الناجون من حقول الألغام من العراق يلقون ترحيباً حاراً في قبرص

بواسطة قراءة 5220
الناجون من حقول الألغام من العراق يلقون ترحيباً حاراً في قبرص
الناجون من حقول الألغام من العراق يلقون ترحيباً حاراً في قبرص

لارناكا، قبرص، 16 آذار/مارس ( المفوضية ) :

 كثير من اللاجئين هم على إستعداد للمخاطرة بالقيام برحلات شاقة وخطرة لعبور البر والبحر هرباً من الإضطهاد أو الصراع من أجل الحصول على فرصة لبداية جديدة في بلد جديد. ولكن بالنسبة لأسرتين من العراق إنتهى بهم المطاف في محاولتهم الطويلة من أجل الحرية في حقل ألغام-- من غير قصد-- فى المنطقة النائية التي تقسم جزيرة قبرص بالبحر المتوسط.

ورغم أنهم نجوا من الإنفجارات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فَقَدَ رَجُل ساقه وأُصيبَ عدد من الأشخاص. ولكن الروح المعنوية والأمل في المستقبل إستمر لديهم نتيجة العطف الذي تلقونه من رعاية الأفراد في الجزء الجنوبي من قبرص، والذي أصبحَ نُقطة جذباً للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين بعد الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبى في عام 2004.

وفي الحادث الأول، كانت أسرة مكونة من خمسة أشخاص تمر خلال حقل ألغام يقودهم أحد مُهربي البشر عند وقوع الكارثة. فقد خطا الوالد سعيد*،  الذى يبلغ من العمر 52 عاما، على لغم وفقد جزءاً من قَدَمه في الإنفجار. وأُصيبت زوجته وطفليه بجروح طفيفة.

لقد كان ملتمس اللجوء العراقي حاضر الذهن حيث قام بتغطية الجرح بكيس من البلاستيك، وساعدهم المهرب عبر الحدود ونقلهم إلى مستشفى في مدينة لارنكا الساحلية، قبل أن يختفي. وقد تم إنقاذ ساق سعيد لكنه سيحتاج إلى الكثير من العلاج قبل أن يتمكن من السير مرة أخرى. وقد أخبر الزوار من المفوضية مؤخراً "قال لى الأطباء إن الأمر سيستغرق عاماً".

وبعد أسبوعين من هذا الحادث، كان على * يعبر الحدود مع زوجته وإبنه الرضيع، عندما تسبب في إنفجار لغم مضاد للأفراد. وقد فر الدليل المرافق لهم على الفور وتركهم في المنطقة النائية إلى أن قامت الشرطة القبرصية بإصطحاب الثلاثة ونقلهم إلى المستشفى.

ويتذكر على، وهو فلسطينى يبلغ من العمر 35 عاماً فرت أسرته من منزلهم في بغداد في كانون الأول/ديسمبر الماضي قائلاً: "عندما إنفجر اللغم، فى البداية ظننت أن رجال الشرطة يطلقون النار علينا لحملنا على التوقف". وأضاف رب الأسرة ، الذي كان لا بد من بتر ساقه: "إلا أنه بعد فترة قصيرة بدأت أشعر بالألم وأرى الدم ينزف من ساقي". ويهمس، بينما يداعب طفله البالغ ثلاثة أعوام من عمره: "كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ... كان يمكن أن أكون ميتا الآن".

وبالنسبة للكثير من الأشخاص، فإن تلك الضربة المؤلمة بعد شهور من المشقة، والضغوط، وعدم اليقين ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير. ولكن هاتين الأسرتين ، وعلى وجه الخصوص، على وسعيد ، وقد تشجعا بسبب التعاطف الذي يلقونه من الحكومة - اللتي تدفع نفقاتهم الطبية وفقاً لإلتزاماتها القانونية تجاه ملتمسي اللجوء – وكذلك الرعاية الكريمة من العاملين في المستشفى، والمفوضية، والمواطنين القبارصة.

وتشمل الطائفة الأخيرة كاهن أرثوذكسى يتحدث العربية نشأ فى القدس ورجل يبلغ من العمر 65 عاماً من ليماسول، يتعاطف مع ملتمسي اللجوء لأن والده نفسه كان من اليونانيين اللاجئين من آسيا الصغرى الذين وجدوا ملاذاً في قبرص مع أطفاله الستة.

ويشرح الأب باناريتوس أنه عندما زار سعيد لأول مرة في المستشفى، كان ضعيفاً جداً، ومعنوياته في الحضيض. ويقول: "الآن، وبعد العملية، فإنه قد إستعاد الثقة بالنفس وأصبح لديه الأمل من جديد"، ويضيف: "إن ما يحتاجون إليه منٌا هو أن نُظهر لهم الحب، وهم في حاجة إلى أن يشعروا بأنهم موضع ترحيب، وأن لديهم من يشاركهم مخاوفهم، وأن يشعروا أنهم ليسوا وحدهم".

ويقول جيانيس، الموظف على المعاش من ليماسول، أنه سمع عن قضية على يوم وفاة والدته – اللتي كانت أحد الأطفال الستة الذين أحضرهم جده إلى قبرص: "شعرت أن عليٌ رعاية شخص في حاجة، والتي إعتبرتها هدية لروح والدتي".

وكثيراً ما يُسافر الرجل العجوز في الوقت الراهن من ليماسول في جنوب غرب الجزيرة لزيارة أصدقاءه الفلسطينيين الجدد في لارنكا. إنه يريد أن يساعد وقد فتح حساباً مصرفياً للأسرة، ويقوم بإيداع الأموال به كل شهر لمساعدتهم على تلبية إحتياجاتهم. ويفكر في المستقبل، ويدرس إمكانية توفير التدريب المهنى لعلَي، والذي سيسمح له مرة أخرى ليصبح العائل للأسرة.

ولكن مع قيام الناس في قبرص بمساعدتهم في مواصلة الحياة، لا تزال الأسرتان تسترجعان ذكريات حياتهم التي كانت سعيدة في يوماً ما في العراق. ويقول سعيد الذي لم  يُقَرِر المغادرة إلا عندما قُتِلَت إبنته البالغة 16 عاما من العمر في إنفجار سيارة ملغومة: "لقد كانت لنا حياة جيدة جداً في يوماً ما فى العراق: وظيفة، منزل، سيارة، وأصدقاء". ويقول: "أدركت أن العراق قد إنتهت بالنسبة لى ولبقية عائلتي".

لقد أصبح علي وعائلته ضحايا التهديدات والعداء المتصاعد تجاه الجالية الفلسطينية في بغداد، التي تقلصت على مدى السنوات الست الماضية. فالكثير منهم عالقون في مخيمات مؤقتة على حدود العراق مع الأردن وسوريا.

ولدى الرجلان أحلام مماثلة - التعليم اللائق لأطفالهم، والصحة الجيدة، وفرصة العيش في سلام. ويتيح الدعم الذي حصلوا عليه حتى الآن في قبرص الأمل في أن يتم تأهيلهم وإدماجهم بشكل كامل. وستستمر المفوضية في رصد حالاتهم وتعزيز حقوقهم.


*
تم تغيير الأسماء لأسباب تتعلق بالحماية .


بقلم إميليا ستروفوليدو

فى لارنكا، قبرص

التاريخ:16 آذار/  مارس 2009