حيفا فلسطين والفلكلور الصهيوني المزيف!

بواسطة قراءة 7619
حيفا فلسطين والفلكلور الصهيوني المزيف!
حيفا فلسطين والفلكلور الصهيوني المزيف!

نشر موقع " الصنارة" بتاريخ 29-10-2015 تحت عنوان: حيفا تستضيف حفل الاوسكار الدولي للفولكلور (جولد – ستار)، ومما جاء فيه: غصت قاعة ابا حوشي الحيفاوية  بمئات الحضور من مختلف انحاء البلاد وخارجها, في حفل الاوسكار الدولي للفولكلور (جولد – ستار), الذي نظم مؤخرا لأول مرة في البلاد, تحت رعاية اتحاد المنظمات العالمية للفلكلور I.G.F ..

حضر المهرجان عدد من المسؤولين في دولة الاحتلال، وممثلين عن العديد من الدول الأوربية، وقد أشار أمين قاسم مدير المركز الثقافي ومتحف البادية في عسفيا بكلمته الى أهمية تنظيمه في هذه الاوقات  العصيبة بالذات, لما له من دور في تعميق وتعزيز التعددية الثقافية, كما واشار بان حيفا هي النموذج الحقيقي للتعايش و لاحتضان التعدديات الثقافية المختلفة!!

مدينة حيفا عروس البحر التي هُجِّر آبائنا وأجدادنا من قرى تتبع قضائها سنة 1948م، هي من أكبر وأهم وأجمل مدن فلسطين التاريخية، ولأهميتها العسكرية والتجارية وموقعها الجغرافي المتميز، كانت محل أطماع القوى الغازية الاستعمارية قديما وحتى تاريخ النكبة، وهي حاليا مقر سكة الحديد الصهيونية الأساسية.

هذه المدينة التي يتبجح الصهاينة الآن بإقامة مجامع الفجور على ثراها بدعوى التراث! آثارها الكنعانية ترجع لآلاف السنين، والتي اغتصبها اليهود بتاريخ 21-4-1948م بعد مجازر وقتل مرضى وجرحى في مستشفى الأمين، ومنع إسعافهم مما اضطر آلاف الأطفال والنساء والشيوخ مغادرة المدينة تحت القصف الشديد، وطهرت عرقيا بالكامل!

حيفا تلك المدينة التي قاتل أهلها دفاعا عنها وصمدوا حتى نفذت ذخيرتهم، وقرى مثلث الكرمل في قضاء حيفا لم تسقط إلا بعد ثلاثة أشهر من احتلال المدينة، وتم تهجير 59 قرية في قضاء حيفا سنة 1948، وتدمير 51 قرية.

حيفا جذورها كنعانية وأصولها وفروعها فلسطينية عربية إسلامية، وسيبقى هواها وتراثها وساحلها ومزارعها الجميلة هكذا، مهما حاولوا تزوير التاريخ وطمس الحقائق وتضليل الناس، بدعاوى فارغة للتشويش على عقول الأجيال.

الاحتلال الصهيوني برع وبامتياز منذ احتلال أرضنا  وبخطى حثيثة، على تهويد كل ما يمكن تهويده، فقد هدموا الحجر وطردوا البشر واقتلعوا الشجر.. انتهكوا المقدسات والحرمات.. زيفوا التاريخ وغيروا المسميات والمصطلحات.. قلبوا الحقائق وزينوا الباطل.

اليهود الغاصبين لأرضنا فلسطين، يتعاطون بسياسة الأمر الواقع دون رقيب ولا حسيب، كيف لا ونحن نعيش في عالمَ ظالم منافق ضاعت فيه القيم وأدنى الحقوق بخلاف ما يتبجحون!

اليهود الذين تجمعوا في أرضنا من أماكن شتى، ليس لديهم رابط ثقافي ولا تراثي ولا تاريخي، والدليل من واقعهم أن جذورهم ومواطنهم ولغاتهم وجنسياتهم بل وألوانهم مختلفة متنوعة، وحتى تتشكل سلالة ويتكون جيل يحمل روابط وأواصر مشتركة بحاجة لمئات بل آلاف السنين، وأنى لهم ذلك؟!!

