الــمــزبــلــة.. قصة قصيرة - أنور الشيخ

بواسطة قراءة 3004
الــمــزبــلــة.. قصة قصيرة - أنور الشيخ
الــمــزبــلــة.. قصة قصيرة - أنور الشيخ

أنور الشيخ/

هناك بعيدا عن العاصمة وفي إحدى المدن النائية يعيش الناس بحب ووئام منذ أن نشأت الحياة فوقها هادئة متآلفة لم تشوبها شائبة إلا ما ندر بفعل ممارسات الثأر العشائري للمغدور.. لكن العرف العام يعيد الأمور إلى أوضاعها الاعتيادية بتدخل العقلاء وحكماء سكان القرية..

لكن حصل شيء غريب فجأة دب في حياة القرية لم تألفه سابقا.. حيث بدأت ملامح جديدة تظهر للناظر عند دخوله للقرية لم يعهدها سكانها.. ذلك الشيء الغريب الذي بدأ يرتفع إلى مستوى أعلى من أبنيتها المتواضعة البناء حتى غدا تلا من القمامة الذي تراكم بفعل فضلات سكانها وشغلت مساحة من الأرض لا بأس بها مما لفت انتباه مختار القرية.. مما دعا أهل القرية للتشاور معهم في شأن أمرها.. حيث كان اللقاء عند تلة المزبلة.. حيث تجمع أهل القرية وهم يحيطون بها مذهولين من منظرها القبيح وانبعاث الرائحة الكريهة منها التي تزكم الأنوف.. صاح المختار.. يا أهل القرية الكرام إننا نلتقي هنا لتدبر أمرنا والتعاون في إزالة هذه المزبلة لأنها تلحق الأذى والضرر بنا ولم يعد السكوت مقبولا عن ذلك لنتعاون جميعا ونحدد يوما نساهم في إزالتها أطفالا ونساء ورجالا لان أمرها يهمنا جميعا.. خرج صوتا من بين جموع السكان.. قائلا نعم علينا إزالتها.. ولكن ماذا سنقيم على أرضها بعد أن نزيل المزبلة لان المكان يغرينا برمي الفضلات والأنقاض مرة أخرى ويعود تل المزبلة من جديد.. المختار.. طلب من المحتشدين في سؤاله.. ماذا نقيم عليها بعد إزالة المزبلة..تعالت الأصوات منادية.. احدهم اقترح أن تقام حديقة.. آخر لا لا روضة للأطفال... آخر مناديا لا لا نقيم سينما... صوت أخر معترض لا لا نقيم مسجد.. جامع... حسينية... كنيسة.. عمت الفوضى بالصراخ وتشبث الكل بمقترحه.. وازداد الخلاف وتعمق.. حتى كاد الأمر أن يصل إلى حد السباب والشجار..

صرخ المختار قائلا.. لحظة من فضلكم.. لم يكترثوا لندائه.. وطلب المختار تعالت الأصوات مره أخرى لتتحول المقترحات إلى شجار بالعصي واللكمات فيما بين أهل القرية قبل أن تزال المزبلة من مكانها.. خرج الأمر عن سيطرة المختار فصرخ مرة أخرى هدوء هدوء واسمعوا.. سنؤجل أمر بحث إزالة المزبلة حتى نتفق على بديلها.. ولن نزيلها حتى نبت بالأمر جميعا.. وغدا لناظره قريب.. وسأكلف حارسا يحرسها اليوم وفي الليل لحين مطلع فجر غدا.. ثم نلتقي هنا لنقرر الأمر بشأنها.. ونأمل منكم عدم التسرع والتهور في إزالتها إلا بعد الاتفاق على بديلها.. إلى الغد عاد أهل القرية وانفضوا من حول المزبلة إلى أماكن سكناهم.. وفي الليل امتثل الحارس لتعليمات المختار بحراسة المزبلة وعدم السماح لأي من المتسللين الاقتراب منها حتى لو دعي الأمر إلى إطلاق النار عليهم.. نام أهل القرية مطمئنين على سلامة بقاء المزبلة ليوم غد... حارس المزبلة اطمئن أيضا ونام.. وفي هداة الليل هبت رياح وعواصف خريفية تناثرت قمامة المزبلة ولم تعد موجودة... ومع انبلاج الفجر والصباح هدئت الرياح ورحلت وأخذت معها جسد المزبلة وتناثرت في أماكن متفرقة من القرية... استيقظ أهل القرية من نومهم ليستقبلوا يومهم الجديد صوب أعمالهم في الزراعة.. دبت الإشاعة في القرية وراجت كالوباء الفتاك بسرعة مذهلة.. تعالت الأصوات إنها مؤامرة.. مؤامرة.. مؤامرة إزالة المزبلة.. تجمهروا في الأرض التي كانت تحتضن المزبلة.. وأخذت الاتهامات تكال ضد بعضهم البعض كل حسب مقترحه.. ولا زال الكل مصر على مقترحة وان ينفذ روضة.. سينما.. حديقة .. الخ.. واشتبكوا من جديد وتعالت الأصوات وارتفعت العصي وشج رأس البعض منهم ودب الخلاف من جديد.. وتعمق.

وصل الخطب للمختار فهرع إلى مكان الشجار... وصرخ المختار قائلا.. اهدءوا.. اهدءوا.. عندي الحل لإرضائكم جميعا ونفض نزاعنا وخلافنا ونوقف وشجارنا. عمَّ الهدوء والصمت ولف السكون وهم يصغون للمختار.. المختار حتى نفض خلافاتنا.. علينا.. أن نعيد المزبلة إلى مكانها من جديد وعلى الجميع أن يساهم بذلك.. هتفوا جميعا بصوت واحد اتفقنا.. سنعيدها جميعا صغارا نساء رجالا إلى مكانها ألان وليس غدا.. وانتشروا بين أبنية القرية لتجميع شظايا المزبلة المنتشرة لإعادتها من جديد حتى تصبح تلة وبشكل منسق وأجمل.

هناك بعيدا قليلا عن المكان وبالقرب منه.. ثلاث فتيان يقفون وهم مذهولين لم يشاركوا أهل القرية بأمر المزبلة.. الأول.. يحمل حقيبة سفر يهم بالهجرة، الثاني.. يقف حائرا لا يعرف ماذا يريد، الثالث.. قاعد وشارد.

2009-07-15

"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"