وإذا كانت تلك المخاوف مشروعة في
نهاية السبعينيات؛ أي بعد التمكين للثورة وقيام الجمهورية "الإسلامية"،
فإن عدم حدوث شيء منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم يؤكد بأنها كانت مجرد فزَّاعة
إعلامية وافتراءات وأساليب دعائية لتخويف حكام الخليج بهدف ابتزازهم، وجعل تلك
الأنظمة الخليجية تعيش في حالة من القلق والترقب، وتسهيل فتح أراضيها للدول
الغربية لتوفير الحماية لها، وذلك عبر توقيع الاتفاقيات الدفاعية وشراء الأسلحة
والمعدات العسكرية بمليارات البترودولار.
لا شك بأن هذه الحساسية تجاه
إيران جعلت أية عمليات تقارب معها من دول المنطقة أو التيارات الحركية فيها يتم
النظر إليها بأنها خطوة لا تلقى القبول والترحاب من دول الخليج، وقد يحدث على
إثرها - أحياناً - حصول مفاصلة سياسية أو قطيعة وتصنيف تلك الجهة بأنها تصطف في
معسكر الأعداء.
من هنا، فإننا كفلسطينيين كنا
نجد أنفسنا في موقع الحرج البالغ عندما نحاول "خلق" حالة توازن في
علاقاتنا مع إيران ودول الخليج، من حيث الوقوف على مسافة متساوية من كلٍّ منهما.
إننا نشهد بأن دول الخليج قد
قدمت الكثير للقضية الفلسطينية، ولم تبخل في تقديم الدعم المالي والسياسي لمنظمة
التحرير، وفتحت أبوابها لاستيعاب الكثير من العمالة الفلسطينية على أراضيها، حيث
عمل في تلك الدول عشرات ألاف المهندسين والمدرسين والأطباء والعمال، وتمتع
الكثيرون منهم بمنحهم وعائلاتهم تصاريح الإقامة والعمل لسنوات طويلة، وكذلك احتضنت
الجمعيات والمؤسسات الإسلامية والهيئات الإغاثية في تلك الدول العديد من المشاريع
الصحية والتعليمية والإنسانية لرعاية الفقراء والمحتاجين، بهدف النهوض بالحالة
الفلسطينية التي تعاني منذ الخمسينيات من مرارة التهجير ومن شقوة الاحتلال وقسوة
الحصار.
نحن نُقرُّ ونعترف - كفلسطينيين
- لدول الخليج بأنهم كانوا أصحاب يدٍّ بيضاء سخيّة، وقد قدَّموا لنا ولقضيتنا بكرم
وسخاء, ولكن السياسة – كما هو معروف - لها حسابات أخرى, حيث إن القضية الفلسطينية
هي قضية الأمة المركزية، وهي في أحضان الجميع لمكانتها الدينية و"القومية"
وتاريخها السياسي، وساحات التعاطي معها لا يمكن اختصارها بمنطقة واحدة.
من هنا، كان الدور الإيراني لا
يقل أهمية ومكانة عن الدور الخليجي، فإيران هي إحدى أهم ثلاث قوى مركزية بالمنطقة
مع تركيا ومصر، ووقوفها إلى جانب الفلسطينيين وقضيتهم يساوي في ثقله السياسي –
ربما – جميع الدول الخليجية، بل إن إيران في إمكانياتها التكنولوجية وقدراتها
العسكرية التصنيعية متميزة بشكل كبير عن باقي دول المنطقة العربية.
لكل ذلك، فنحن الفلسطينيون لا
يمكننا الاستغناء عن أحد، ونتطلع لبناء علاقات متوازية ومتوازنة مع جميع دول
المنطقة، بدون حساسيات سياسية أو هواجس بأن تلك العلاقات تؤثر على طبيعة صداقاتنا
أو تواصلنا مع الأخر.
