قررت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) أن تؤجل سؤالها , وبحثها المتلهف عن , شخصية السيد ( كاسم ) ,, وقد قررت أيضاً أن لا تسكت ,, نعم لن أسكت اليوم ,, وستطلب منه أن يأخذها , والأولاد إلى الأسواق , لشراء مستلزمات العيد ، قالت ذلك في نفسها , قبل أن تضع رأسها على الوسادة ,, مضيفةً .. بسيطة يا ابن عمي الصباح رباح ...
بعد ساعات أفاقت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) , لعطش ألح عليها , بالنهوض من فراشها ، ما إن فتحت عينيها المثقلات , بالنعاس حتى صعقت ، رأت زوجها السيد ( مش مهم ) , يقف أمام بقايا المرآة , المتدلية بخيط سميك , من مسمارٍ صدأٍ دق على الجدار المتهرئ , للغرفة التي أكلتها الرطوبة , رأته وقد ارتدى , بدلته الوحيدة ( اليتيمة المولود ) , فهو لم يشتري غيرها منذ زواجهم , ولا يلبسها إلاً لأمرٍ هام جداً , حرصاً منه عليها من التلف , راح يدمدم بكلمات أغنية غير مفهومة لها , وهو يمسد بكفه على ما تبقى , من شعر رأسه , كي يجعله مصففا لكن دون جدوى ...
عندما رأى بعضاً منها في المرآة , قال لها ... أين زجاجة العطر , التي قدمت لك هدية , في الأسبوع الأول من زواجنا ... ,, لم تجبه على سؤاله , وقالت ... بسم الله ما شاء الله , إلى أين العزم يا زوجي , نحن في منتصف الليل ... ,, قال لها ,, ... عودي لنومك حتى لا يفوتك , ما كنتِ تحلمين فيه , فأنا اليوم قررت ؟؟ , أن أبدء بكتابة مقالة أنيقة .. وبكلمات أنيقة .. وبمقدمة أنيقة .. وبنهاية أنيقة .. لقاريء أنيق .. وفي موقع أنيق .. لذا اضطررت أن أتأنق .. لأن ذلك من شروط الكتابة المتأنقة .. !! ...
قالت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) ,, ... منه العوض وعليه العوض ... ,, وهمت واقفة وهي ما زالت تدمدم بسرها ,, قل لن يصيبنا , إلا ما كتب الله لنا , لتعقبها بصرخة مع قول .. (( وينك يمه )) ,, قال لها ... بما تدمدمي ... ,, قالت ... لاشيء , أعمل لك قهوة ابن عمي ... ,, رد فرحاً ... أصيلة يا زوجتي , فأنت دوماً تعرفين ما أريد , قبل ما أطلبه منك ...
هنا قالت ... ( فرجت ) أبن عمي بكرة العيد ,, أجاب مسرعاً , بعدما بلع فرحته , أعرف ما هو المطلوب مني ,, ... قالت له وهي , مطرقة برأسها ألى الأرض , الأولاد ( ضلت تكرر حرف وووو .. وكأنها غصت بلسانها ) وو ,, وأنا بحاجة إلى ملابس , جديدة ... ماذا ماذا نعم , أين ذهبتِ بملابس عيد أول العام , وبادرهابالقول ,, وقبل أن تجيب بكلمة واحدة , أغسليها جيداً فتصبح جديدة ... , قالت ... قد صَغُرت علينا , وقد ذهبت ألوانها , من كثرة اللبس والغسل , وتعرضها لأشعة الشمس ...
لكي يتملص من حججها الدامغة , أفلتت من فمه , ولأول مرة كلمة بالعامية , ... ( أنت ست المعدلات ) , وعندك ماكنة للخياطة , قومي بإطالتها أو تقصيرها , أو تعريضها أو تصغيرها , فتصبح مناسبه لهذه المناسبة الكبيرة ... , قالت ... كيف ذلك , مستحيل .. أنت بعت الماكنة , التي كانت هدية , زواجي من أختي , من زمان لتشتري بثمنها كتب , ...
بعد أن مص شفتيه قال ... هل نسيتي الإبرة والخيط .. فأنتِ فنانة بذلك , وأكويهن جيداً , وسترين النتائج ؟؟ .. قالت غاضبة ... لم تشتري لنا مكوى منذ تزوجنا ... , قال ... بسيطة , ضعيهن تحت فرشة سرير نومنا أعتباراً من اليوم , وسترين كيف النوم فوقهن , سيجعل كسراتهن أحسن بكثير , من كويهن حتى بالبخار ... , قالت ... ( وينك يا يمه ) , سرير نومي أنباع , بعد ولادة ابني البكر مباشرةً ... أشرب قهوتك ابن عمي ...
قالت له ... لنشتري لحمة للعيد ... , قال ... كم مرة أبقى أشرح لك مضار , اللحوم الحمراء , والبيضاء , والخضراء , هنا تنبه لما قال , هل يوجد لحوم خضراء " لا بأس لم تنتبه لهذه الكلمة , أن اللحم ضار بالجسم , فهو مصدر رئيسي , بزيادة نسبة الكلسترول بالدم , و أرتفاع الضغط , وتراكم الشحوم في الجسم , وعسر الهضم , وازدياد الوفيات في العالم , لا ألومك على طلبك المميت هذا , لأنك لم تقرئي , آخر التقارير الطبية , لمنظمة الصحة العالمية ...
