أنْ يدفع الفلسطيني ضريبة صراعه مع إسرائيل , أمر يستوعبه العقل .أما أن يدفع ضريبة صراع " لا ناقة له فيه ولا جمل " ,فالمسألة , إذنْ , استغلال للصراع لتنفيذ تصفيات عرقية..أمر يندى له الجبين .في العراق حالياً صورٌ فلسطينية شبه غائبة عن الإعلام , إما عن تقصير , وإما عن قصد .هي صور تنتمي إلى المشهد العام العراقي بدمويته واقتتاله العرقي .إنها صور تجريدية ,لكن ليس بالمعنى الفني ,إنما بالفعلي …لتجريد شخوص الصور من ممتلكاتهم ومن مأوى مُنح لهم استجابة للجوء أجبروا عليه . لعله من المفيد إذنْ أن تسمى صوراً تجريدية ..وعذراً أهل الفن .
ليست هي المرة الأولى التي يدفع فيها الفلسطينيون ضريبة صراع ليست لهم صلة به ,فمن يتذكر الغزو العراقي للكويت , قد يتذكر أيضاً الضيم الذي لحق بعشرات ألوف الفلسطينيين من قبل بعض الكويتيين عام 1991 بسبب موقف منظمة التحرير الفلسطينية ( الخاطئ )آنذاك من مسألة الغزو, والذي أحرج فعلا ً كل الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في ما اعتبروه وطناً حقيقياً لهم ,أحبوه بمثل ما أحبهم . وإن كانت المنظمة هي الممثل الشرعي للفلسطينيين , فإنه "لاتزر وازرة وزر أخرى "..هكذا في القرآن على الأقل .
منذ أن احتلت القوات الأمريكية "أرض الرافدين" عام 2003 , تعرض الفلسطينيون لما يربو على 666 اعتداء على خلفيات عرقية من قبل ميليشيات طائفية .النتيجة ,لغاية الآن طبعاً, أكثر من 170 قتيلاً ,عشرات المعتقلين .آلاف اللاجئين ,منهم العالقون على الحدود العربية .أرقام تتضاءل مقارنة مع الأرقام العراقية الخالصة التي وصلت إلى مئة قتيل عراقي في اليوم ,فليس المقصود هنا تفضيل دم على دم ,إنما فصل حالة عن حالة .منذ فترة وُزعت بيانات تدعو البقية الباقية من الفلسطينيين إلى مغادرة العراق خلال اثنتين وسبعين ساعة . التوقف عند جملة وردت في البيان يكشف أكثر من مغزى . الجملة تقول : " لا مكان للفلسطينيين في عراق علي والحسن والحسين " ..إشارة صريحة إلى أن الفلسطينيين ذوو مذهب سني , ودعوة أكثر صراحة إلى إلحاق الأذى بهم , ومناشدة إلى الاقتصاص من أفعال الرئيس المخلوع صدام حسين بحق العراقيين من خلال صب الميليشيات سوط عذاب على الفلسطينيين بدلا ً من أن تفرغ تلك الميليشيات عليهم صبراً ورحمة . لكن ليس في النار ماء للظمآن .
خلال ليلة القدر ,تم قصف مجمع البلديات بقذائف الهاون , وهو المجمع الأكبر للفلسطينيين في بغداد .التزم الإعلام العراقي الصمت حيال تلك الحادثة كالحوادث الأخرى ,تماماً كما تلتزم الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية الصمت . في ذلك نذر لشر مقبل أكبر ضرراً إذا ظلت عجلات التحرك متوقفة .فمتى ستتحرك عجلات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بشكل أسرع لإنقاذ من يمكن إنقاذه .هما ملامتان أكثر على هذا التثاقل في إثارة القضية في شتى المحافل .
من استطاع من هؤلاء الفلسطينيين الهرب من نار التصفية ,علق على رمضاء حدود الدول العربية المجاورة ,ولم يُسمح للمعظم الدخول إلى حيث يريدون المنأى عن حرب التصفية ,وهي الدول نفسها التي سمحت لعشرات ألاف العراقيين اللاجئين الدخول إلى أراضيها . لكن كندا ,غير العربية , فتحت أبوابها لاستقبال العالقين الفلسطينيين على الحدود العربية .ولأن العقل العربي ممسوس دائما بنظرية المؤامرة ,فقد فسر الخطوة الكندية على أنها محاولة لتصفية قضية اللاجئين ,لذا فُضِل لهم أن يعلقوا على الحدود . أن تصفى قضية مئة لاجئ أرحم من تصفية أرواحهم .كفى شوفينية .!!.27/7/2007