إيران : شهادة للتاريخ
منذ نجاح الثورة "الإسلامية"
في إيران عام 1979م، تغيرت صيغة التحالفات السياسية والرؤية الاستراتيجية بين
الجمهورية "الإسلامية" و"إسرائيل"، حيث كانت أولي الخطوات
التي اتخذتها الجمهورية "الإسلامية" هي قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني،
وإغلاق سفارته في طهران ومنحها لتكون مقراً لسفارة دولة فلسطين، التي لم تكن قد
أعلنت بعد.. لقد تتابعت مواقف "الإمام" الخميني الداعمة للقضية
الفلسطينية، فكان إعلان "يوم القدس العالمي" في الجمعة الأخيرة من
رمضان، والاحتفال به في كل عام لتعريف العالم بالقضية الفلسطينية، وحقيقة هذه
القضية، حيث يقول "الإمام" الخميني: "إن "يوم القدس" هو
من الأيام المهمة والمصيرية.. ومنذ أعوام طويلة، والسعي مستمر لجعل قضية القدس
قضية منسية، و"يوم القدس" هو سهم موجه نحو قلب هذه المؤامرة... كرِّموا "يوم
القدس" بقدر استطاعتكم". واليوم، وفي ذكرى "يوم القدس العالمي"
من كل عام، تتحرك جموع المسلمين في كل مكان للتعبير عن وحدة الموقف الإسلامي تجاه
دعم القدس ونُصرة قضيتها.
لقد اعتاد الإخوة في السفارة
الإيرانية بالعاصمة واشنطن على دعوتنا في مناسباتهم الوطنية، وفتح المجال لنا -
كفلسطينيين - للتعارف مع زوارهم من السلك الدبلوماسي العربي والغربي، في خطوة
تتقدم بها إيران على غيرها من دول الخليج.
إن إيران – وهذه قناعتي - برغم
خلافنا معها حول الموقف تجاه ما يجري في سوريا, إلا انها دولة رضع شعبها لبن الحب
لفلسطين وأهلها، وذلك مما ورثوه من توصيات قياداتها الدينية والسياسية، والتي ظلت
تعطي وتجود لدعم الحالة الفلسطينية وتقديم التسهيلات والتكنولوجيا للمقاومة
الفلسطيني.
ولعلي هنا أتذكر ذلك الموقف الذي
حدث معي في طهران عام 2001م، عندما ذهبت لشراء بعض الهدايا لأولادي من أحد المعارض
في بهو فندق الاستقلال، حيث وجدت "سيدة" في الأربعين من عمرها تقف أمام
ركنٍ للحليّ والمجوهرات، فسألتها عن سعر بعض العقود (Necklaces)، فقالت العقد الواحد يساوي تقريباً 80
دولار، فقلت لها: أنا فلسطيني، وقد جئت من أمريكا للمشاركة في مؤتمر طهران لدعم
الانتفاضة الفلسطينية، فقالت سأقدم لك خصماً خمس دولارات، قلت لها ولكني سأشتري
لبناتي الثلاث، وإحداهن اسمها شيراز، وقد منحتها هذا الاسم لأن "\ميلادها جاء
متزامناً مع "ثورة المرأة المسلمة" في شيراز في يناير 1981م.. تحركت
فيها نخوة المشاعر كما لمست على وجهها تعاطفاً شدني لاستمرار الحديث معها، وكانت
كلما ذكرت لها قصة حول أولادي، وكيف أنهم يعيشون – أحياناً - بعيداً عنيَ بسبب
الاحتلال، تقدم المزيد من الخصومات, وكان آخرها عندما ذكرت لها إنني مدير تحرير
دورية تصدر باللغة الإنجليزية في أمريكا, وأن العدد الأخير منها يتناول دراسة حول
الرئيس محمد خاتمي، فقالت: يا أخي.. والله أنا هنا فقط مجرد موظفة, وقد أعطيتك هذه
العقود - تقريباً - بثمنها الأصلي إي 40 دولار، ولم أربح منك شيئاً, ولو كان هذا
المحل ملكاً لي لمنحتك إياها مجاناً.. شكرتها لكرمها، ولدموعها التي أوشكت أن
تنساب على خديها وهي تدعو لي ولعائلتي وللقدس التي يسكن حبها في قلب كل إيراني.
