؟ كان
اول رد فعل له ازاء القصف الوحشي لغزة المحاصرة هو تأكيده 'دعم الولايات
المتحدة لحق "إسرائيل" في الدفاع عن النفس'، وان توقف على مبعدة بضع خطوات من تشجيع "إسرائيل"
على ابادة سكان غزة ليطلب منها بقلبه الانساني الكبير، ان تعمل 'على تجنب سقوط
ضحايا من المدنيين'! .
اما المتحدث بإسم وزارة
الدفاع الامريكية الذي سار على ذات
النهج مؤكدا ما قاله الرئيس اوباما عن دعم واشنطن 'لحق"
إسرائيل"
في الدفاع عن نفسها ضد الارهاب'، فقد ذهب ابعد من ذلك مذكرا بالتبني الاستراتيجي للكيان
الصهيوني، قائلا: 'نحن متضامنون مع شريكنا "الإسرائيلي" في حقه في الدفاع عن النفس ضد "الارهاب"
'.
ان تصريحات كهذه قد لا تكون
الدافع الاساسي "لإسرائيل" لارتكاب العدوان ضد
الفلسطينيين الا انها مهمة جدا من ناحية توفير الطمأنينة الاعلامية وغطاء
التبرير اللازم لتنفيذ اي فعل عدواني آني ومستقبلي مع غياب الرادع القانوني والاخلاقي
بالاضافة الى الدعم العسكري الدائم. ويوفر غياب الرادع القانوني وانعدام
المساءلة الغطاء الآمن الذي يدفع المجرمين الى ارتكاب المزيد من الجرائم بل
والاستهتار الى حد الاعلان المسبق عن جرائمه المستقبلية. كما فعل وزير النقل الصهيوني
يتسرائيل كاتز في تصريح لقناة البي بي سي البريطانية، يوم الخميس الماضي، حين قال:
''سنستهدف أيضاً إسماعيل هنية إذا لم يتوقف القصف من غزة باتجاه "إسرائيل".
لن يكون أي من قادة المنظمات "الإرهابية" بمأمن'.
وتقودنا مواقف الكيان الصهيوني،
المستهدفة للمقاومة الفلسطينية في ظل الحماية الامريكية، ومع وجود 'سلطة فلسطينية'
تبذل اقصى وسعها لطمأنة "إسرائيل" على أمنها بدلا من تمثيل ابناء شعبها والدفاع عن
الاسرى في المعتقلات "الإسرائيلية" والعراقية، وعدم التفريط بحق العودة والمقاومة الى
استحضار ذات النهج الذي تسلكه الادارة الامريكية في العراق ومع وجود 'حكومة
عراقية' تبذل اقصى ما في وسعها لطمأنة دول الاحتلال والسكوت على جرائمها بدلا من تمثيل
شعبها، والدفاع عن سيادة الوطن، وعدم التفريط بحق المقاومة ضد اي تدخل اجنبي.
وكما يستخدم المسؤولون الامريكيون شماعة 'مكافحة الارهاب' للدفاع عن الكيان الصهيوني،
يستخدمون الشماعة، ذاتها، للدفاع عن نظام حزب الدعوة الطائفي برئاسة نوري
المالكي بالعراق. ففي تصريح أخير لنائب وزير الدفاع الاميركي، اثناء زيارته
للعراق، قال إنه 'جاء في مهمة تستهدف تلبية حاجات العراق في مجالات الدفاع ومكافحة
الإرهاب بأسرع وقت ممكن'. وعند تذكير مساعد وزيرة الخارجية الامريكية، خلال مؤتمر صحافي
عقده في السفارة الامريكية بالمنطقة الخضراء، يوم الأربعاء الماضي، بحقوق
الانسان المنتهكة وحملة تنفيذ أحكام الاعدام المتزايدة، اجاب بصفاقة لا تليق الا
بساسة الاحتلال، انه 'وجد فارقاً كبيراً بين زيارته للعراق في العام 2003 وبين الأوضاع
اليوم... وأن العراق حقق تقدماً ملحوظاً على صعيد بناء المؤسسات'! ولا ادري عن اي
عراق يتحدث. هل هو العراق الذي ينظر اليه من خلال كوة في السفارة الامريكية المحصنة
داخل المنطقة الخضراء المحصنة، بدورها، والواقعة بمنأى عن كل ما يمت للعراق بصلة؟
ام انه العراق الذي يراه من خلال لقاءاته 'المثمرة' مع مسؤولي الفساد والطائفية
والاعتقالات والتعذيب؟ ام انها عين المحتل المدربة، عبر التاريخ، على رؤية ما تريد
رؤيته فقط ؟ .
