بدون تخطيط مسبق ,, ومن غير قصد مني أو دراية ,, كما أني لم أشغل نفسي بالتفتيش عن أي مبرر لما أعتراني كل هذا الشوق للقياه ثانية ,, فأنه لم يغادر حتى مخيلتي منذ أن التقيت بهذا الرجل قبل أيام ,, فرغم أني كل الذي عرفته عنه أنه فلسطيني من العراق ؟؟ لكن على ما يبدو أن هذا كان كافياً عندي فأصبحت بحالة بحث مستمر عنه ,, لذا صرت أتعمد المرور بنفس الشارع ,, والجلوس على ذات المسطبة التي التقيته عندها أول مرة ..
رحت أجوب شوارع سانديغو مرات ومرات لعلي أجده في أحد زواياها ,, أو قد يسقط نظري عليه وهو جالس في أحد حدائقها العامة على كثرتها .. وأنا غارق في بحر تساؤلاتي هذه وتلك .. فأذا بيد تربت على كتفي بكل رفق وحنان .. وقبل ما أدير رأسي لأستفهم من هو صاحب هذه اليد ,, سارع صوت أكثر حناناً ليداهم أذني قائلاً (( وينك يا ختيار )) , قلت بصوت مرتفع وأنا أدير رأسي لأراه ,, قلت له أني أبحث عنك منذ أيام ,, تعال لنجلس على هذه المسطبة القريبة لنستظل بالشجرة القائمة فوقها ,, فلا علم لي أي منهما كان وجوده قبل الآخر المسطبة ام الشجرة ؟؟ متناسياً السلام عليه أو السؤال عن صحته أو سبب غيابه ؟؟ فمجرد رؤيتي له أنستي ماهو أهم من ذلك ؟؟ ألا وهو لم أسأله حتى عن أسمه ؟؟؟ ...
بعدما ألتقط كل منا أنفاسه ,, وألقينا بجسدينا على تلك المسطبة ,, وبدون مقدمات طلبت منه أن يتم ما بدئه من حديث معي قبل أيام .. بادرني بالقول .. ما بك مستعجل فحكايتي ليست بالممتعة ؟؟ كما أنها طويلة جداً ؟؟ لأني أجدها أطول من عمري ذاته ؟؟ ولأن كل يوم فيها أن مر دون ألم أو ذل أو مهانة يكون يوم كسائر الأيام ,, وأن لم يكن كذلك فهو يمر ثقيلاً وكأنه ألف عام ؟؟ وما كثر الأيام وعبر سنوات عمري التي كان الألم فيها زادها وزوادها؟؟ والذل والمهانة كان خيمة تعتلي رقابنا نحن فلسطينيو العراق ؟؟ وكان صبرنا حبالها ؟؟ وأملنا بالرجوع الى فلسطينينا أوتادوها ؟؟
كلمة متداوله بين بني البشر ( من التراب الى التراب ) إلاً نحن فلسطينيو العراق المتداول بيننا والمكتوب علينا هو ( من الخيمة الى الخيمة ) ؟؟ ,, من الهجرة والتهجير ؟؟ الى التهجير والهجرة ؟؟ ..
دعك من هذا سيأني الحديث عنه لاحقاً بأذن الله .. أعود بالقول أن على الكثير من أن لم نكن جميعاً كانت الثواني تمر علينا وكأنها دهور وليس دهر ؟؟ وقد مرت علينا أيام حسبنا فيها كأنما الأرض توقفت عن الدوران .. أو أننا نعيش خارج حسابات الزمان ؟؟أو أننا غيبنا عمداً ؟؟ أو قد طويً علينا بسجل النسيان ؟؟ يأخي الأنسان ؟؟؟ ....
لا عليك من بعض الشطحات أو الهفوات أو الكلمات التي تصدر مني بين الحين والأخر ؟؟ فعذري عندك هو ( أن للعمر ) كما تعرف أحكام ؟؟ ..