في الحقيقة، لقد لمست هذا الحب -
فعلاً واقعاً - عندما ذهبت لصلاة الجمعة في مسجد جامعة طهران، حيث كانت الشعارات
للقدس وللمقاومة وفلسطين تملاً جدران المكان، وكانت خطبة "الإمام" كروبي
– رئيس البرلمان في حينه - كلها عن فلسطين وضرورة أداء واجب الوقت في الدفاع عنها
وتقديم كل الدعم لها, وكانت هتافات جموع المصلين تتعالى بالموت لأمريكا و"إسرائيل".
بعد انتهاء مؤتمر طهران لدعم
الانتفاضة الفلسطينية في إبريل 2001م، والذي شاركت فيه وفود من حوالي ثلاثين دولة،
وبحضور أكثر من أربعمائة ضيف زائر، إضافة للمئات من الأكاديميين وعناصر الحرس
الثوري وقوات التعبئة (البسيج) وبمشاركة كل أركان الدولة الإيرانية؛ رئيس الحكومة،
والبرلمان، والجيش.
كان أمامي بضعة أيام بعد المؤتمر
لزيارة بعض الأماكن الدينية والسياحية هناك، وفعلاً رافقني صديق إيراني يجيد
الإنجليزية، حيث اصطحبني لزيارة مدينة قم "(المقدسة)" وأخذني لرؤية أهله
وتناول طعام الغداء معهم، وكذلك لزيارة بيت الإمام الخميني هناك، ثم "المسجد"
الذي يحتضن جثمانه واسمه "(مرقد إمام)"، وهو يقع في منتصف الطريق -
تقريباً - بين قم والعاصمة طهران.
إن ما شاهدته خلال زيارتي التي
استمرت لمدة أسبوعين هو محبة الناس هناك لفلسطين، وعاطفتهم الجياشة تجاه أهلها..
إن الإيرانيين حاولوا منذ انطلاقة حركة حماس تقديم الدعم المالي لها، ولكن نحن في
البداية كانت لنا تحفظات، وكان ما يصلنا من شعوب دول الخليج يكفي – حينئذ - لسدَّ
حاجاتنا الدعوية والجهادية، وكانت لدينا توجسات وشبهات حول أهداف وخفايا تلك
العروض بالدعم.
ومع مرور السنين وتعاظم
احتياجاتنا لدعم المقاومة وتطوير قدراتها القتالية، ودخولنا على خط العمل السياسي،
وتزايد التزاماتنا المالية تجاه شعبنا، أصبحت الحاجة ماسة لتغطيات مالية كبيرة،
حيث إن ما كان يصل من دول الخليج عبر مؤسساتها الخيرية لا يكفي، وأن المطلوب
يستدعي فتح المجال مع إخواننا في إيران وبلدان أخرى. إن إن اتصالات الإيرانيين بنا
لم تنقطع، حيث كانوا يشعرون بحجم الضائقة المالية التي نمرَّ بها ولاسيما بعد
الفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومة، وتراجع الدعم بسبب الضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية".
وللأمانة وشهادة التاريخ، فإن
الإيرانيين عرضوا وبسخاء تقديم الدعم لنا في الحكومة ولحركة المقاومة الإسلامية
(حماس).
كان الالتزام الإيراني ملحوظاً
ولا يمكن أن تغيب مشاهده وتأثيراته عن حسابات المراقبين للشأن الفلسطيني، حيث أسهم
في تعزيز ثبات الحكومة في وجه الحصار، والتمكين للمقاومة من ردِّ عدوان
"عملية الرصاص المصبوب" على قطاع غزة عام 2008, أو ما أسميناه بحرب
الفرقان, وكذلك عدوان 2012، والذي أطلقت عليه "إسرائيل" عملية
"عمود السحاب" وأسميناه بحرب "حجارة السجيل".
في الحقيقة، كان الدعم الإيراني
للحكومة ولحركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية أحد الأسباب في الصمود الأسطوري
لشعبنا، برغم وحشية العدوان ودموية القصف والقتل والتدمير الذي لحق بأهلنا
وأحيائهم السكينة من رفح إلى بيت حانون.. لذلك، تعاظمت التحالفات مع إيران و"حزب
الله"، وتقدمت في بغض خطواتها على دول الخليج بالمنطقة.