ان البصمة التي سيتركها
الرئيس اوباما في غزة وفلسطين عموما، لن تختلف
عن بصمات من سبقه من الرؤساء الامريكيين ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين، وعلى
اختلاف الوان بشراتهم. ستكون بصمته التاريخية استمرارا لجريمة استهداف الشعب
الفلسطيني لتحطيم مقاومته والتخلي عن حقه ولكن .. مع اختلاف بسيط في الاسلوب لا الفحوى.
اسلوب اجبرته المقاومة العراقية والافغانية على اللجوء اليه وهو اسلوب القوة
الناعمة حيث التخلي التدريجي عن الجيوش الجرارة ومعسكراتها الضخمة وآلياتها العسكرية
ذات التكلفة، لتحل محلها الطيارات بلا طيار للاستطلاع وجمع المعلومات والرصد
والاستهداف القاتل بالاضافة الى فرق الاغتيال الخاصة وفرق المهمات الخاصة والمرتزقة
ونشر منظمات مجتمع مدني تدين بولائها لامريكا باعتبارها ولي نعمتها. هذا هو واقع
الحال في فلسطين المحتلة والعراق وسيستمر الوضع بعنفه المستديم، خلال سنوات حكم
اوباما مهما كانت نعومة قوته ومادام المجتمع الدولي متحكما به من قبل امريكا
المتعامية بدورها عن جرائم الحرب "الإسرائيلية" وانتهاكات النظام الصهيوني والعراقي
لحقوق الانسان والقوانين والاعراف الدولية .
ان فهم التطورات الداخلية في
المعسكر الإستعماري ضروري مع اتخاذ موقف حذر من رفع الآمال، مهما بدت تلك التطورات
مشجعة، نوعا ما، من قبل الاوساط المناوئة للسياسة الامبريالية في بلدان ذلك
المعسكر. فالعلاقة بين المصالح الإستراتيجية الطويلة المدى للدول وبين السياسات
الإجتماعية والإقتصادية المحلية الأقرب مدى ليست علاقة مباشرة، وأي تغيير عالمي
متوقع سيأتي بالأساس من تغير توازن القوى، وبضمنها قوانا الذاتية، وتغير الأولويات
الأمريكية نحو آسيا البعيدة، وليس بسبب أن رموز المحافظين الجدد وغلاة الصهيونية قد
إنتكسوا في السنين الأخيرة. وحتى تغير ميزان القوى الداخلي في أمريكا لم يأت
الا بسبب مقاومة الشعوب وتكاليف الحروب الفاشلة، والأزمة الإقتصادية التي تسحبها نحو
التدهور مثلما جرى عبر التاريخ في تدهور وسقوط الإمبراطوريات. أن التغييرات
الإستراتيجية أمر طويل المدى وقد تنتعش الأمبراطورية الأمريكية مرة أخرى،
لاكتسابها مرونة تغيير الشكل، والاهم من ذلك في غياب تطور جدي لقوى التحرر في عالمنا
العربي والإسلامي.
ان حياة "الشهيد"
أحمد الجعبري واعتقاله وسجنه عدة سنوات من
قبل الكيان الصهيوني اولا ثم اعتقاله وسجنه من قبل 'السلطة الفلسطينية' ثانيا،
مثال يسقط وهما طالما عاشت الشعوب العربية في ظله. انه وهم القبول بالقمع
والدكتاتورية والفساد الداخلي وانتهاكات حقوق الانسان بذريعة المحافظة على الأمن
أو الدفاع عن الوطن او 'القضية' ضد العدو الخارجي .
ويبقى الامل الحقيقي للتحرير نابعا
من داخل الأمة ذاتها ومن قدرتها، في الوقت نفسه، على الرؤية الواضحة بعيدا عن
المساومات والخداع والتلاعب بالعواطف.
كاتبة من العراق
المصدر :
موقع هيئة علماء المسلمين في العراق – الهيئة نت
17/11/2012