ما أن أستقر بنا المقام في ملجأ ( طلفاح ) رحمه الله ,, كان لزاماً علينا أن نعيش ضمن ما هو معمول به من القانون السائد بين القاطنين في هذا الملجاْ ,, رغم وبأصرار عجيب ؟؟ وللآن لم يكلف نفسه أي منا من هو صاحب هذا النظام أو القانون ؟؟ الدولة ؟؟ ؟؟ أم جهات خارجية أو داخلية في المملكة العراقية ؟؟ أم الحاج طلفاح نفسه ؟؟ وحتى تعمدنا عدم السؤال الى ما بعد سقوط النظام الملكي في العراق ؟؟ وحلول النظام الجمهوري ؟؟ بل وحتى بعد وفاة الحاج طلفاح ؟؟ بل ذهبنا الى أكثر من ذلك بعدم السؤال عن واضع هذا القانون الذي فرض علينا لسنوات طوال ؟؟ وحتى بعد انتقالنا الى أماكن أخرى ؟؟ بل وحتى بعد ردم الملجأ ليصبح في خبر كان ؟؟ فكنا نردد فيما بينناعلى ما يبدو أبجدية ( يا غريب كون أديب ) فمجرد السؤال يعد خروج عن حدود الأدب ؟؟
اليك القوانين والأنظمة والتعليمات والأعراف والقيود ؟؟ فأنا الى قبل سنوات لم أسمع بها إلاً في كبريات المعتقلات أو السجون ,, فهي تمارس عليه لأنهم من عتاد المجرمين أو القتلة المحترفين أو مروجوا المخدرات أو أو أو ألخ ؟؟؟
كنا في هذا الملجأ قرابة ال (( 50 )) عائلة ,, أما عددنا فلم يتجاوز ال (( 250 )) نسمة ما بين شيخ كبير أو أمرأة مسنة أو رجل أو أمرأة أو شاب أو شابة أو طفل أو طفلة ؟؟ صحيح البنية أو معاق ؟؟ وافر الصحة أو معتل البدن ؟؟ يقوى على المشي أو يحبو على أطرافه ,, وجلنا كنا من قضاء حيفا ,, وتحديدا من القرى الثلاثة (( جبع وأجزم وعين غزال )) وحتى لا تتهمني لما قدمت أسم هذه القرية عن تلك ,, سأبوح لك بسر بأني أنا لست من هذه القرى الثلاث ,,وأن كانت أمي رحمها الله من أحداهما .. وأنه ليشفرني أن أكون من أي منهما الثلاثة ,, وكان نصيب كل أسرة مهما بلغ عددها غرفة صغيرة هي اقرب الى الزنزانة التي يقطنها كبار المجرمين ؟؟ من أن تكون غرفة يسكنها زوج وزوجة وبضعة أطفال ؟؟ نادراً ما تجد شباك لهذه الغرفة أو تجد لها باباً ؟؟ والجدران كما أسلفت لك قد أكلها ( سل الجدران ) والسقوف والأرضيات لا تقل سوء عن غيرها ؟؟
لا يسمح لك سوى بـ ( كلوب أبو الستين أو صفر ) يعلق في وسط الغرفة كي يبعث بنوره الى سائر أركان الغرفة ؟؟ وغير مسموح لك ؟؟ هذا أن قدر وكانت لديك أمكانية لشراء أي منها ؟؟ من قال غير مسموح ؟؟ بل قل من المحرمات الدولية أن تقتني ( مروحة ؟؟ أو ثلاجة ؟؟ أو مبردة ؟؟ أو راديو ؟؟ أو أي جهاز يعمل بالقوة الكهربائية )) قبل وبعد أختراعهن ويصبحن في متناول المستهلك ؟؟ ومن يضبط بأقتنائه اي من هذه يكون مصيره علمه عن الله وحده ؟؟
يتم تشغيل الكهرباء قبل غروب الشمس بدقائق ويوقف التيار الكهربائي قبل شروقها بدقائق أيضا؟؟ وهذا الأمر لم ولن يستثني منه أحد أو أيا كان ( حتى المرحوم طلفاح ذاته ) ؟؟ وأمر التشغيل والأطفاء يكون بقرار منه والمفتاح الخاص بصندوق التشغيل يبقى دوما معلق في رقبته أو مخبيء بعبه ؟؟ ومن يجرؤ لمد يده ليلمس السيد طلفاح حتى لو كان على سبيل المزاح ؟؟ لأنه على طيبته لم أر أحداً يمد له يده يوماً سوى لمصافحته فقط ؟؟ فلغيرها ستكون ليس في الحسبان أبداً ؟؟ فكيف بأيً منا يفكر بالسطو لسرقة هذا المفتاح المعوج لقفل صدئ يكفي أن تصرخ بقربه كي ينفتح ؟؟ لكن الخوف أو العيب أو قلت الأحترام أو قلة الأدب أو أي شيء أخر أجهله للآن لم ولن يحدث مثل هذا يوماً من الأيام ؟؟ ,,
وهنا أيضا تراني مدفوعاً بأبجدية (( يا غريب كون أديب )) فلا سؤال تجرؤ أن تحرك لسانك لنطقه ولسنوات طوال ؟؟ ولا يد تمدد للسطو على مفتاح خزائن قارون ؟؟ كي نفتح به أبواب القسطنطينية ؟؟ عفواً وعذراً وأسف قالهن جميعاً مرة واحدة ,, بعدما وجدني فاتحاً فمي على مصراعيه وأنا مشدوها مما يقول ؟؟ عاد ثانية ليطلق سيل من الأعتذارات قائلاً أسف مما ذهبت به من قول ؟؟ قصدت مفتاح صندوق العجائب ؟؟ صندوق الكهرباء؟؟.. لذا بما أني خرجت عن المألوف ؟؟ لذا أسمح لي بالذهاب الآن ؟؟ وسأكمل لك حكاية كيفية جلب الماء الصالح للشرب والكمية المقررة للفرد الواحد ومفتاح ( حنفية الماء ) وكيفية التخلص من الفائض منه ؟؟ فذلك سيكون أشد غرابة وستكون أكثر تعجباً مما سبق ؟؟ لأنها أقرب الى الخيال من الواقع أو الحقيقة ؟؟ ولكن قد يكون ذلك غداً أو بعد غد ,, هذا إن كان هنالك في العمر بقية إن شاء الله …
بقلم / جمال أبو النسب
الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا
15/4/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"