حماس في سياسة إيران الخارجية
أظهرت إيران في سياستها الخارجية
مواقف قوية داعمة للقضية الفلسطينية، فهي لم تخف عدائها "لإسرائيل"
الدولة المارقة، حيث اعتبرها "الإمام" الخميني بأنها غدة سرطانية يتوجب
إزالتها من الوجود، وكان النداء بعد نجاح الثورة "الإسلامية"
"اليوم إيران وغداً فلسطين".
لقد تبنت الجمهورية "الإسلامية"
دعم أسر "الشهداء" الفلسطينيين التابعين لحركة حماس من خلال مؤسسة "شهيد"
الثورة "الإسلامية"، كما تبنت علاج جرحى الانتفاضة في المستشفيات
الإيرانية، وكذلك العديد من جرحى الاعتداءات "الإسرائيلية" المتكررة على
قطاع غزة.
وعندما قامت "إسرائيل"
بإبعاد 415 قيادياً وكادراً إسلامياً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج
الزهور في الجنوب اللبناني عام 1993م، تحركت إيران من خلال "حزب الله"
برعاية شؤون هؤلاء المبعدين، وتقديم كل ما يحتاجون إليه من مستلزمات الحياة
المعيشية وكذلك تدريب العديد من كوادر الحركتين وتسهيل تنقلات البعض منهم إلى خارج
الساحة اللبنانية.
وعندما قامت الأردن بترحيل قيادة
حركة حماس من الأردن عام 1999م، أبدت إيران الدولة استعدادها لاستقبالهم فيها،
ولكن نظراً لبعد المسافة آثر الإخوة الإقامة في سوريا لقربها من فلسطين وسهولة
التنقل منها وإليها، وقد لعبت إيران دوراً مهماً في إقناع السوريين باستضافة قيادة
حماس على أراضيها، وتبديد ما كان لديهم من تحفظات ومخاوف؛ كون حركة حماس تنتسب
تنظيمياً لحركة الإخوان المسلمين العالمية، والتي خاض النظام السوري صراعاً
عسكرياً معها في أوائل الثمانينيات، وتحولت منذ ذلك الحين إلى عداوة تاريخية مزمنة.
ويحفظ كذلك للإيرانيين موقفهم تجاه فلسطينيي العراق الذين
تمَّ أسرهم في الحرب العراقية الإيرانية، حيث قامت بإطلاق سراحهم إكراماً للشيخ
أحمد ياسين – رحمه الله - خلال زيارته لطهران عام 1997م، والسماح لهم بالعودة إلى
موطن إقامتهم بالعراق.
لقد كانت إيران أول دولة تفتح
لحركة حماس مكتباً في طهران عام 1991، وتسمح لها بالتحرك داخل الساحة الإيرانية؛
حيث كان ممثل الحركة هناك يشارك في الاحتفالات الوطنية وفي حضور الأنشطة الطلابية
في الجامعات ويفتح له المجال في المناسبات الدينية لمخاطبة الإيرانيين في طهران
ومشهد.
وفي سياق إظهار حرصها على مستقبل
الطلاب الفلسطينيين، قامت إيران بإعطاء الكثير منهم منحاً للدراسة في جامعاتها أو
في خارجها.
في الحقيقة أن جزءاً من سياسة
العداء الغربية لإيران هو بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، وسياساتها التي
تتناغم مع مواقف القوى الإسلامية – حماس والجهاد الإسلامي - برفض اتفاقية أوسلو،
والدعوة لتعزيز خيار المقاومة المسلحة لاستعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة، وقيام
دولة فلسطين الحرة المستقلة.
إيران في إستراتيجية المقاومة
الفلسطينية
لا يختلف اثنان داخل الساحة
الفلسطينية أن لإيران الكثير من الفضل على دعم وتطوير إمكانيات المقاومة الإسلامية
(كتائب القسام وسرايا القدس) في مجال صناعة الصواريخ، والتي غدت تشكل بعد حرب
"حجارة السجيّل" تهديداً خطيراً لأمن واستقرار "إسرائيل".
إن المقاومة الإسلامية في قطاع
غزة تدين لإيران بفضل ما تحقق لها من صمود عسكري في مواجهة العدوان "الإسرائيلي"،
وقدرتها على الردع والوقوف ببسالة في وجه آلة الحرب الصهيونية، وتوجيه ضربات موجعة
طالت العمق "الإسرائيلي".