قالت له ... لا نريد لحمة للعيد , لاني لا أريد معرفة , ما تضمنه تقرير هذه المنظمة , إذن يا ابن عمي , ضروري نعمل كعك للعيد , ولن يكلفك كثيرا , لأني سأعمله بالتمر , وليس بلب الجوز ... , شهق وزفر وأزبد وعربد وتلوى واحمر واصفر واسود وراح يسعل بشدة .. وأستغفر ربه كثيراً ... كعك ؟؟ .. ما بك أ جننتِ , أم نسيتِ السكري , الذي أصابني بسبب كعكك هذا ... , قالت ... كيف وأنا لم أعمل كعك للعيد في بيتنا , منذ عشرة سنين ...
قال ... صحيح نسيت أن أخبرك , بما ظهر في تحليل دمي الأخير , فقد قال لي فراش المختبر ( أبو عباس ) أن بقايا لكعك العيد , قد ظهرت في عينة دمي , التي تم تحليلها في المختبر , وأقسم لي يمين , أنه في غفلة من المحلل , رأى تلك البقايا تحت المجهر ... , قالت ... من الفراش أبو عباس ؟ ... , قال ... نعم ... , قالت ... لك الحق بذلك أبن عمي , همست بسرها ( وينك يمه ) , أبو عباس أرمل من قبل زواجي أنا ...
قالت السيدة ( مغلوبة على أمرها ) ... لا ملابس جديدة , ولا لحمة , ولا كعك للعيد , أبن عمي أشتري لنا حلا وقليل من الجرزات , وليس مهم النوعية والكمية على الأقل نقدم شيء للضيوف ... , صرخ ... أرجعنا للحلوى , مابك والسكري يا زوجتي ... , ... قالت ... ( بلاش بلاشين ثلاثة ) أسفه أعتذر منك , فأنا كثيرة النسيان , يا ابن عمي والجرزات ...
قال ... هذه سهلة جداً , سأعمل مثل , ما عمل أبي , في أول عيد , جاء بعد زواجه , من أمي مباشرة , ومازال هو وأمي يمارسون , نفس الطقوس الشاعرية هذه , أستذكاراً لتلك الأيام ... , قالت ... أخيراً فرجت يا ربي ... , لم يكترث لما قالت , بل أسترسل بلقول ... يشتري أبي لأمي , لفافة حب عين الشمس , ويبقيان الليل كله يقزقزان بها , حتى يأتيا على أخر حبه فيها ...
قالت ... هكذا يفعل أبوك لليوم مع أمك , لا بأس لا أريد شيئا منك , وأطرقت برأسها ثانيةً , فهي لم تعد تقوى على الكلام معه , وكأن لسانها قد شل في فمها , لأنها لم تعد قادرة , حتى على قول ( وينك يمه ) ولا ( وينك يابا ) هنا تنبه السيد ( مش مهم ) لحالة زوجته , لذا دنى منها , ليرفع بيده رأسها , الذي تدلى على صدرها , ليقول لها " لا أريدك أن تعتبريني , لا قدر الله زوج بخيل , أو مقصر معك أو مع أولادي أو بيتي , فأنا أعرف ماذا يعني العيد لك وللأولاد , لا يهمك أول يوم العيد سنذهب صباحاً ...
هنا ارتسمت أبتسامة عريضة , على وجهها الحزين فرحاً , ضناً منها أنه سيذهب بها إلى السوق , لتشتري ما يحلو لها , و تتبضع كل ما يحتاجه البيت للعيد , لكن سرعان ما سمعت زوجها يقول ... سنذهب عند أهلي , لنعييد على أمي وأبي , وبالتأكيد ستجدين عندهم , كل الذي طلبتيه , من حلوى وكعك , وإن بقينا للغداء , ستكون اللحمة سيدة المائدة , بعد ذلك نذهب لنعييد على أهلك , وأكيد سيقدمون لنا كعك وحلوى وجرزات , أنا أحب الجرزات الموصلية , التي يجلبها أبوك في الأعياد ...
قالت ... ماذا تقول ... , قال ... هذا واجب , نعم واجب زيارة الوالدين , وخصوصاً في الأعياد الدينية , وبالمناسبات الوطنية والقومية , الرسمية منا وغير الرسمية , ( وما أكثرها ) , وإلا أكون بنظرك ونظرهم , أبن عاق ...
هنا صرخت حتى كادت أحبالها الصوتية تتقطع قائلة ... الله يسامحك أبن عمي .. أنا أقول عنك أبن عاق , أو زوج بخيل مستحيل , ( المغلبي أمغلبي ) ما بعرف أقول لك تصبح على خير .. لأن الدنيا مازالت ليلاً .. أو أقول لك كل عام وأنت بخير .. لأن الفجر طلع .. مع ( طلعان روحي ) .. وبعد أن نسيت أنها , لماذا أفاقت من نومها , لم تقل هذا أو ذاك ولم تشرب , بل راحت تردد كلمات الأغنية , التي كان يصدح بها , راديو جيرانهم .. ما أندل دلوني يا بابا , ما أندل دلوني .. , بعدها دست جسدها المنهك تحت اللحاف , وغطت رأسها وهي تردد ( وينك يمه .. وينك يابا .. تعالوا وشوفوا السعادة اللي بنتك فيها )) ... وللحديث بقية أن كان هنالك في العمر بقية أن شاء الله ....
وكل عام وجميع القراء والأهل والأخوة والأخوات أينما كانوا .. أو حلوا .. أو أرتحلو .. أو رحلوا .. بألف ألف خير، وعيد مبارك علينا جميعاً
بقلم / جمــــال أبـــو النـــــسب
الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا
28/8/2011
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"