أن يحصل حفل دولي صهيوني على أرضنا المغتصبة يروج لتراث مكذوب وثقافة مصطنعة ليس لها زمام ولا خطام، بدعوى الفلكلور وتنوع الثقافات؛ ما هي إلا خطوة لتثبيت المشروع الصهيوني التهويدي بعد أن أصبح حقيقة أرضا وواقعا، ليصير حقيقة ذهنا وتصورا وقبولا، وهذا أخطر ما في الأمر!

اللافت أيضا أن الصهاينة يُقحمون بعض فرق الرقص والدبكات الشبابية بزي تراثي فلسطيني! باعتبارها تراث عربي –إسرائيلي! وهنا مكمن الخطر، فمن اعتاد على شيء سيقبله شيئا فشيئا حتى لو كان قاتله ومغتصب أرضه ومشرد شعبه، لتصبح واقعا يوميا وطبيعيا ومقبولا!

وقد تعددت أشكال تهويد التراث الشعبي الفلسطيني، منها انتحال الملابس الشعبية والادعاء بأنها ملابس يهودية-إسرائيلية! فالشعب الفلسطيني يتعرض منذ عقود لمحاولة طمسه وتدمير هويته العربية وكل ما يربطه بالماضي.[1]

هذا الحفل المخزي الراقص يأتي على ركام قرانا المغتصبة، في وقت ينتهك فيه الصهاينة كل المواثيق والأعراف بل حتى القوانين التي يتبجحون فيها بدعوى حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير وما شابهها، إذ أصبح انتهاك مقدساتنا في بيت المقدس أمرا يوميا، من خلال كثرة اقتحامات قطعان المغتصبين الذين يسمونهم " مستوطنين" وإقامة طقوسهم وتدنيس مسرى حبيبنا عليه الصلاة والسلام!

عن أي ثقافة وتراث وفلكلور يتحدث الصهاينة؟!! وتاريخهم أسود ومليء بالجرائم والمجازر التي تفوق استيعاب العقول، ولكن كما قال ربنا سبحانه عنهم ( وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[2]، وقال عز وجل مؤكدا حقيقتهم ( انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا )[3].

الدولة اليهودية تعاني من هوس السيطرة على كل شيء، وهنالك هوس إضافي من خلال السيطرة والاستحواذ على التاريخ العربي الإسلامي الأصيل لفلسطين، ونسبة التراث الشعبي لهم بكل تفاصيله وحيثياته!

فعملية التهويد الثقافي التي تمارس بشكل ممنهج من جانب إسرائيل، تنحصر في محاولة تفريغ الشيء المراد تهويده من مضمونه وهويته الأصلية وإضفاء أو فرض مفاهيم ومضامين ترتبط باليهودية وما يتعلق بها على أشكال راقية من الإبداع الإنساني مثل الأدب والفن والآثار والتاريخ واللغة والتراث.[4]

من أغرب وأعجب الأكاذيب في زماننا أن شذاذ الآفاق الذين تجمعوا في أرضنا ولا يعرف أصول معظمهم، صنعوا لهم تاريخا مزيفا وحضارة مزعومة وتراث موهوم، بدعم ومباركة وتأييد من قوى عالمية نكاية بمقدساتنا وتضييعا لحقوقنا وتحقيقا لمصالحهم المشتركة.

إنــي تـذكــرتُ والـذكــرى مـؤرقــة * مـجــداً تـلـيــداً بـأيـديـنـا أضـعـنــاه
ويح العروبـة كـأن الكـون مسرحهـا * فأصبـحـت تـتــوارى فـــي زوايـــاه
كــم صرّفـتـنـا يـــد كـنــا نصـرّفـهـا * وبــــات يمـلـكـنـا شــعــب مـلـكـنـاه

 

4/11/2015م



[1] الملابس الشعبية للمرأة في محافظة الخليل، ناهدة الكسواني.

[2] (آل عمران:75).

[3] (النساء:50).

[4] التهويد الثقافي لفلسطين التاريخية، أحمد صلاح البهنسي، مركز نماء للبحوث والدراسات.