إن السياسة قد تفرق بيننا في
واحدة من محطاتها كما حدث في تباين وجهات نظرنا تجاه ما يحدث في سوريا، ولكن ما
يجمعنا بإيران من مصالح مشتركة كثير واستراتيجي، "فإسرائيل" هي العدو
الأول للأمة، ورؤيتنا في هذه المسألة تتطابق مع الرؤية الإيرانية، وليس بيننا أي
خلاف حول ذلك.. وقد جاءت تصريحات الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني لتؤكد على
حقيقة ما لدى كل منا من قناعات، وهي كما قال:" في نهاية المطاف.. في منطقتنا
ثمة على مدى عقود طويلة مشكلة كبيرة تسبب الجرح للعالم الإسلامي برمته – وهي
احتلال الأرض الفلسطينية المقدسة ومدينتنا الأغلى القدس".
إن إيران هي حليف استراتيجي لنا
وللمقاومة الفلسطينية بمختلف أسمائها ومسمياتها "النضالية"، وهي لن
تتخلف عن تقديم كافة أشكال الدعم العسكري والمعرفي (Know-How) لها، كما أنها لن تبخل عن تطوير إمكانيات كوادرها بالتأهيل
والتدريب، وستبقى إيران الدولة التي يشهد لها تاريخ عمليات المقاومة بأن لها حصة
في كل ما تحقق من انتصارات، وخاصة في الحربين الأخيرين على قطاع غزة؛ حرب الفرقان
2008م، وحرب حجارة السجيّل 2012م.
ختاماً: وتبقى إيران في دائرة
الحليف الاستراتيجي
هناك من اعتاد التشكيك في أهداف
العلاقة الإيرانية بحركة حماس، والطعن بمجمل نواياها تجاه القضية الفلسطينية،
ويتناسى هؤلاء وأولئك كيف احتضنت الجمهورية الإسلامية و"الأمام" الخميني
الرئيس أبو عمار – رحمه الله – ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل أن تظهر حركة حماس
وتلج ميدان السياسة والعمل العسكري بعقد من الزمان تقريباً.. ولو كانت أهداف إيران
تحكمها فقط اعتبارات المصالح كما هي العادة في علاقات الدول، لكانت القطيعة معها
دائمة بعد الخلاف حول الملف السوري.. ولكن؛ حيث إن علاقاتنا كحليفين استراتيجيين
هي مصالح تحكمها المبادئ والقيم الإسلامية، فقد تفهم كلُّ طرف وجهة نظر الطرف
الآخر، وعملا معاً لتجاوز "سياسة حافة الهاوية" في الخلاف حول ما يجري
على أرض سوريا، وتمحورت لقاءات الجانبين – خلال الشهور الأخيرة - حول القضية المركزية
للأمة، والتي تحظى بالأولوية لدى كلٍّ منهما؛ وهي قضية فلسطين والموقف تجاه "إسرائيل"
الدولة المارقة، وكيفية مواجهتها والتصدي لها.
وعلى أرضية هذا الفهم والتفهم،
كان اللقاء بين الإخوة في حركة حماس وصنَّاع السياسة في الجمهورية "الإسلامية"،
بهدف استعادة خطوط التواصل التي تمَّ بناؤها على أسس من وضوح الرؤية ووحدة الهدف
والسير على خطى ما توافقنا عليه كمعالمٍ لطريق التحرير والعودة.
لكل ذلك؛ ستظل إيران في حساباتنا
الاستراتيجية دولة ما يجمعنا بها من تفاهمات أكبر من خلافات السياسة التي تتبدل
مقاساتها واعتباراتها من حين لآخر.. ولكن؛ وهذا بيت القصيد، إن إيران الشعب لها
عاطفة ولاء لفلسطين وأهلها لا ينزعها موقف آنيِّ نختلف حوله، فهي وكما أثبتت
علاقاتنا معها كفلسطينيين منذ نجاح الثورة "الإسلامية" عام 1979م أو
كحركة مقاومة إسلامية انطلقت في ديسمبر 1987م، برهنت أنها ذات مواقف إستراتيجية لا
تقيل ولا تستقيل.
المصدر : وكالة سما الإخبارية
17/8/2013